حازم حسين

حتى تشرق شمس غزة من داخلها.. سباق مع الزمن لانتشال السياسة من ألاعيب الاقتصاد

الإثنين، 22 ديسمبر 2025 02:00 م


عندما كانت غزة قائمة على أُسس راسخة من العمران والاجتماع، كان للكلام عن السياسة وقتها جذر وفروع. والآن تحوّلت إلى خراب يطمر من الجثث والمواجع، ما لا يقل عن آلام الموتى الأحياء من الضائعين بين تلال الركام. وبات الإنقاذ مُقدّما على كل حلم آخر، بحيث لم تعُد للاختلاف على التفاصيل الصغيرة معنى، فيما الأصول الكبرى مهددة بفقدان معانيها.

وتلك معضلة الحالة الراهنة؛ أنه لا يمكن تمرير أية إشارة من دون ارتياب فيها، كما لا يجب التوقف عندها وتضييع فرصة الأمل مهما بدت باهتة أو خادعة. لكل كلمة وزن وشأن لأنها تتصل بجوهر القضية العميق؛ إنما لا تؤخَذ على عواهنها أيضا، ذلك أن الأولوية لإعادة بناء المظهر الذى لا يقوم من دونه نضال أصلا، ومناط الاعتبار بالموازنة بين الخوف والرجاء، بحيث لا يُعطّل أحدهما الآخر، أو يصرف الأنظار عنه تماما.

لم تكن إسرائيل تريد السياسة، وما تزال على دأبها؛ لكنها ما وُضِعَت إزاء امتحانات جادة فى زمن السلامة، لتُجبَر عليها اليوم فى أزمنة الضعف. والجدية ليست بندقية أو حنجرة صاخبة، بقدر ما هى عقلية قادرة على الاستثمار فى القوة والضعف على السواء، لتُعزّز الأولى وتُوظّف الثانى لحين ترشيده أو الخلاص منه، وليس أن تُضيف إليه طبقات من الإضعاف الذاتى والتآكل الحثيث دون مبرر أو ضرورة.

والحادث أن القطاع يدفع ثمن الانقسام، كما يُسدد من شرايينه المفتوحة أثمان الانفراد بقرار الحرب مع العجز عن خوضها. ربما لم يكن الانقلاب فى العام 2007 ليُغيّر شيئا فى الصدام بعد نحو عقدين أو أقل قليلا؛ إنما فى الحد الأدنى لم يكن حضور السلطة الوطنية فيه ليتعرّض للجدل والاعتراضات الحالية من جانب الاحتلال، أو يتطلب التنازلات المطلوبة عاجلا على موعدة بعوائد آجلة وغير مضمونة.

والعُقدة مع الصهاينة مستحكمة منذ البداية من دون شك؛ لكنها كانت بسيطة بالقياس إلى ما آلت إليه فى الواقع المنظور. فقبل طمع حماس فى غزة كانت المواجهة بين فلسطين وإسرائيل، ثم صارت بين تصورين عن الدولة مع العدو، وفيما بينهما فى الوقت ذاته. والآن لم تعد المسألة فى حرب يُراد وقفها، بل فى ابتعاث الحياة من أنقاض موت عميم، مع تركة ثقيلة لا تعرف وارثها حتى الآن.

تتقدّم رام الله بحسابات يختلط فيها الوطنى بالتنظيمى، وتتشدد الحركة لاعتبارات فصائلية فوق وطنية، ويرفضهما نتنياهو معا بعدما مكّنتاه من نفسيهما، فما عادت لفلسطين نفس واحدة، أو لسان يلهج بذكرها دون غنيمة خاصة فى الداخل أو ولاءات مشبوهة للخارج. والمأساة أن الاستدراك الآن على خطايا الماضى؛ لن يُقلّص تبعاتها الثقيلة أو يُصوّبها بأثر رجعى، ناهيك عن المكابرة فى الاعتراف بها، وعن عدم الرغبة فى المراجعة والتقويم من الأساس.

دخلت التهدئة شهرها الثالث قبل أيام، وما تزال متعثرة فى الانتقال إلى مرحلتها الثانية. انقضت النقاط السهلة وتبقّت الصعوبات، من انسحاب الاحتلال ونزع سلاح الفصائل، إلى التعافى وإعادة الإعمار، مرورا بتهيئة تركيبة الانتقال بمكوناتها الثلاثة الأساسية: مجلس السلام برئاسة ترامب، تليه إدارة مدنية غير مؤدلجة، وتجاورهما قوة الاستقرار الدولية بطبيعتها غير الواضحة وأدوارها المُختلَف عليها.

وفيما يُركِّزُ كلُّ طرف على الجوانب ذات الأهمية بالنسبة له، لا يبدو أن أحدا من الفاعلين فى المشهد الفلسطينى ينشغل بالصورة الكلية، ويتحسّب لما وراء الإرجاء أو تجميد الأوضاع من مخاطر وتحديات، ليس أسوأها أن يتجدد القتال بالمناسبة، بل أن يُبَرّد الميدان على تشكيله الفوضوى غير المنتظم، وتلتئم كسور القطاع على ما بها من اعوجاج وتيبُّس للمفاصل.

والانشغال بالجزئى لا يضع غلالة على العيون فحسب؛ إنما يوفر هامشا للاعبين أن يُعدّلوا فى الخطط والأفكار، أو ينفذوا من ثغرة الإطالة وغياب الحسم إلى منازعة الرؤى المتفق عليها سلفا، وترقية بدائل لا تعود مع الوقت مجرد رياضة ذهنية أو جدليات فارغة، بل تحجز لنفسها مكانا على الطاولة، وتُفرض على التداول فرضا، بعدما يفرغ غير المستشعرين لأهمية الوقت من لعبتهم الاستخفافية؛ ليجدوا أنهم صاروا فى مواجهة مع خيال فائر لا يتوقف عن التجدد، ولا حل معه إلا بالمبادرة واغتنام الممكن قبل أن يصير عزيزا، وعدم المغامرة بإفساح متّسع يُجرب فيه الآخرون قدرتهم على الابتداع واصطناع ما لم يكن مكتملا فى وعيهم إلى وقت قريب.

يُغرَم كثيرون بالنظر إلى الولايات المتحدة على أنها كُليّة القدرة والإرادة والاستيعاب، بما يعنى أنها لا تنطلق من فراغ أبدا، ولا تذهب إلا إلى ما ابتغته قصدا منذ الخطوة الأولى. وربما يكون ذلك صحيحا فى سياقات، أو مع إدارات سالفة؛ لكن ما يُرى من ترامب وفريقه أنهم يرتجلون المواقف بحسب الوقائع، ويُعدّلون فى اتجاه حركتهم وإيقاعها بوتيرة لا تهدأ.

صحيح أنها قد تكون آلية للإغراق والإرباك والمفاجأة؛ غير أنها تحتمل شيئا من التفسير بالخفة وضعف الخبرة، لا سيما أن تركيبة الولاية الثانية انحازت فى أغلبها إلى رجال الأعمال وأصدقاء ملعب الجولف، ولا تتساند فيها يبدو إلى الدولة العميقة وآليات العمل المؤسسى، وليس أدل من تصدُّر المبعوث ستيف ويتكوف للملفات من غزة إلى أوكرانيا، فيما يُحيّد وزير الخارجية ومستشار الأمنى القومى ماركو روبيو ومؤسستيه الكبيرين معه بطبيعة الحال.

والقرينة أن الرئيس تحدث عن استعادة قناة بنما وضم جزيرة جرينلاند وإلحاق كندا بالعَلَم الأمريكى ثم صمت عنها جميعا، وقال بالتهجير والريفييرا ثم عاد إلى صيغة أقرب للطرح المصرى المعروض منذ فاتحة الأزمة، ويتبدل على الاحتمالات كلها جيئة وذهابا؛ كأنه يتقصد التشتيت حينا، أو يفتقد الرؤية الاستباقية فى أغلب الأحيان.

وفيما يخص غزة، يضع نتنياهو العراقيل على الطريق، وتجاريه واشنطن فيها إلى الآن، وبين وقت وآخر تُبدى قدرا من الضيق أو الامتعاض. والثابت أن حلحلة الملف تكتسب لديها أهمية كبرى، مع السعى إلى الموازنة بين أولوياتها ومصالح إسرائيل، ومن دون إثارة غضب حلفائها الإقليميين، أو التضحية بالزخم المتولد عن الاتفاق الأخير وقمة شرم الشيخ للسلام.

لهذا؛ فإنها تضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية، وتعرف أن مقتضيات الانسحاب فيها لما وراء الخط الأصفر لا تلاقى هوى لدى الحكومة اليمينية فى تل أبيب، فترهن الأمر بانتزاع السلطة من حماس وتجريدها من سلاحها، والحركة من جانبها تتفاوض على الحاضر وكلها أمل فى المستقبل، ولسان حالها ما كان مع حليفها فى محور الممانعة شمالا، إذ كان السلاح حصانة لحزب الله فى بيئته الداخلية بعد حرب يوليو 2006، وما زال حتى الآن، ولديه عشم فى توظيف فائض القوة وطللها للحفاظ على مكتسباته كدويلة فوق الدولة، أو أول بين متساوين فى الحد الأدنى.

أى أن الاعتصام بالبندقية القسامية لا يعود غالبا إلى الثابت المبدئى عن المقاومة المشروعة وحقها فى الوجود ما بقى الاحتلال، بل ينصرف إلى الحفاظ على حظ من الطاقات الكامنة لاستغلالها لاحقا فى إعادة رسم التوازنات مع بقية الفصائل، وليس استنفار العدو أو استدراجه للحرب من جديد.

وبعيدا من مرامى الحماسيين؛ فإن نتنياهو يؤسس عليهم ذريعته للتهرب من التزامات التسوية، أو إعادة تحريرها على وجه يعزل غزة عن ماضيها فى كل مستوياته السابقة، أكان الوقوع فى قبضة قوة جزئية تنفرد بها وتُقيم عليها دعائم أسطورتها الخاصة، أو ارتدادها إلى عصمة السلطة الوطنية لتكون جناحا ثانيا تحلق به فكرة الدولة المقيّدة بالحصار الخانق والاستيطان الذى يتخلل أرجاء الضفة الغربية ويحولها إلى جزر معزولة عن بعضها.

وإن كان العجوز الماكر قد مرّر لترامب خطته اضطرارا؛ فإنه يناور للإفلات من قيودها الظاهرة، أو لسحبه ناحية تكييفها بصيغة تحقق له ما يريده من زاوية المقايضة بين السياسة والاقتصاد كما يُحب سيد البيت الأبيض.

قبل أيام تلاقى الوسطاء والضامنون الأربعة لاتفاق غزة فى مدينة ميامى بولاية فلوريدا، ونشر ويتكوف بعدها على حسابه فى منصة إكس بيانا عن تفاصيل الاجتماع، أكد فيه الالتزام ببنود الخطة العشرين ودعوة جميع الأطراف إلى الوفاء باستحقاقاتها، وضبط النفس جنبا إلى جنب مع التعاون بشأن ترتيبات المراقبة.
أشاد بالتقدم المتحقق فى المرحلة الأولى، ثم عقّب عليه بالدعوة إلى إنشاء وتفعيل إدارة انتقالية فى المدى القريب وفق مقتضيات المرحلة الثانية، على أن تستمر مشاورات التنفيذ خلال الأسابيع المقبلة، بحسب نص البيان، ما يعنى أنه لا مجال للإعلان عن تشكيل مجلس السلام وهيكلية القوة الدولية ونطاق تكليفها قبل عيد الميلاد، كما كان ترامب يأمل ويتطلع خلال الفترة السابقة؛ لكن الإشارة الضمنية المهمة أن الخطة على حالها، والتدرج فى تطبيقها لن يحدث من خارج النصوص الواردة بيها بالحرفيّة والتتابع.
غير أنه بالتزامن مع الحوار الساعى لسذ الفجوات وتحريك الجمود، كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» تنشر ما قالت إنها تفاصيل خطة بديلة لإعادة إعمار القطاع، نسبتها إلى ويتكوف ومعه صهر الرئيس جاريد كوشنر والمستشار بالبيت الأبيض جوش جرينباوم. تحمل الورقة مُسمّى «مشروع شروق الشمس»، وتأتى فى اثنتين وثلاثين صفحة مشمولة بنصوص وصور ومخططات وجداول بيانات، وخلاصتها أن تتوزع عملية البناء على أربع مراحل: من رفح جنوبا، لتتدرج صعودا لخان يونس ووسط القطاع وصولا إلى غزة فى الشمال.

ومن دون الإغراق فى التفاصيل؛ فإنها تُشبه فكرة «الريفييرا» التى طرحها ترامب خلال فبراير الماضى، وما تنحرف عنها فيه لا يُقربها من الخطة العربية الإسلامية التى أعدتها مصر، بل يمزجها بالأفكار الإسرائيلية المترددة فى الآونة الأخيرة عن إعمار المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال، وتدشين غزة جديدة خضراء، فى مقابل أخرى قديمة حمراء ومهدّمة تحت سلطة حماس. وإن قال التقرير المشار إليه إن العملية لن تبدأ قبل نزع السلاح وتحييد الحركة تماما.

يمتد المشروع إجمالا لنحو عقدين، ويتكلف فى العشرية الأولى ما يفوق 112 مليار دولار. تقول الولايات المتحدة إنها ستتكفل بنحو 20 % منها عبر منح وضمانات ديون، وسيشترك البنك الدولى فى التمويل، لكن الجانب الأكبر من التكلفة لا يُشار إلى مصادره والمتكفلين به، وما إذا كان سيُوضَع على عاتق المانحين الدوليين أم يُدبّر من خلال عقود شراكة وتطوير مع القطاع الخاص.

ستكون رفح مركز الثقل، لأنها مبتدأ التفعيل، فضلا عن اتخاذها مقرا للحوكمة وتأهيلها لاحتواء ربع السكان، من خلال 100 ألف وحدة سكنية مع ملحقاتها من المرافق والخدمات. أما الثغرات فلا حصر لها؛ أهمها وضعية الغزيين فى الفاصل الطويل بين الهدم والبناء، وطبيعة الحكم، وأُفق الصراع انطلاقا من صلة غزة بالضفة وتشكيلهما معا لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة.

تقول الصحيفة إن الفريق الأمريكى استعانوا بمدخلات من مسؤولين إسرائيليين؛ لكن النقطة الأهم أن شظايا المقترح جرى تجميعها خلال الأسابيع الستة الماضية، ما يعنى أن بدء العمل عليها كان تاليا لتوقيع اتفاق غزة بنحو أسبوعين أو ثلاثة تقريبا.

وهنا يطرأ احتمال التحايل من جهة الحليفين، لكنه يتوازى مع خاطر آخر أنهما ما كانا يخطّطان لذلك ابتداء، وأغراهما به طول الأمد وتعطل التفعيل والانتقال، فضلا على احتمالية الضغط والترويض، بمعنى التلويح بالأسوأ لتحفيز الطرف الآخر على التداول فى السيئ وعدم التعالى عليه، لا سيما أنه لا مجال للجيد أصلا، تأسيسا على غلظة نتياهو وتعقيداته، أو على أن القطاع يفتتح جولته المقبلة من أعمق نقطة فى القاع.

لن تشرق شمس جاريد كوشنر؛ لأنها تطل من وراء ضباب كثيف، ولن ينقشع بالاقتصاد دون السياسة. المشروع يُبسّط الصراع المعقد ويختزله فى وجه واحد من وجوهه المتعددة: الإعمار وتطبيع الحياة، لكن غزة أكبر فى همّها من حيز الخراب ومُقتضى ملء البطون، وليست منفعة ظرفية لأهلها أو فرصة استثمارية للآتين من بورصات العالم الأول وصفقاته العقارية الضخمة.

غير أن اصطناع الورقة لم يأت من عدم فى الحقيقة؛ بل يتمثل بصورة أو أخرى ما ابتدعته حماس وفرضته على الجغرافيا والديموغرافيا من أول الانقلاب. ذلك أن خطة «شروق الشمس» تؤسس دولة فى الشريط الساحلى الضيق، لتُعوّض بها عن فلسطين المتصلة من الضفة على النهر إلى غزة على البحر، وتتوخّى أن تكون نموذجا اقتصاديا وتنمويا على غرار سنغافورة. وهذا ما فعلته حماس عندما استبدّت بالأمر، وركّبت إماراتها الأيديولوجيا على الجزء استغناء عن الكل؛ باستثناء أنها قادتها إلى مصير الضاحية تحت سلطة حزب الله، وليس لابتكار نهضة نوعية أو تربية نمر اقتصادى على شاطئ المتوسط.

وإخفاق الحركة لا يعنى الترحيب بتكرار الخطيئة مع مزيد من الوعود الوردية، كما أن حجم الضرر وفداحة الخراب لا يبرران استدراج القطاع بعيدا عن قضيته، ليصبح ورقة مالية يتداولها المستثمرون، وبدلا عن القوة الدولية التى يصعب تشكيلها على هوى إسرائيل، تتكفل رؤوس الأموال بالدفاع عن الاحتلال، وتصفية الحقوق الفلسطينية بوضعها فى مواجهة المصالح الاقتصادية.

والقول إن الأولوية الإنقاذ لا يقود وجوبا إلى مجاراة الساعين إلى تغييب السياسة تماما، وتحويل غزة إلى منطقة حرة بمفهوم التجارة والاستثمار، بدلا عن تحريرها فى إطار تعريفها الأصيل كجزء عضوى من دولة محتلة وشعب يبحث عن حقه فى تقرير المصير.

إن تسمية الورقة «شروق الشمس» تُعبّر عن قناعة باستحكام الظُلمة وتسيُّد الليل فى القطاع على النهار، وليس الحل فى استجلاب مصباح ضخم يُضوّى بألوانٍ شتّى، لأنّ شمس التسوية فى فلسطين مُعلّقة على الراية والنشيد ونظام حُكم وطنى مستقر، وليس على استبدال الاستعمار الاقتصادى بالاحتلال الإبادى الخشن، والتكفل عن المحتل بتذويب الحقوق العادلة، وإضافتها أرباحا فى حسابات سماسرة يُحصلون مكاسبهم من جيوب البائعين والمشترين.

طالت المرحلة الأولى غصبا، لأن تسليم الجثامين تأخر قليلا، واتخذ نتنياهو من ذلك ذريعة لعدم الانتقال، والمحصلة أن ورقة طلعت من تحت الطاولة تتضاد بالكامل مع كل ما وُضِع فوقها. وكلما طالت المراحل تتوالد الاختراعات والتلفيقات، وتضيع التفاصيل الأساسية فى الزحام أو تتشوّه ملامحها. سبق أن طُرحت رؤية إسرائيلية فى سبتمبر الماضى، نشرتها واشنطن بوست تحت عنوان «صندوق إعادة تكوين غزة»؛ لكنها سقطت سريعا مع تسريع المفاوضات والتوصل إلى اتفاق شرم الشيخ.

والأرجح أن النسخة الجديدة/ البديلة ستسقط كسابقتها؛ إنما قد لا تكون الأخيرة فى ذات السياق. خلال عشرة شهور تنقلنا من التهجير إلى الريفييرا إلى هدنة يناير فإفشالها فى مارس ثم ورقة ويتكوف الأولى فتعديلاتها الإسرائيلية ومن الوسطاء، ومشروع تونى بلير مع جاريد كوشنر بصورته الأولى، وصولا إلى بلورته فى صيغة أكثر اعتدالا مع خطة ترامب بمراحلها الثلاثة، وبما تنطوى عليه من منافذ جانبية أخطرها إعمار مناطق الاحتلال حال تلكؤ حماس فى نزع السلاح، وأخيرا «شروق الشمس» بكل ما فيها من تبسيط وتسطيح واعتساف.

وعلى حماس قبل غيرها، والفصائل جميعا، والسلطة الوطنية معهم، استشراف المخاطر الداهمة من منطلق تشاؤمى، وبمنطق أن الأسوأ لم يأت بعد، مع معرفة أن الإبطاء ليس فى صالح المتأخر فى السباق، والمناطحة لن تنصف الضعيف، وعض الأصابع مع ضبع كاسر لن تتحصل عنه إلا معاينة الأصابع تتساقط إلى جوار البنادق العاطلة، والخراب الذى ينتظر أيادى سليمة لإعماره وفلاحته.

يجب ألا يستبد الوهم بالضحايا أكثر مما كان، وألا يعلقوا آمالهم على مصادفات لا تُبشر بها الأجواء القيامية المتردية على منحدر بلا قرار.
إرخاء الحبل لا يُوهن نتنياهو؛ فضلا عن إمهاله فسحة لاختلاق سيناريوهات سوداء وإشراك الأمريكيين فيها. موقف الوسطاء حصانة لا ينبغى التضحية بها، والخطة العربية الإسلامية قادرة على مناطحة بدائلها الملفقة الآن، إنما بعد فاصل من الوقت قد تتقدم أفكار التجار أو تزاحمها تصورات لا تقل عنها جُرما وفداحة، ووقتها لن يكون الاشتباك على سلاح حماس أو موقعها من الحكم فى المستقبل، بل على أسهم فى شركة لن يكون الغزّيون، والفلسطينيون جميعا، أكبر المساهمين فيها للأسف.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة