حازم الجندى

لماذا نحتاج إلى هيئة لتنظيم السوق العقاري المصري؟

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025 12:41 م


يشهد السوق العقاري المصري توسعًا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالطفرة العمرانية والمشروعات القومية الكبرى التي تنفذها الدولة في مختلف أنحاء الجمهورية، هذا التوسع، رغم أهميته كأحد محركات النمو الاقتصادي، كشف في الوقت نفسه عن ثغرات خطيرة في منظومة التنظيم والرقابة على السوق العقاري، جعلت المواطن – في كثير من الأحيان – الحلقة الأضعف في معادلة يفترض أنها تقوم على الثقة والاستقرار.

لقد تحول الحلم المشروع بامتلاك وحدة سكنية لدى آلاف الأسر المصرية إلى كابوس حقيقي، بعد أن وجدوا أنفسهم ضحايا لعمليات نصب واحتيال عقاري، استُنزفت فيها مدخرات العمر تحت لافتات براقة وإعلانات وهمية، دون سند قانوني أو ضمانات حقيقية، عشرات الآلاف من القضايا المتداولة في المحاكم، ومليارات الجنيهات التي تبخرت، ليست أرقامًا عابرة، بل مؤشرات واضحة على خلل هيكلي يستدعي تدخلاً تشريعيًا وتنظيميًا عاجلًا.

المشكلة لم تعد حالات فردية أو تعثرات عارضة، بل باتت نمطًا متكررًا في سوق يعمل دون مظلة تنظيمية موحدة، غياب جهة رقابية مختصة، وتضارب الاختصاصات بين المحافظات وهيئة المجتمعات العمرانية ووزارة الإسكان وجهاز حماية المستهلك، خلق بيئة مشوشة، سمحت بانتشار سماسرة غير مرخصين، ومطورين غير جادين، وعقود إذعان لا تضمن الحد الأدنى من حقوق المشترين.

البيع على الخريطة، بصورته الحالية، يُعد أحد أبرز أسباب هذه الفوضى؛ إذ يسمح بجمع أموال المواطنين دون وجود ضمانات حقيقية للالتزام بالجداول الزمنية أو تنفيذ المشروعات فعليًا، والأسوأ أن بعض المطورين يعيدون تدوير أموال العملاء في مشروعات أخرى، مستفيدين من ضعف الرقابة وغياب المحاسبة، ليقع المواطن في حلقة مفرغة بين تأخير التنفيذ، وتوقف السداد، ثم النزاع القضائي.

القضايا التي كُشفت مؤخرًا – من غسل مئات الملايين من الجنيهات تحت ستار الاستثمار العقاري، إلى بيع الوحدة الواحدة لأكثر من مشترٍ، أو اختفاء شركات تسويق بعد تحصيل مقدمات الحجز، تؤكد أن ما يحدث ليس مجرد خلل إداري، بل تهديد حقيقي للسوق وللاستقرار الأسري.

حين نسمع عن أكثر من 150 مواطن يطالبون بإنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري، وحين نجد أسرًا مهددة بالسجن بسبب قروض سكنية لوحدات لم تُسلَّم منذ سنوات، ندرك أن الأزمة تجاوزت حدود السوق، وأصبحت قضية رأي عام تستوجب الحسم.

وجود كيان يمثل الدولة مثل إنشاء هيئة تنظيم السوق العقاري، أصبح ضرورة ملحة لا رفاهية، ومن هنا، تقدمتُ باقتراح برغبة في مجلس الشيوخ لإنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري المصري، تكون الجهة المنوطة بحوكمة هذا القطاع الحيوي، وضبط العلاقة بين المطور والمشتري، بما يحقق التوازن بين تشجيع الاستثمار وحماية حقوق المواطنين.

هذه الهيئة يمكنها أن تضع قواعد ملزمة للإعلان والتسويق العقاري، وتُنشئ سجلًا موحدًا للمطورين والوسطاء، وتراجع العقود النموذجية، وتتحقق من الملاءة المالية قبل طرح أي مشروع، فضلًا عن مراقبة التنفيذ على الأرض، وتلقي شكاوى المواطنين، وفرض جزاءات رادعة على المخالفين.

لا يمكن تجاهل الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الدولة مؤخرًا، وفي مقدمتها قانون الرقم القومي الموحد للعقارات، الذي يؤسس لقاعدة بيانات دقيقة تُعزز حوكمة الأصول العقارية، لكن هذا المسار يحتاج إلى استكماله بتشريع ينشئ كيانًا تنظيميًا مستقلًا، يُحوّل القوانين من نصوص على الورق إلى حماية فعلية على أرض الواقع.

السؤال الجوهري الذي يجب أن نطرحه: من يحمي المواطن حين يلتزم بسداد أقساطه ولا يلتزم المطور بوعده؟ وكيف يمكن لسوق يُعوَّل عليه في جذب الاستثمارات أن يزدهر دون قواعد واضحة ومحاسبة صارمة؟.. إن إنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري ليس استهدافًا للاستثمار، بل حماية له، لأنه يعيد الثقة، ويحد من النزاعات، ويقضي على العشوائية، ويجعل السوق مساحة آمنة، لا مغامرة غير محسوبة العواقب.

تنظيم السوق العقاري اليوم لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لحماية أموال المواطنين، ودعم الاستقرار الاجتماعي، فرغم أهمية هذا القطاع كأحد محركات النمو الاقتصادي، إلا أن غياب كيان تنظيمي موحد للسوق العقاري وغياب الرقابة أدى إلى انتشار وتكرار وقائع النصب والاحتيال العقاري على المواطنين، من خلال بيع وحدات دون سند قانوني أو تراخيص معتمدة، والاستيلاء على أموال المواطنين و"تحويشة عمرهم" بالنصب والاحتيال وعن طريق الإعلانات الوهمية، فيتم جمع أموال من المشترين، وتمر سنوات دون تنفيذ المشروع أو استكماله أو دون تسليمهم الوحدات المتعاقد عليها، فضلاً عن تضارب الاختصاصات بين الجهات المختلفة المعنية بالعقار، وانتشار سماسرة غير مرخصين يسيئون إلى السوق ويهدرون حقوق المتعاملين، وضعف قواعد الإفصاح والشفافية في التعاقدات العقارية، مما نتج عنه عشرات الآلاف من القضايا في المحاكم ومبالغ بمليارات الجنيهات تم الاستيلاء عليها من خلال النصب على المواطنين.

وهناك من يرى أن جزءًا كبيرًا من التأخير يعود إلى تعطّل الإجراءات الحكومية، سواء في إصدار القرارات الوزارية أو التراخيص أو إمدادات المرافق، وتضارب الاختصاصات بين الجهات المعنية، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على الجدول الزمني للتنفيذ، غير أن المطورين غير الجادين يستغلون هذه الفجوات في نفس الوقت لتوجيه أموال المشروعات لاستخدامات أخرى، ما يفاقم الأزمة، إذ أن غياب الرقابة يسمح للمطورين بالتوسع دون ضوابط، ويجعل المشترين في مواجهة مباشرة مع الشركات دون سند أو حماية فعلية.

كما أن ترك السوق العقاري دون تنظيم ورقابة واضحة أدى إلى استفحال مشكلات التلاعب في العقود، وفرض رسوم غير منصوص عليها، وتأخير التسليم، هذا فضلاً عن أن شهادات المتضررين تكشف عن أزمة ثقة ممتدة، لا تتعلق فقط بجودة المشروعات أو التزام الشركات، بل بغياب جهة محايدة يمكن الرجوع إليها، وانعدام قناة رسمية تتلقى الشكاوى أو تضمن الحد الأدنى من الشفافية، ومع ازدياد حجم النزاعات، تتصاعد الدعوات لإنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري، قادرة على وضع قواعد ملزمة، ومراقبة استخدام مقدمات الحجز، والتحقق من توافر الغطاء المالي قبل البيع، ومراجعة التنفيذ على الأرض بصورة دورية، بحيث يمكنها أن تعيد الثقة وتُغلق الباب أمام الممارسات المخالفة والنصب والاحتيال على المواطنين.


كل ذلك يستوجب ضرورة الإسراع في إصدار تشريع لإنشاء هيئة تنظيم السوق العقاري في مصر، لتكون الجهة المنوطة بحوكمة وتنظيم وضبط التعاملات العقارية، بما يحقق التوازن بين تشجيع الاستثمار العقاري وحماية حقوق المواطنين، وذلك من خلال ضبط وتنظيم عمل المطورين والوسطاء العقاريين، وحماية المتعاملين من عمليات الغش والتدليس والاحتيال، بالإضافة إلى تلقي شكاوى المواطنين والتحقيق فيها بالتنسيق مع الجهات المختصة، وإلزام الشركات بالإفصاح الكامل عن الموقف القانوني للأراضي والمشروعات، والتنسيق مع وزارة العدل والشهر العقاري لتيسير إجراءات التسجيل ومنع التلاعب، علاوة على فرض جزاءات إدارية ومالية على المخالفين، مما سيساهم في الحد من جرائم النصب والاحتيال العقاري، وحماية مدخرات المواطنين وتعزيز الأمن الاجتماعي، وتنظيم السوق والقضاء على العشوائية والوساطة غير المشروعة، ورفع كفاءة الاستثمار العقاري وزيادة جاذبيته.

نحتاج إلى هيئة لتنظيم السوق العقاري المصري، لوضع آليات واضحة وحاسمة وتكون لها صلاحيات الرقابة والمحاسبة، وضرورة إخضاع جميع مشروعات التطوير العقاري لرقابة جهة حكومية مختصة، وإلزام المطورين بفتح حسابات بنكية مخصصة لا تُستخدم إلا في تنفيذ المشروع، ومنع أي مطور متعثر من تسويق أو بيع مشروعات جديدة قبل حل مشكلات المشروعات السابقة مع فرض غرامات مالية كبيرة وسحب التراخيص من الشركات غير الملتزمة بمواعيد التسليم، وإطلاق منصة رسمية لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعتها بجدول زمني واضح وشفاف، فضلا عن ضرورة أن تلتزم الدولة بمنع البيع إلا بعد تنفيذ نسبة كبيرة من المشروع، أو إلزام المطورين بفتح حسابات بنكية خاصة للمشروعات تمنع توجيه أموال العملاء إلى أي نشاط آخر، وتُودع فيها الإيرادات ويُصرف منها على المشروع فقط، تحت رقابة مصرفية صارمة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة