تدخل أوروبا موسم شتاء 2025 وسط مخاوف متزايدة من تفشي سلالة إنفلونزا A(H3N2)، التي أظهرت قدرة جزئية على تجاوز فاعلية اللقاحات الحالية، ما دفع الحكومات الأوروبية إلى مراجعة خططها الوقائية والاستعداد لتطبيق إجراءات أكثر تقدمًا مستوحاة من التجربة الإسبانية، التي جرى تطويرها عقب تعثر إدارة الموسم الماضي في ظل اعتراضات محلية حدّت من فاعلية الاستجابة الصحية، وهو ما يعيد شبح الكمامة إلى الواجهة مجددا.
بروتوكول إسباني متعدد المراحل لإدارة المخاطر
يعتمد النموذج الإسباني على منظومة تدريجية لتقييم المخاطر الصحية، تتكون من أربعة مستويات، يُخصص لكل منها حزمة إجراءات تتراوح بين التوصيات الوقائية البسيطة وصولًا إلى التدخلات الاستثنائية في حال بلوغ مستويات وبائية مرتفعة. ويرتكز هذا النظام على مؤشرات دقيقة، تشمل معدلات الإصابة، ونسب الإجازات المرضية، وتحليل مياه الصرف الصحي، إلى جانب بيانات الوفيات اليومية ومعدلات التطعيم، وفقًا لما أوردته صحيفة الموندو الإسبانية.
الكمامة تعود إلى الواجهة داخل المرافق الصحية
عادت الكمامة لتتصدر الإجراءات الوقائية داخل المستشفيات والمرافق عالية الخطورة في عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبلجيكا، لا سيما في الأقسام التي تضم مرضى من أصحاب المناعة الضعيفة مثل وحدات الأورام وزرع الأعضاء. وتهدف هذه الخطوة إلى الحد من انتقال العدوى داخل البيئات المغلقة، مع احتمالية تحويل التوصيات إلى التزام إلزامي حال تصاعد الإصابات بشكل ملحوظ.
العمل عن بعد كخيار لتقليل الانتشار المجتمعي
ومع توقع زيادة معدلات الإصابة، عادت سياسات العمل عن بعد إلى التداول بوصفها أحد الحلول العملية لتخفيف الضغط على أماكن العمل والمرافق العامة. وتدرس عدة حكومات أوروبية التوسع في أنماط العمل الهجين أو الكامل وفقًا للتقييم المحلي لمستويات الخطر، بما يضمن تقليل فرص انتقال العدوى مع الحفاظ على استمرارية الأنشطة الأساسية.
تدابير احترازية خاصة بدور الرعاية والمستشفيات
تعمل مؤسسات الرعاية الصحية ودور المسنين على تنفيذ إجراءات إضافية لحماية المقيمين والعاملين، تشمل إعادة توزيع الموظفين المصابين أو المعرضين لمضاعفات صحية بعيدًا عن الفئات الأكثر هشاشة، ومنح إجازات مرضية مؤقتة للمصابين، بالتوازي مع تكثيف حملات التوعية المتعلقة بالنظافة الشخصية والوقاية الفردية.
أنظمة مراقبة صحية لرصد تطور الوضع الوبائي
تعتمد دول أوروبية عدة على منظومات رصد صحية متقدمة مشابهة للنظام الإسباني SiVIRA، التي توفر قراءة شاملة لمستوى الخطر من خلال متابعة تطورات الإنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي الحادة، ونسب إشغال المستشفيات ووحدات العناية المركزة، ومعدلات مراجعة أقسام الطوارئ، فضلًا عن تحليل مياه الصرف الصحي لاكتشاف مؤشرات انتشار الفيروس في مراحله المبكرة.
إجراءات مرنة تحكم موسم الشتاء الأوروبي
تشير التقديرات الصحية إلى أن الكمامة والعمل عن بعد لن يكونا إجراءات ثابتة طوال فصل الشتاء، بل أدوات وقائية تُفعّل بشكل مرن تبعًا لمستوى انتشار فيروس A(H3N2) وحدّة العدوى. وتهدف هذه المقاربة إلى حماية الفئات الضعيفة، وتقليل العبء على الأنظمة الصحية، ومنع تحول موجات الإنفلونزا الموسمية إلى أزمة صحية واسعة النطاق، في إطار إدارة ديناميكية للأخطار بدلًا من الاعتماد على إجراءات جامدة أو طويلة الأمد.