بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام من الازدهار والقوة، وصلت الحضارة الفرعونية إلى محطتها الأخيرة عام 30 ق.م، حين هزمت كليوباترا السابعة أمام أوكتافيان أغسطس، لتتحول مصر رسميًا إلى مقاطعة رومانية، وتنتهي آخر السلالات الحاكمة في تاريخ مصر القديمة.
وكان نهاية الحضارة الفرعونية نتيجة تفاعل معقد بين الغزوات المتتالية، والانقسامات الداخلية، والأزمات المناخية التي ضربت المنطقة. ورغم قوة مصر آنذاك، فإن عوامل الانهيار كانت أكبر من قدرتها على الصمود، ليفتح عام 30 ق.م صفحة جديدة في تاريخ البلاد تحت الحكم الروماني، معلنًا نهاية واحدة من أعظم حضارات العالم القديم.
غزوات متتالية أنهكت الدولة المصرية
لم يكن السقوط حدثًا مفاجئًا، بل نتيجة سلسلة طويلة من الغزوات التي أضعفت الدولة وتعاقبت عليها القوى الإقليمية:
الليبيون.. بداية التراجع
في نهاية عصر المصريين القدماء، دخل الليبيون من الغرب، واستطاعوا التغلغل في مفاصل السلطة. وكان شوشنق الأول مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، أول فرعون ليبي الأصل، حاول إعادة أمجاد رمسيس الثالث في القرن العاشر قبل الميلاد عبر حملات عسكرية وتوسعات جديدة.
الكوشيون.. قرن من الحكم النوبي
في القرن الثامن قبل الميلاد، استغل النوبيون حالة الاضطراب السياسي وسيطروا على العرش، مؤسسين الأسرة الخامسة والعشرين. دام حكمهم قرابة قرن كامل قبل أن يُطردوا على يد الآشوريين الذين شنّوا غزوًا عنيفًا على مصر.
الآشوريون والفرس واليونان.. تسارع الانهيار
يقول المؤرخ إيريك كلاين إن دخول الكوشيين إلى الحكم كان بداية النهاية لكون مصر قوة مستقلة، لتتوالى بعدها غزوات الآشوريين والفرس ثم اليونانيين، قبل أن يصل إليها الرومان.
وفي عام 332 ق.م دخل الإسكندر الأكبر مصر، ثم أسس البطالمة واحدة من أكثر الفترات ازدهارًا في تاريخ ما قبل الرومان.
عصر البطالمة.. ازدهار أخير قبل السقوط
حكمت الأسرة البطلمية (305–30 ق.م) مصر بملوك من أصل مقدوني يوناني. وبنوا عاصمة مزدهرة في الإسكندرية، وأعادوا لمصر مكانتها الاقتصادية والعلمية.
وتعد كليوباترا السابعة أشهر البطالمة وأقواهم نفوذًا، لكن صراعها مع روما كان نهاية استقلال مصر.
بعد هزيمتها ومارك أنتوني في معركة أكتيوم، ثم سقوط الإسكندرية عام 30 ق.م، أصبحت مصر ولاية رومانية، لتغلق آخر صفحات الحضارة الفرعونية.
تغيرات المناخ.. العامل غير المرئي
تشير دراسات حديثة إلى أن كهنة مصر كانوا يدركون أن خطرًا بيئيًا كبيرًا يقترب؛ إذ طوّروا أنظمة دقيقة لقياس منسوب النيل وتوقّع سنوات الجفاف.
مع نهاية العصر البرونزي، قرر رمسيس الثاني تخزين كميات ضخمة من الحبوب والمياه، واستنبات سلالات حيوانية تتحمل الجفاف. وقد ساعد هذا الاستعداد مصر على تجاوز مراحل صعبة في حين كانت المجاعات تضرب جيرانها مثل الحيثيين.
ساهمت مصر في إغاثة بعض هذه الشعوب، خشية أن يدفعهم الجوع إلى مهاجمتها. لكن الجفاف كان أطول وأقسى من قدرة أي دولة على احتماله. ومع امتداده لسنوات، بدأت أنحاء المملكة تتصدع وسقطت نظم الإدارة، لتنهار في النهاية مرحلة كاملة من التاريخ.