تواصل إسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق لخلق أمر واقع في قطاع غزة، غير عابئة لا بالمعايير الإنسانية ولا بقرارات الشرعية الدولية ولا ملتزمة ببنود خطة ترامب، لذلك فإن المؤشرات الميدانية والسياسية توحي بغياب نية حقيقية لدى الجانب الإسرائيلي للالتزام الكامل بمسار الاتفاق، فضلا عن كافة المعطيات تشير إلى أن إسرائيل تواصل القصف وعمليات الاغتيال لتعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية أو لإعادة التفاوض عليها بشروط جديدة، أو لدفع حماس للرد على الإنتهاكات ما يعطي إسرائيل ذريعة لنسف الإتفاق بالكامل، والمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية من القضاء التام على المقاومة، ودفع أهل القطاع لمغادرته تحت ضغوط انهيار مقومات الحياة، بما يحقق هدف التهجير، ولو جزئياً، والذي تسعى إسرائيل لتحقيقه.
غير أن مكمن الخطر، أن المؤشرات تؤكد أن إسرائيل تتحرك ضمن إطار تفاهمات غير معلنة مع الجانب الأمريكي، في حين يُبقي الطرفان تفاصيل هذه الخطة بعيدة عن الوسطاء، ما يجعل مسار الاتفاق رهينة لإرادة سياسية إسرائيلية مدعومة أمريكيًا، أكثر منه عملية تفاوض متوازنة.
لذلك، فإن السيناريوهات المحتملة تتأرجح ما بين استمرار المماطلة الإسرائيلية مع إبقاء الاتفاق في حالة جمود، دون انهياره رسميًا، أو لانتقال المشروط للمرحلة الثانية وفق شروط إسرائيلية جديدة تُفرغ الاتفاق من مضمونه، أو انهيار المسار التفاوضي وعودة التصعيد العسكري تحت غطاء تحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل.
الخطر الأكبر ما يعرض في الإعلام الأمريكى والإسرائيلى حول غزة الجديدة، وحديث عن خطة تتضمن أربع مراحل لإزالة الأنقاض، وإعادة بناء القطاع، وانتشال سكانه من الفقر، تبدأ في الجنوب برفح وخان يونس، ثم المخيمات المركزية، قبل أن تنتهي بمدينة غزة، وذلك انطلاقا من إزالة الأنقاض والقنابل غير المنفجرة وأنفاق حماس، مع توفير مأوى مؤقت ومراكز طبية لسكان غزة، ثم سيبدأ بناء مساكن دائمة ومرافق عامة وبنية تحتية، وتفترض الخطة غزة مدينة ذكية تعتمد على التكنولوجيا في إدارة شؤونها وخدماتها.
وأخيرا، نستطيع القول، إن ما تفعله إسرائيل يأتي في إطار سياسة الخداع الاستراتيجي، تسعى من خلال هذه السياسة إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية بتحقيق شروطها وفرض واقع جديد يمكنها من تحقيق أهداف استراتيجية كان قد أعلن عنها رئيس وزرائها أمام الشاشات في تحد سافر للعالم وللقانون الدولى.. وهو ما يجب الانتباه إليه