- ممرضة سودانية: الكثير من الأطفال ضاعوا.. والنساء يمتن دون إنقاذ
- النساء يلدن على الطرقات ويواجهن الموت بسبب الفقر وانقطاع الخدمات
- النساء الحوامل بين الجوع والخوف.. حالات نزيف وإجهاض يومية
- ما بين 30 و40 حالة تصل المراكز يوميًا خمس منها بنزيف حاد
- نداء استغاثة من الممرضة زبيدة: الحوامل والأطفال هم الضحايا الحقيقيون للحرب
- حليمة عبد الله تطالب بأبسط الأدوات لإنقاذ حياة الأمهات في دارفور
- تحذير أممي من الانتهاكات الوحشية والولادات القسرية على الطرقات
- ولادات على قارعة الطريق: الأمهات يلدن وحدهن في أثناء الفرار من القصف
في أتون هذه الحرب الممتدة منذ أكثر من عام، تُحاصر آلاف الحوامل بين الخوف والجوع والمرض، بين الولادة والنزوح، وبين الحياة والموت، بينما العالم يكتفي بالمشاهدة، وفي ليلٍ طويلٍ يقطعه صوت القذائف وصرخات النزوح، تولد نساء السودان بين الركام والدمع.
معاناة الحوامل
لا أسرّة طبية ولا غرف ولادة معقّمة، بل أغطية مهترئة فوق أرضٍ باردة، وسماء تمطر خوفًا بدل الرحمة، وفي كل زاوية من معسكرات النزوح، حكاية امرأة تُقاوم المخاض والموت في آنٍ واحد، تحاول أن تمنح الحياة بينما الحرب تسلبها أبسط حقوقها كإنسانة.
حامل لا تستطيع العودة لمنزلها
في إحدى مناطق النزوح، تتحدث سيدة سودانية حامل فضلت عدم ذكر اسمها عن معاناتها خلال الحرب، قائلة: "نخاف كثيرًا من الحرب، في إحدى المرات كنت أمشي في منطقة بها زرع، لكن شاهدنا اشتباكات، ودانات أمامنا وخلفنا، ومنذ ذلك اليوم لم أستطع العودة إلى منزلنا، والخوف أصبح يسكن بداخلنا".
لا يوجد طبيب أو مستشفى
بينما تقول سيدة أخرى في الشهر الثامن من حملها وهي تكتم خوفها بصوت مرتجف:"ما أعرف ما إذا كنت سألد طبيعيًا أم بعملية قيصرية، وهذا ما يخيفني، إذ لا يوجد طبيب قريب منا ولا مستشفى يمكننا الوصول إليها بسبب الحرب".
وتؤكد الأمم المتحدة أن نحو 80% من العيادات والمراكز الطبية في بعض الولايات توقفت أو تقلص عملها، ما تسبب في ارتفاع معدلات وفيات الأمهات بسبب مضاعفات الحمل والولادة.
تقرير الأمم المتحدة عن النساء الحوامل في السودان
عيادة نموذجية للصحة الإنجابية
وفي ولاية بورتسودان، حيث أنشأت جمعية تنظيم الأسرة السودانية عيادة نموذجية للصحة الإنجابية، تحاول بعض النساء النجاة بأملٍ ضئيل في تلقي الرعاية.
وتروي إحدى السيدات الحوامل التي لجأت إلى المركز قصتها قائلة:"في ولاية سنار ظللنا أسبوعًا في المدارس، وبعد ما حضرنا هنا في المركز تم تخصيص ممرضات لنا كحوامل وأعطوني العلاج، لكن واجهنا صعوبات في الطريق، يومين في الشارع، لكن الحمد لله وجدنا المركز، وأجروا لنا الفحوصات والموجات وأحضروا الأدوية، لكن زوجي لم يأتِ معنا وأخباره مقطوعة، ولا نعرف ما إذا كان سيصل إلينا أم لا".
الحوامل أكثر الفئات هشاشة ومعاناة
وفي بلد نزح فيه أكثر من 14 مليون شخص – أي نحو ثلث سكان السودان، بمعدل 20 ألف نازح يوميًا – تبقى النساء الحوامل من أكثر الفئات هشاشة ومعاناة، فيما تلد كثيرات منهن في العراء أو داخل مدارس تحولت إلى مراكز إيواء، دون طبيب أو قابلة أو حتى شاشٍ طبي، في وقت أصبح فيه إنجاب طفل في السودان أشبه بخوض معركة من أجل البقاء.
معاناة النساء الحوامل في السودان
وفي خضم الحرب الطاحنة التي تعصف بالسودان منذ شهور طويلة، تتجلى معاناة السيدات الحوامل في مشاهد إنسانية قاسية، تكشف عمق المأساة التي يعيشها المدنيون، وخصوصًا النساء اللواتي يجدن أنفسهن في رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الأمان والرعاية الصحية المفقودة.
من كان يفترض أن تستعد لاستقبال مولودها بين أحضان الأمان، تجد نفسها تركض حافيةً تحت القصف، تبحث عن مأوى أو قابلة تقليدية تنقذ ما تبقى من أمل. الأمهات في السودان اليوم لا يحلمن بولادة سهلة، بل بولادة ممكنة، في بلدٍ انهارت فيه المستشفيات، وغابت الأدوية، وتحوّل الحلم بالأمومة إلى معركة بقاء.
272 ألف امرأة حامل نازحة
وتشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن عدد النساء الحوامل النازحات في السودان يتجاوز 272 ألف امرأة، من بينهن نحو 91 ألفًا في الثلث الأخير من الحمل، يعشن في ملاجئ مكتظة ومناطق تفتقر إلى الغذاء والرعاية الطبية الأساسية، وفي الوقت ذاته، تواجه أكثر من 35 ألف امرأة حامل خطر الجوع أو المجاعة المباشرة، وسط انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية.
وفي شهادات مؤلمة، تروي نساء سودانيات حوامل رحلاتهن الطويلة والمعاناة التي واجهناها في طريق الهروب من القصف، بينهن "نادية" من ولاية سنجة و"أم أحمد" من ولاية سنار، وهن مثل آلاف النساء اللواتي اضطررن للسير لأيام عبر الغابات والحقول والأدغال، وهن يحملن أطفالهن الصغار، دون طعامٍ كافٍ أو مأوى آمن.

فصل جديد من الألم
وتقول أم أحمد:"ما كان معانا غير القليل من المال، واضطررت لبيع تلفوني كي أوفر المواصلات لي ولأولادي، وكي نستطيع أن نصل إلى مركز النزوح".
وتتابع:"الوصول إلى مراكز النزوح لم يكن نهاية المأساة، بل بداية فصل جديد من الألم، خاصة أن النساء هناك يواجهن ظروفًا معيشية قاسية لا راحة فيها، يعانين من الحرارة الحارقة نهارًا والمطر ليلًا، والمساعدات الغذائية وغير الغذائية تصل بشكلٍ غير منتظم".
وتضيف: "من الشهر الرابع ما تابعت مع طبيب، والمرة الوحيدة التي ذهبت فيها لمتابعة الحمل استطاع فقط أن يقيس الضغط والدم، لكن لا توجد أجهزة لفحص السائل الأمنيوسي أو أي تحاليل أخرى".
الطعام قليل
وتقول إحدى النساء الحوال بأسى:"أنا في شهري السابع، وما استحميت إلا مرة واحدة منذ وصولنا لمركز النزوح، المنظمات تأتي إلينا أحيانًا، لكن الطعام قليل، وجبة واحدة في اليوم بالكاد تكفي الأولاد".
الأوضاع الصحية أكثر مأساوية، حيث تعاني الحوامل من الإرهاق الشديد وضعف التغذية وانخفاض الدم، ولا يحصلن على الرعاية الطبية اللازمة، وبسبب هذا الوضع الصعب، تحاول المنظمات الإنسانية سد الفجوة بجهود محدودة، حيث يقول عامل إغاثة من منظمة إنقاذ الطفولة إن النساء الحوامل في السودان يعانين بشدة، والحرب حرمتهم من أبسط حقوقهم في الرعاية الصحية، ومعظمهن لا يملكن المال للعلاج.
ويضيف أن المنظمة تقدم خدمات علاجية ووقائية مجانية تشمل الفحوصات الدورية والعلاج والدعم النفسي، إلى جانب نظام إحالة لنقل الحالات الخطيرة إلى مستشفيات مدينة القضارف لتلقي الرعاية المتخصصة.
ورغم هذه الجهود المحدودة، تبقى السودانيات الحوامل في مواجهة المجهول، بين النزوح والجوع والمرض، في بلدٍ تمزقه الحرب وتغيب فيه أبسط مقومات الحياة، حيث تخوض النساء رحلة حياة محفوفة بالموت، بأجسادٍ منهكة وأملٍ ضئيل في النجاة.
وخلال هذه الحرب التي تمزق السودان وتزيد من معاناة المدنيين، تتجلى معاناة النساء الحوامل في مشهد إنساني بالغ القسوة، خصوصًا في إقليم دارفور الذي يعيش على وقع انتهاكات متكررة وأوضاع إنسانية متدهورة.

سوء التغذية يعصف بالحوامل
ففي أبريل الماضي، حذر بكر حمدين، وزير الصحة والرعاية الاجتماعية في حكومة إقليم دارفور، من تصاعد الهجرة القسرية في مخيم زمزم نتيجة الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع، مؤكدًا أن الأطفال والنساء الحوامل يعانون من سوء التغذية الحاد داخل المخيم والمناطق المجاورة.
وناشد الوزير وكالات الأمم المتحدة إدخال الغذاء والإمدادات الطبية إلى مدينة الفاشر ومعسكرات النازحين عبر الإسقاط الجوي، مطالبًا المجتمع الدولي بتصنيف قوات الدعم السريع كـ"منظمة إرهابية" بسبب ما وصفه بـ"الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين".
وفاة حوامل خلال طريقهن للفاشر
وفي مأساة أخرى، فقدت تسع نساء حوامل في منطقة كافوت شمال دارفور حياتهن وهن في طريقهن إلى مدينة الفاشر لتلقي خدمات الولادة والرعاية الصحية، بعد أن منعتهن قوات الدعم السريع من الوصول، وفقًا لتقارير وزارة الصحة بولاية شمال دارفور، التي حملت الدعم السريع المسؤولية المباشرة عن وفاة النساء التسع.
كما كشفت الوزارة عن سلسلة من التقارير الواردة من المستشفيات والمراكز الصحية الريفية تشير إلى أن المرضى من الحوامل وكبار السن والأطفال يُمنعون من دخول الفاشر لتلقي العلاج، في وقتٍ تغلق فيه قوات الدعم السريع الطرق أمام قوافل المساعدات الإنسانية والأدوية والمواد الغذائية.
ناشدت وزارة الصحة بدورها المنظمات الدولية والجهات العدلية التدخل العاجل لإنقاذ حياة المدنيين، بينما نفت قوات الدعم السريع الاتهامات الموجّهة إليها، واعدةً بفتح تحقيقٍ في ما وصفتها بـ"الحوادث الفردية".
وبين نفي وتأكيد، تبقى النساء الحوامل في دارفور بين فكي الموت والجوع والحصار، في مأساة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب.
تتضاعف معاناة النساء الحوامل في ظل أوضاعٍ إنسانية وصحية متدهورة، خصوصًا في مدينة الفاشر ومعسكرات النزوح المحيطة بها، حيث تتجسد المأساة يوميًا في قصص النزيف والإجهاض والوفيات، وسط عجز كامل عن الإنقاذ أو الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
إجهاض للنساء الحوامل
وتقول زبيدة زكريا، ممرضة في الفاشر، بصوتٍ يملؤه الألم: "بسبب الحرب والله، الكثير من الأطفال ضاعوا، وهناك إجهاضات كثيرة للنساء الحوامل، وخلال شهور قليلة كان هناك كم كبير من الوفيات للأمهات الحوامل، وإحدى تلك النساء كانت تولد وتنزف نزيفًا بسيطًا، لكن لم يكن هناك من ينقذها."
تعطل الخدمات الأساسية المقدمة للحوامل
وتؤكد زبيدة أن الحرب عطلت الخدمات الأساسية بشكلٍ كامل، متابعة:"في الفترة الأخيرة، الذخائر والاشتباكات جعلت الناس لا تعرف ماذا تفعل لإنقاذ النساء الحوامل، في ظل نقص الدواء والطعام بشكل كبير، ولدينا أكثر من عشرة مراكز إيواء، والناس فيها يعانون معاناة شديدة في المأكل والمشرب والصحة."
أما حليمة عبد الله، الممرضة بمعسكر أبشوك في الفاشر، فتصف المشهد بمرارة:"سيدة تولد ثم تموت، والكثير من السيدات الحوامل يتعرضن لنزيفٍ شديد، وفي بعض المرات نحاول إنقاذهن لكن لا نستطيع، وهذا يحدث أمامنا كل يوم تقريبًا بسبب الحرب المستمرة."
وتضيف إحدى النازحات في مراكز الإيواء:"حضرنا هنا بسبب النزاع، ولا يوجد إنقاذ في هذا المركز. كانت أمامنا سيدة حامل تنزف، ولكن لا توجد وسيلة نصل من خلالها إلى المستشفى، وعندما مشينا بها حتى وصلنا، طلبوا منا أموالًا لإجراء العملية، لكن لم يكن لدينا مال."
ونتيجةً لهذه الظروف القاسية، تؤكد زبيدة زكريا أن الأوضاع الإنسانية تتدهور يومًا بعد يوم: "أتينا من مناطق طويلة، وكنا نتلقى مساعدات بسيطة من المنظمات، لكن الآن أصبحنا نعاني بشدة، خاصة في التغذية والصحة، والحوامل والمرضعات والأطفال أكثر الفئات التي تعاني من سوء التغذية والمضاعفات أثناء الولادة."
وتضيف الممرضة السودانية حليمة عبد الله أن الأعداد تتزايد بشكلٍ خطير: "يأتي إلينا في اليوم من 30 إلى 40 حالة، من بينهم خمس حالات نزيف أو إجهاض، والأسباب واضحة، حيث ضعف التغذية، ونقص الحديد والفوليك أسيد، والخوف من القصف والضرب، فالسيدة الحامل عندما تسمع صوت دانة، قلبها يدق وتهرب فورًا وتمشي مسرعة، لذلك نرى حالات إجهاض متكرّرة يوميًا."
وفي نهاية حديثها، تطلق زبيدة نداء استغاثة: "النساء والحوامل يعانين معاناة شديدة، ونرجو من الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية أن يساعدوهن، لأنهن أكثر الفئات تضررا، والرجال يستطيعون الجري، لكن النساء والأطفال هم الضحايا الحقيقيون للحرب."
وتختتم حليمة عبد الله بدعوةٍ مؤثرة: "نحتاج أدوات طبية بسيطة مثل الشاش والمقصّات والفراشات، وتغذية للحوامل، نريد من الناس أن يساعدونا كي نستطيع إنقاذ المساكين، ولو بأشياء بسيطة نحافظ بها على حياة أم وطفلها."
نضال النساء
وبين رصاص الحرب وصمت العالم، تواصل نساء السودان نضالهن من أجل الحياة، بينما تتحول الولادة – رمز الأمل – إلى معركة جديدة للبقاء، ففي 17 مارس الماضي، وصفت القائمة بأعمال ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، أرجنتينا ماتافيل بيتشين، وضع الفتيات والنساء في السودان بأنه "يفطر القلب"، منبّهةً إلى الأثر المدمّر للصراع عليهن.
ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، أرجنتينا ماتافيل
وأشارت المسؤولة الأممية عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة إلى أنه من بين 12 مليون نازح في السودان، هناك حوالي 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، من بينهن 300 ألف امرأة حامل.
انتهاكات وحشية واغتصاب
وقالت: "بالإضافة إلى التعامل مع المشاكل والطوارئ التي قد تحدث أحيانًا أثناء الحمل، فإن التحدي الذي تواجهه العديد من هؤلاء النساء والفتيات هو تعرضهن لانتهاكات وحشية من الاغتصاب، مما يسبب لهن كربًا نفسيًا وجسديًا."
وأضافت أن العديد من هؤلاء النساء عليهن أن يكن أمهات وآباء في الوقت نفسه، لأن الرجال إما منخرطون في القتال أو في أماكن أخرى، متابعة:"عندما تتشتت العائلات، تجد النساء أنفسهن وحدهن مع الأطفال، وبعضهن ينتهي بهن المطاف بالولادة على قارعة الطريق عندما يفررن من بيوتهن بعد سماع القصف والقنابل."
وتابعت:"أحيانًا لا يكون هناك أحد بالقرب منهن، أو قد يكون هناك من لا يعرف حتى ما يجب فعله، فهؤلاء الأشخاص ليسوا قابلاتٍ ولا مدرَّبين، وبالتالي، عندما تتم الولادة دون وجود عناية ماهرة، قد يُصاب الطفل حديث الولادة بمرض الكزاز، لأنهم يقطعون الحبل السري بأي أداةٍ يجدونها، وغالبًا لا يتمكن هذا المولود الجديد من البقاء على قيد الحياة خلال الرحلة قبل أن تحصل أمه على الرعاية."
وأشارت المسؤولة في صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان إلى تأثير مستويات سوء التغذية على النساء الحوامل اللاتي يصبحن منهكات للغاية بسبب أيامٍ من الفرار على الطريق وعدم وجود طعام.
وحذرت من تأثير هذا الوضع على الجيل القادم، مضيفة:"عندما تعاني الأم من سوء التغذية، سيكون للمولود الجديد خيارات أقل للبقاء على قيد الحياة، وعندما ينجو الطفل، تكون قدرته على التعلم والذهاب إلى المدرسة أقل بكثير من أطفال النساء اللواتي يحصلن على تغذية أفضل."
التعرض للنزيف
وتحدثت عن تحديات أخرى تواجه النساء الحوامل في البلاد مثل النزيف الذي قد يعرّض حياتهن للخطر، خاصة إذا كان النزيف غزيرًا، متابعة: "إذ لا يتجاوز أمامهن سوى ساعتين فقط للبقاء على قيد الحياة، وغالبًا لا يصلن إلى مركز صحي في الوقت المناسب."
وأضافت أن بعضهن يعانين من الإرهاق الشديد، فضلًا عن أن بعضهن لديهن بالفعل طفل صغير أو أكثر يحملنه أثناء النزوح، مما يصعّب من حركتهن، موضحة أن هؤلاء النساء عليهن التعامل مع مشاكل عدم الوصول الفوري إلى الخدمات الطبية في حالات الطوارئ أثناء الحمل، مضيفةً:
وتابعت: "هن بعيدات عن المستشفيات، والمستشفيات القليلة القريبة مثقلة، لأن حوالي 80% من البنية التحتية الصحية قد استُهدفت بشكل مباشر، كما أن موظفي المستشفيات يفقدون أرواحهم أيضًا، بينما غادر آخرون، والقلة المتبقية تعمل أيامًا عديدة متواصلة لتقديم الخدمات."
وأوضحت أن ما يفعله صندوق الأمم المتحدة للسكان هو جلب فرقٍ متنقلة مع الشركاء الأمميين والمنظمات غير الحكومية إلى أقرب مواقع التجمع أو المخيمات، حتى تتمكن هذه الفرق من تقديم الحد الأدنى من الخدمات، لكنها نبّهت إلى أن هناك أوقاتًا تحتاج فيها هؤلاء النساء إلى خدمات سريرية عالية المستوى، بما في ذلك عمليات الولادة القيصرية أو معالجة النزيف.
وفي 16 أكتوبر، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن التقاعس الدولي غير المبرر تجاه الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون في مدينة الفاشر غربي السودان يشجع الجناة على المضي قدمًا في قتل وحصار المدنيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي في تقريره الذي نشره عبر موقعه الرسمي، أن مدينة الفاشر - عاصمة إقليم دارفور - شهدت في الأيام الأخيرة تصاعدًا في وتيرة الاشتباكات والقصف المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بالتزامن مع تفشٍ سريع للجوع والأمراض المعدية، على نحو يهدد بحدوث مجاعة وكارثة إنسانية وشيكة في حال استمرار الوضع القائم.
تقرير المرصد الأورومتوسطي
وأوضح أن قوات الدعم السريع تُحاصر منذ نحو عامين ونصف أكثر من 250 ألف مدني - نصفهم من الأطفال - في مدينة الفاشر، إذ تمنع دخول الإمدادات الحيوية، وفي مقدمتها الغذاء والدواء، وتقطع جميع الطرق المؤدية إلى المدينة، كما تحظر خروج السكان والنازحين منها، ما خلق ظروف معيشة قاسية أدت إلى وفاة أعداد غير محددة من المدنيين لأسباب يمكن تفاديها، كالجوع وتفشي الأوبئة.
وأشار التقرير إلى أن الحصار الخانق يترافق مع هجمات يومية تُستخدم فيها الأسلحة الرشاشة وقذائف المدفعية والطائرات المسيّرة، في محاولة للسيطرة الكاملة على المدينة، من دون أي اعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني. وقد استهدفت عمليات القصف أحياءً مكتظةً بالسكان ومخيماتٍ للنازحين ومدارسَ ومستشفيات، في انتهاك صارخ لمبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أنه اطلع على معلومات موثوقة تؤكد تفاقم الأزمة الإنسانية في مدينة الفاشر مع استمرار الحصار المشدد عليها، إذ نفدت معظم المواد الغذائية وحتى البدائل التي كان يعتمد عليها السكان، وتوقف عمل "التكايا" التي كانت تؤمّن الطعام للأهالي والنازحين، ما أدى إلى ارتفاعٍ ملحوظ في عدد الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية الحاد، خصوصًا بين الأطفال والنساء، في ظل انقطاع كامل للإمدادات الغذائية وانهيار شامل في المنظومة الصحية.
ولفت إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات مروعة خلال الأيام الأخيرة، إذ قتلت في 13 أكتوبر الطبيب عِمْران إسماعيل آدم إثر قصفٍ استهدف عيادة "أبو قرون" التي كان يعمل بها، وذلك بعد أيام فقط من مجزرة دامية ارتكبتها يومي 10 و11 أكتوبر الجاري، حين استهدفت بطائرتين مسيرتين وعددٍ من قذائف المدفعية مركز إيواء "دار الأرقم"، ما أسفر عن مقتل نحو 60 مدنيًا بينهم 17 طفلًا وعدد من النساء، إلى جانب إصابة عشراتٍ آخرين بجروح متفاوتة.
وقال الطبيب أيمن الأحمد، وهو ناشط حقوقي سوداني:"الوضع الإنساني في مدينة الفاشر تدهور بسرعة خلال المدة الأخيرة، حيث ارتفعت مستويات الجوع والفقر وتفشت الأمراض والأوبئة، وسط تقديرات تفيد بأن أكثر من 70% من السكان والنازحين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وتسجيل عشرات حالات وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية بين الأطفال".
وأوضح أن الحصار والعمليات العسكرية تسببا بانهيار شبه كامل للبنية الصحية والإنسانية في الفاشر، إذ يعمل المستشفى الرئيسي في المدينة بأقل من 20% من طاقته، مع نقص حاد في الأدوية وأجهزة الطوارئ، كما تعطلت شبكات المياه في عدة أحياء، ويضطر الناس لاستخدام آبار بدائية ملوثة، ما أدى إلى انتشار الكوليرا. أما بالنسبة للتعليم، فالمدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين، وانقطع عشرات الآلاف من الأطفال عن الدراسة.
وأكد صندوق الأمم المتحدة للسكان، في بيان صدر في 4 يونيو الماضي، أن مئات الآلاف من النساء والفتيات في السودان حُرمن من رعاية التوليد الطارئة أو الدعم بعد تعرضهن للاغتصاب، إذ يؤدي النزاع وصعوبة الوصول وتخفيضات التمويل الكبيرة إلى انقطاع الرعاية واستنزاف الخدمات الصحية الأساسية.
وحذر الصندوق، وهو وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، من أنه من دون دعم فوري، ستواصل النساء والفتيات دفع حياتهن ثمنًا لهذه الأزمة.
النساء الحوامل في أزمة
وقال أطباء أمراض النساء والممرضات والقابلات لصندوق الأمم المتحدة للسكان إنهم يشهدون تزايدًا في أعداد النساء الحوامل النازحات اللواتي يصلن إلى المرافق في حالة يائسة بعد أشهر من انقطاع الرعاية، وغالبًا ما يعانين من مضاعفات ناجمة عن الإجهاد المستمر وسوء التغذية والإرهاق البدني.
وقالت بلقيس، وهي ممرضة مدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان في ولاية القضارف:"بحلول الوقت الذي يصلن فيه، غالبًا ما يكون هناك سباق مع الزمن لحماية صحة الأم أو الطفل أو كليهما. هذه ليست حالات معزولة، بل أصبحت أمرًا معتادًا".
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تفتقر أكثر من 1.1 مليون امرأة حامل في السودان حاليًا إلى رعاية ما قبل الولادة، والولادة الآمنة، ورعاية ما بعد الولادة، بسبب استمرار انعدام الأمن، وصعوبة الوصول إلى الخدمات، ونقص التمويل.
وأجبرت تخفيضات التمويل الأخيرة من جانب الجهات المانحة صندوق الأمم المتحدة للسكان على وقف دعمه لأكثر من نصف المرافق الصحية الـ93 التي كان يمولها، وفي المناطق الأكثر تضررًا من القتال، بما في ذلك مناطق الجزيرة وكردفان ودارفور والعاصمة الخرطوم، فإن 80% من المرافق الصحية بالكاد تعمل أو مغلقة تمامًا.
الناجيات من الاغتصاب تركن بلا حماية
وشهدت خدمات صندوق الأمم المتحدة للسكان للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي وعلاجه تخفيضات حادة، مما أجبر المنظمة على تقليص خدماتها المقدمة للناجيات الهاربات من العنف، وإغلاق 11 من أصل 61 مساحة آمنة.
وكانت هذه المساحات توفر الأمان والاستشارات والعلاج الطبي والإحالات القانونية للناجيات من الاغتصاب، بينما حاليًا، لا تعمل سوى واحدة من كل أربع مساحات آمنة تقدم خدمات الإدارة السريرية لضحايا الاغتصاب في جميع الولايات الثماني عشرة، حيث تعد دارفور وكردفان الأكثر تضررًا.
ويواجه نحو 12.1 مليون شخص في السودان - أي ما يقارب الربع، معظمهم من النساء والفتيات - خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتضاعف الطلب على خدمات الحماية ثلاث مرات العام الماضي، فيما تعرض أكثر من نصف من التمسوا الدعم في المرافق التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان للاغتصاب أو غيره من أشكال الاعتداء الجنسي.
تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن الحوامل في السودان
وقالت دينا، المتخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان لصندوق الأمم المتحدة للسكان:"حجم ووحشية الانتهاكات يتجاوزان أي شيء وثقناه سابقًا. لقد وثقنا حالات عديدة لفتيات مراهقات تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي".
وأضافت:"تركت الكثيرات منهن يواجهن عواقب ذلك، بما في ذلك الحمل غير المرغوب فيه، والأمراض المنقولة جنسيًا، والصدمات النفسية العميقة، وسيستغرق التعافي من هذا عقودًا، ومع ذلك، لا تزال الناجيات اللواتي نعمل معهن يكافحن من أجل البقاء، ورفع أصواتهن، والنضال من أجل العدالة".
نقص التمويل المستمر يعرض الفتيات للمخاطر
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، يظل تمويل الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له غير كافٍ على الإطلاق منذ سنوات، ففي عام 2024، قدمت الجهات المانحة الإنسانية أقل من 20% من مبلغ 62.8 مليون دولار المطلوب للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان.
وإذا ما اقترن ذلك بالتخفيضات الكبيرة هذا العام في خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بخدمات مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، فمن المتوقع أن تتسع الفجوة في الخدمات أكثر.
وقالت ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية:"العالم يدير ظهره لنساء وفتيات السودان، كما أخفض تمويل المساعدات الإنسانية ليس مجرد قرارات تتعلق بالميزانية، بل هو خيار مصيري.
وتابعت :"عندما تتلاشى الخدمات التي تحمي صحة النساء وسلامتهن وكرامتهن، ما الرسالة التي نرسلها؟ إن معاناتهن غير مرئية، وكأن حياتهن لا قيمة لها، وعلينا أن نقف بحزم ونناضل لحمايتهن وضمان استمرار تقديم هذه الخدمات".
ودعا صندوق الأمم المتحدة للسكان الجهات المانحة إلى تكثيف التمويل الفوري والعاجل للنساء والفتيات السودانيات، مؤكدًا أن حياة ملايين النساء والفتيات في السودان تعتمد على ذلك.