حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان، فظللتُ أستغفر الله منها ثلاثين سنة، موضحة أن الهدف من الخطبة: التوعية بقدسية المال العام وحرمته ووجوب الحفاظ عليه، كما حددت موضوع الخطبة الثانية: التفكك الأسرى.
التوعية بقدسية المال العام وحرمته ووجوب الحفاظ عليه
وأوضحت الوزارة إن من بديع ما زخر به تراثنا العريق، ما رواه لنا الإمام الخطيب البغدادي عن أبي بكر الحربي أنه قال: "سمعت السَّريَّ السَّقَطيَّ رضي الله عنه يقول: حمدت الله مرة، فأنا أستغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة!
قيل: وكيف ذاك؟! قال: كان لي دكان وكان فيه متاع، فوقع الحريق في سوقنا، فقيل لي، فخرجت أتعرف خبر دكاني، فلقيت رجلًا فقال: أبشر فإن دكانك قد سلم، فقلت: الحمد لله، ثم إني فكرت فرأيتها خطيئة". [تاريخ بغداد]
وفي لفظ: "سمعت السَّرِيَّ رضي الله عنه يقول: منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي: الحمد لله مرة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد فقال لي: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيرًا مما للمسلمين". [تاريخ دمشق لابن عساكر].
يلامس السّرِيّ رحمه الله في هذه القصة الرفيعة جوهرَ الأخلاق الإسلامية، وهو اتساع القلب للمسلمين جميعًا، ورفض تمييز النفس عنهم في مواقع البلاء، فمجرّد أن نجا متجرُه دون متاجر الناس جعله يستشعر أنه فرِحَ لنفسه بشيء لم يتحقق لغيره، فظلَّ ثلاثين سنة يستغفر من هذا الخاطر، لا لحرمةِ الكلمة نفسها، ولكن لِمَا أحسّ في قلبه من تفضيل النفس على عموم المسلمين.
وإذا كان أهل الله يخافون من مجرّد خاطر قلبيٍ يفضّل النفس على غيرها، فكيف بمن يمدُّ يده إلى المال العام الذي هو ملك لأمَّة بأسرها؟!
المال العام ليس مالَ فردٍ حتى يتصرّف فيه كما يشاء، بل هو حقّ مشترك، وكلّ اعتداء عليه هو اعتداء على حقوق الملايين.
والسّرِيّ رحمه الله يعلِّمنا هنا أن المؤمن الحقيقي يتألَّم للأمة كما يتألّم لنفسه؛ فكيف يُقبَل من مؤمن أن يسرق أو يختلس أو يهدر مالًا لو ضاع على واحدٍ من المسلمين لآلمه ذلك؟ فإذا كان الرجل استغفر ثلاثين سنة لأنه فرح بنجاة حانوته وحده، فكيف بمن يبني مصالحه الخاصة على حساب الناس، أو يعطّل منفعة عامة من أجل منفعة شخصية؟!.