حازم حسين

طلاق صامت أو تطويق من 3 جبهات.. صراع السمعة والمصلحة بين واشنطن ونتنياهو

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025 02:00 م


تدور المحركات كلها لإنقاذ خطة ترامب من ألاعيب نتنياهو. وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية تشعر بالضيق من ممارساته، وتمرر الوقت بهدوء لا يخلو من ضغوط خفية، خشنة وناعمة، حتى يحين موعد استدعائه إلى فلوريدا بعد أقل من أسبوعين.

وهناك سيتكفل به الرئيس بنفسه، ويفرض عليه حصارا فى واحدة من أطول زياراته للولايات المتحدة، مع مستجد يختلف عن أربع رحلات سابقة؛ إذ يذهب هذه المرة من دون وزيره للشؤون الاستراتيجية وأقرب مستشاريه، رون ديرمر، الرجل الخبير بأجواء واشنطن وعقلية طبقتها السياسية، والذى استقال مؤخرا لأسباب غامضة وغير مفهومة إلى الآن.
كان غريبا أن يحل توم برّاك ضيفا على إسرائيل قبل يومين. فرغم أنه يجمع صفة المبعوث إلى سوريا بجانب موقعه الأصلى سفيرا فى أنقرة؛ لم يكن طرفا مباشرا فى ملف غزة، الذى يبدو أنه شغل جانبا كبيرا من لقائه برئيس الحكومة، حسب المتردد فى الصحافة العبرية.

والاستعانة به تكتسب أهمية عالية من ناحيتين: الأولى تنطوى على إشارة بالاستعجال فيما كان المبعوثان المعنيان بالاتفاق بين الاحتلال وحماس، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مشغولين فى موضوع أوكرانيا بين حوارات مع زيلينسكى وفريقه أو مقابلات مع الأوروبيين، والثانية تقع فى صلب المسألة الخاصة بقوة الاستقرار الدولية وإجراءات تشكيلها، وما تتشدد فيه تل أبيب من جهة رفض أية مشاركة تركية فيها، بينما لا يبدو أن البيت الأبيض يرحب بهذا الموقف أو يرى فيه أية وجاهة جديرة بالاعتبار.

وبالتزامن مع جلسات الغرف المغلقة، وقنوات الاتصال المفتوحة على مستويات عدة بين الوسطاء وطرفى النزاع. كانت الدوحة تستقبل وفودا من نحو 40 دولة أمس، بحسب الجدول المعلن سلفا، لبحث التفاصيل الفنية والإجرائية الخاصة بالقوة المزمع تشكيلها، وحسم النقاط العالقة فيما يخص هيكلها ونطاق تكليفها وآليات عملها.

وذلك فى ضوء ثلاثة معايير أساسية: نصوص الخطة المتفق عليها ببنودها العشرين، وقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2803، ومساحة الاعتراضات الواسعة من عواصم الإقليم وخارجه على محاولات تحريف الأطر الحاكمة لمهام القوات، بما يحولها من حفظ السلام إلى إنفاذه، ويضعها بالتبعية فى مواجهة حماس وبقية فصائل المقاومة المسلحة فى القطاع.
كان يُفترض أن تنتهى المرحلة الأولى من عملية إنهاء الحرب فى غضون اثنتين وسبعين ساعة بعد الاتفاق؛ لكنها امتدت لما يزيد عن الشهرين حتى الآن، وما تزال مُعلّقة على جثة وحيدة يُطالب بها الاحتلال، ولمّا تتوصل إليها فرق البحث بين ملايين الأطنان من الركام.

وهو ما يُوظّف ذريعة من زعيم الليكود، ولا يصح الاستناد إليه كحجة موضوعية لمواصلة التهرب من الالتزامات. ذلك أن الحركة سلّمت كل ما فى حوزتها بمن فيهم الأحياء، ولم يعد لديها ما تُماطل فيه أو تقايض عليه، كما لا مصلحة لها فى الاحتفاظ بتابوت يجر عليها الويلات، ويُعطل الشق المفيد للغزيين من الصفقة، ويُظهرها أمام بيئتها على الأقل فى صورة المتقاعس عن الإنقاذ، بعدما استجلب عليهم العدوان وحمّلهم ما يفوق طاقتهم من الموت والخراب.

الحماسيون أضعف من أن يكونوا عائقا فى طريق التسوية؛ ولو أرادوا. يعرفون رغم الإنكار أنهم خسروا المعركة فى الميدان وعلى طاولة التفاوض، ويخرجون منها محمّلين بكل ما على المهزوم من تبعات وأثقال. وأفضل ما تعدهم به المماطلة أن تتجمد الأوضاع على حالها، فيبقى الاحتلال شرقا والدمار غربا، مع مخاطر إطلاق أيدى الصهاينة مجددا، أو أن تتصدى الولايات المتحدة للعُقدة بالأصالة أو عبر وكلاء آخرين.

بينما المُلاينة تُفضى إلى تفاهمات ذات طابع إنقاذى؛ وحتى إن تعقدت فستقع أعباؤها على عاتق الوسطاء والضامنين، وتُسأل فيها وطنيا تشكيلة الإدارة التنفيذية المؤقتة، أو سلطة رام الله فيما بعد استتباب الأمن وإطلاق مسيرتى الإعمار والإصلاح، على موعدة تأهيل البيئة للمصالحة ثم انتزاع الحق فى تقرير المصير، وشق الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.

غير أنه مع سوء الحال الراهنة؛ فلا يمكن القول إنه ليس لدى الحركة ما تخسره. أقلّه ما تبقّى من الرمزية وحطام المكانة المعنوية، وفرص البقاء طويل الأمد بعدما تُعيد مراجعة خلاصات الحقبة الماضية، أو تنظر فى إعادة إنتاج نفسها على صورة مُحدّثة.

ولا أفق للأمرين من دون استعادة غزّة مكانا صالحا للعيش أوّلاً، وتحصين الديموغرافيا من اليأس الطارد للسكان ماديا أو معنويا، أى من الغربة كخطر قائم بقوّة، ومن الاغتراب كشعور أشد وطأة وخطورة من التهجير، لا سيما أن الإزاحة إلى الخارج بكل إغراءاتها يستحيل أن تكنس أكثر من عدّة آلاف، فيما الانغلاق على الداخل يسهل بأثر المحنة والذهول وانقطاع الأمل أن يُصيب المليونين جميعًا.

ولا تحوز حماس ما يتوافر لنظيرها على الجبهة الشمالية. فحزب الله كيان أكثر قوّة وتعقيدًا، ترفده حاضنة شعبية تُمثّل الأكثرية فى بلد له وجود قانونى. كما أن عُمقه الجغرافى والاستراتيجى أوسع كثيرًا، وحِيله فى تجديد الموارد وإنعاش بنيته المتهدّمة لا سبيل إلى خنقها بالكامل.

والأهم أن لديه مظلّةً سياسية مُشرّعة بالفعل، وبإمكانه أن يُحدث الانتقالة المطلوبة من العسكرى إلى المدنى بجهد أقل وتكلفة زهيدة. ولا يمنعه إلا الولائية المفرطة لرأس المُمانَعة، ومصادرة قراره لصالح طهران بدلاً من بيروت أو حتى الضاحية. ما يجعل مسألة السلاح فى حالته أشد تركيبًا بالنظر إلى الامتدادات فوق الوطنية، وحجج التمسّك به غير مُقنعة؛ لأنها لا تنطوى على إلغاء له أو تهديد وجودى لموقعه من المشهد اللبنانى.

ومع ما فات؛ فإن الموقف الأمريكى بدا لشهور طويلة مُتشدّدًا إزاء الحزب، قابضًا على أولوية تجريده من عتاده وتحجيم نفوذه المنافس للدولة ومؤسساتها الرسمية. وكان الانحياز للرؤية الإسرائيلية واضحا منذ البداية، بما تضمّنه اتفاق وقف الأعمال العدائية من شروط مشدّدة، تُقابلها مسموحات ظاهرة ومُضمرة لجيش الاحتلال، تتجلّى نتائجها فى نحو عشرة آلاف خرق خلال سنة، وزحام لا يهدأ فى سماء البلد الصغير؛ باستثناء فواصل ضيّقة من زيارة بابا الفاتيكان أو جولة السفراء والوفود الأجنبية بالجنوب.

وبالرغم من قتامة الصورة سالفة الإشارة، وما حملته زيارة الزوّار الأمريكيين من تهديدات بالتصريح والتلميح؛ فإن المُنحنى الصاعد لمقاربة واشنطن يبدو آخذا فى الانكسار، وتتواتر رسائل التطمين والإشادة بجهود الجيش، وأُضيف إليها مؤخّرًا ما قاله «برّاك» عن استحالة تجريد مكوّن وطنى أو طائفة بكاملها من وجودها، ومخاطر التعرّض بغلظة لتلك التوازنات الدقيقة بما يُهدد استقرارها الهش.

صحيح أن المبعوث كثير الكلام يتطوّع برأيه فى أحايين عديدة، وسبق له أن هدّد بإلحاق لبنان على سوريا كما كان فى زمن الأسدين، كما استذكر سايكس بيكو بمعانٍ لا تخلو من تكرار الهندسة الجيوسياسية؛ لكنه لا يُمكن أن يستمرئ لعبة الإرباك اللفظى من دون قبول ترامب، ولو أن حديثه يمس صميم التصور الرسمى لرُدِعَ عن تكراره من أول مرّة.

والخلاصة؛ أن البيت الأبيض لا ينطلق من أفكار جامدة إلا فيما يخص مصالحه الاستراتيجية كيفما يراها، وكل ما عدا ذلك قابل للمراجعة والتقويم. بمعنى أنه ربما يُقبل على شىء من تخفيف الاشتراطات المطلوبة من الرئيس جوزيف عون وحكومته، ويكتفى فى ترويض الحزب بإزاحته وراء نهر الليطانى، وفرض الرقابة أو التجميد على إمكاناته العسكرية شمالا؛ خاصة أن حصيلة الشهور الطويلة منذ وقف الحرب لم تُنبئ عن رغبة فى التصعيد، وأكدت عجز الميليشيا عن التصدّى لتجاوزات إسرائيل، بما يقطع بأنها لم تعُد تُشكّل خطرا عليها، حتى أن الأمين العام للحزب تبرّع بنفسه مؤخّرا فى تطمين سكان المستوطنات القريبة من الحدود.

وفكرة التعديل إن قُبِلَت نظريا بشأن دُرّة التاج وأهم أذرع الجمهورية الإسلامية؛ فلعلّ فرص قبولها والتعاطى معها فى القطاع المنكوب أكبر وأقرب إلى التحقيق. ذلك أن حماس تفتقد اللياقة اللازمة لاستعادة حضورها المُهيمن على غزة، وترغب فى الاختلاء بنفسها طويلاً، لدرجة اقتراح الاتفاق على هُدنة قد تصل إلى عشر سنوات كاملة.

وبالمنطق؛ فإن المُقبل على تخزين سلاحه لكل هذه المُدّة، قد لا يُمانع فى أن يضعه تحت رقابة أطراف إقليمية أو دولية موثوقة. وبافتراض الاحتفاظ به لسبب أو آخر؛ فلن تُقدم بالطلل المُتبقّى من كتائبها على أية مُغامرة لا تملك إمكاناتها، ولا قِبَل لها بمُجابهة ما وراءها من احتمالات الانكسار على الانكسار، أكان بالمواجهة مع القوّة الدولية، أم التعرض للهمجية الصهيونية، وبينهما وأخطر منهما غضبة الغزيين أنفسهم، وثلاثتها إيذان بالتداعى أو الامّحاء.

ولا يُمكن من تلك الزاوية أن نُفوّت رسالة بالغة الأهمية، تمثّلت فى تعقيب الجانب الأمريكى على اغتيال قيادى الحركة رائد سعد قبل أيام. رأت حماس فى بيان لها أن العملية تُهدّد الاتفاق، واشتكى خليل الحية للرئيس صاحب الخطة خلال كلمته فى ذكرى التأسيس.

أُثيرت المسألة تحت السطح فعلاً؛ ثم أطلّت على لسان ترامب نفسه، عندما قال إنهم ينظرون فيما إذا كان الهجوم ينطوى على خَرق لبنود التهدئة. وهو ما يتناقض بالكُليّة مع سوابق شبيهة رحّبت بها واشنطن علنًا، أو صمتت عليها، وربما تشاركت مباشرة فى بعضها من خلال جهود الاستخباراتية وطلعات مُسيّراتها فى سماء القطاع.

المواكبة الصحفية طيلة الأيام الماضية، فى المنصات الأمريكية وداخل إسرائيل نفسها، تتحدّث عن ارتفاع منسوب الغضب فى أروقة الإدارة الجمهورية من سلوكيات نتنياهو، وقِيل إن الشتائم انهمرت عليه من البيت الأبيض بصيغ لا تصلح للنشر.

ويتكوف وكوشنر ومعهما وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى ماركو روبيو غاضبون، وربما يستقر فى يقينهم أن زعيم الليكود يتلاعب بهم جميعًا، ويسعى إلى تحصيل باقة أهدافه الكاملة من خلالهم، ودون الالتزام بأى شىء فى المُقابل أو إبداء المرونة فى التفاصيل؛ حتى مع كونها مشمولة بضمانات صارمة.

لقد أدار حربه إلى أقصى مدى ممكن، وعندما اضطر للتوقف تحصّل على المقابل استباقيا باستعادة أسراه، ويُشغّل البيت الأبيض لصالحه فى ترتيب البيئة السياسية وتمكينه من انتزاع قرار العفو عنه فى جرائم الفساد. قد لا تكون خبرة الفريق الأمريكى عالية؛ لكنهم ليسوا أغبياء إطلاقا. ويعرفون بالتجربة وطُول المراس أن حليفهم الصغير يقطع رحلته فى طريق وحيدة، وغير مُقبل بالمرّة على استكمال التسوية بالشروط المُقرّرة سلفًا.

بمعنى أنه لا نيّة لديه فى الانتقال إلى المرحلة الثانية؛ لكنه لا يجرؤ على إعلان موقفه، ويُراهن على الإرباك من بعيد، لتتعطّل الخطط الزمنية والإجرائية بفِعل خلافات الشركاء فيها، أو أن تُلاقيه حماس بالتصلُّب المُعتاد عند محطة الإرجاء فالاجتزاء والتفريع وصولاً إلى التجميد أو الإقرار بفشل مهمة البحث عن حلول عملية قابلة للإنفاذ بلا مُعوّقات.
وإذ يُناور على جبهة غزّة؛ فإنه ينطلق فى ذلك من مُعاينة التحولات غير المتوقعة فيما يخص سوريا. من الترقُّب المتحفظ أوّلاً، دون محاذير على خرق اتفاقية فض الاشتباك والتمدّد لما وراء الجولان، إلى احتضان النظام الجديد وبدء ترسيم حدود صارمة للتوغل الإسرائيلى واللعب فى توازنات الشام.

وقد قيل أيضًا إن «برّاك» حمل معه فى الزيارة رسائل صارمة، وأفصح عن «خطوط حمراء» لم يجرؤ نتنياهو على رفضها أو المُجادلة فيها، وهو يتحسَّب من تكرار الوقائع نفسها على بقية الجبهات، لا سيما بعد توسعة لجنة الميكانيزم فى لبنان بمُمثّلين مدنيين، أو تسارع الجهود لتشكيل قوّة الاستقرار الدولية الخاصة بغزّة رغم غموض الأجواء، واعتراضات الوسطاء.

القاهرة ومعها عواصم عِدّة تستعجل الخطوة، ولا تتزحزح عن ثوابتها بأن تكون منضبطة بالبنود والآجال والخرائط المحددة فى خطّة ترامب. ومع صلابة المواقف المُعلنة؛ فإن اجتماع الدوحة وكل ترتيب تالٍ له، لا تعنى بالضرورة إلا أن الإدارة الأمريكية تراجع تصوّراتها وتُخضعها للتعديل بحسب التطورات، ما يقود فى النهاية إلى التدويل دون هامش للمراوغة أو الالتفاف، أكان فى تأخير الانسحاب من الخط الأصفر إلى الأحمر، أم فى إطلاق عملية إعمار جزئية فى مناطق سيطرة الاحتلال دون بقية القطاع.

قدّمت مصر الرؤية الأكثر منطقية على الإطلاق منذ بداية الحوار بشأن الأزمة. تمسّكت برفض التهجير فى مقابل اقتراح «الريفييرا»، ثم ببرنامجها للتعافى وإعادة الإعمار المُعتمد من القمة العربية الإسلامية، بديلاً عن أفكار سائلة وغير مؤطرة بشأن فصل السياسى والأمنى عن الاقتصادى والمعيشى. والمُحصّلة أن ترامب عاد من أحلام المطوّر العقارى إلى واقع الوسيط الضامن، وأقرّ ما كان يستبعده من النقاش، ثم تطوّر الأمر إلى مطالبة تل أبيب بتحمّل كُلفة رفع الأنقاض مؤخّرًا. ولو مددنا مُقبل الوقائع على استقامة سوالفها؛ فالغالب أن واشنطن ستسبح مع الفريق العربى فى نهر أُطروحته المُكتملة، وقد تتراجع عن فكرة نزع السلاح إلى التجميد المُحدّد بضمانات وإجراءات رقابية، وتلك واحدة من أفكار مصر أيضًا، مثلما كانت لجنة الإسناد المجتمعى التكنوقراطية غير الفصائلية، ومسألة اتّصالها العضوى بالسلطة الوطنية لتكون بديلاً مستقبيليًّا وحيدًا عن الإدارة الانتقالية المؤقتة، فى شقّيها المحلى والدولى.

والحال؛ أن نتنياهو يُلام على سوريا، ويُطوّق بنعومة فى لبنان، وتثبُت عليه التهمة بالكُلية فى قطاع غزة. صحيح أن الولايات المتحدة تقول فى استراتيجيتها الأمنية الجديدة إن مستقبل نظام الجولانى ما يزال محل نظر وارتياب؛ لكنها تؤسس نظرتها للمنطقة على أولوية خفض التصعيد وإعادة الانتشار والإدارة بدون تكاليف مُباشرة، ما يُلزمها بُمراعاة شواغل الشركاء، مع انعدام فرص تل أبيب فى أن تبتلع محيطها أو تقود الإقليم.

وهى بالضرورة لا تُريد خلخلة لبنان بقدر ما تسعى لانتزاعها من الاستقطاب المُتسلّط عليها، ومن دون التهدئة فى غزّة لن تنتظم مصالحها طويلة المدى، ولن يتحرك قطار الاتفاقات الإبراهيمية، وتكتمل لها غاية ترميم السياسة بالاقتصاد.
نقلت القناة الثانية عشرة للتليفزيون الإسرائيلى عن مسؤول أمريكى؛ أنه بجانب إحباط رموز الإدارة، فقد قيل لنتنياهو صراحة إنه حُرّ فى تدمير سُمعته؛ لكنهم لن يتركوه ليُدمّر سُمعة ترامب بعدما تصدّى لملف غزّة. أى أن الطرفين ما عادا يتكلمان لُغة واحدة أو يفكّران بالطريقة نفسها، وواشنطن أقرب إلى الاقتناع بأن حليفها يُقدّم نفسه عليها وعلى دولته أيضًا، وأنها أخلص لإسرائيل ومصالحها من حكومتها الحالية.

ما يدفعها بالتبعية لأن تواصل القبض على زمام الأمور، وتُنفذ إرادتها بمعزلٍ عن تفضيلات الطُغمة اليمينية المُتطرفة فى تل أبيب. وعمّا قريب قد تنجلى الحقائق باتّضاح أكبر فى مُنتجع «مار إيه لاجو»، عندما تُنسَف مزاعم الضيف، ويتحول المُضيف من الحوار إلى لُغة الإملاء.

لن ينقلب الأمريكيون على إسرائيل قطعًا؛ لكنهم سيخدمونها بالطريقة التى يرونها صوابًا، ولن يكون بمقدور نتنياهو أن يدّعى التعرض لضغوط تمسّ السيادة؛ لأنه رحب بها فى موضوع العفو. كما لن تفيد دعاياته فى إقناع الشارع بأنه ينزل غصبًا عن مصالح الدولة؛ إذ لا وجه للقول إن أكثر الإدارات دعمًا للاحتلال ومُجاراة لقائده الحالى ودفاعا عنه، تتخذ موقفا عدائيا منه أو تنحاز لأعدائه؛ ما قد يكون مُقدّمة لتقويض مستقبله السياسى لاحقا، حتى مع الدعم الواضح له داخليًّا من ترامب.

لا يتطلّب الأمر أكثر من إبداء حماس لمرونة نسبية، والتنسيق بوعى وتعقُّل مع الحاضنة العربية. والأخيرة من جانبها بمُجرّد أن تنتصر لرؤاها بشأن المرحلة الانتقالية وطبيعة القوّة الدولية ومجال عملها؛ ستتوالى بقيّة المراحل تباعًا من دون قدرة على تعطيلها أو تحريفها أو الانقلاب عليها. حضور تركيا بين المشاركين سيكون أول صفعة لنتنياهو، وزحزحته للوراء فى غزة، ثم أن يبدأ الإعمار بعيدًا من فكرة التقسيم الجغرافى بين منطقة حمراء وأخرى خضراء.
وقتها لن يعود السلاح عقبة؛ لأن فكرة التجميد ليست بعيدة من النزع؛ طالما اقتنعت واشنطن بأنه لا يشكل خطرًا، واطمأنت حماس إلى أن تراجعها لن يُترجَم تقدُّمها أو بقاء طويل الأمد للاحتلال.

الصورة ليست وردية على كل حال؛ لكنها ليست سوداء أيضًا. نتنياهو لا يعدم الحيل، ولن يتوقف عن توليدها من العَدَم أو أشباه الفرص؛ لكن وضعه على أسوأ ما يكون. وإذا كان لم ينجح فى إنفاذ ما كان يطمع فيه عندما كان فى أوج قوته وانفلاته؛ فقد صار أعجز من ذلك مع اتّساع دائرة الرفض والاعتراضات، واستشعار اليهود بالداخل والخارج لحجم العبء الذى حمّلهم إياه.

وأخيرا والأهم أن ترامب لم يعُد يضع توقيعه على أوراقه البيضاء بكرمٍ ومن دون مُراجعة. وأتصوّر أنه لو نجحت قوى الاعتدال فى إحباط مُخطط الإفشال؛ فسيكون الانتقال وجوبيًّا، وعلى غير ما يُريده العجوز الماكر؛ ولا خيار لديه إلا أن يُسلّم عاجلا بما لا يستطيع إيقافه، أو يناطح واشنطن نفسها، قبل أن يرضخ اضطرارا بكُلفة أعلى ومزايا أقل.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة