فى الوقت الذى تتعرض فيه الحكاية الشعبية والأغنية القديمة والأمثال اليومية لضغط الحياة السريعة ووسائل التواصل، تظهر فى المشهد الثقافى المصرى عدة مشروعات موسوعية كبيرة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة الناس، وتحويله إلى كتب وخرائط ومرجعيات تحفظ "تاريخ المصريين" من زاوية حياتهم اليومية، لا من كتب الملوك فقط.
فى مقدمة هذه المشروعات تأتى "موسوعة التراث الشعبى العربي" التى أشرف عليها العالم الراحل الدكتور محمد الجوهري، وصدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى ستة مجلدات تغطي: علم الفلكلور ومناهجه، العادات والتقاليد الشعبية، الفنون الشعبية، الأدب الشعبي، المعتقدات والمعارف الشعبية، ثم الثقافة المادية، لتقدّم للقارئ والباحث صورة شاملة للبنية العميقة للثقافة الشعبية العربية، مع حضور أساسى للبيئة المصرية فى أمثلتها ومادتها.
إلى جانب هذا العمل الأكاديمى الواسع، يبرز اسم زكريا الحجاوي، أحد رواد تقديم الفن الشعبى فى الإذاعة والتليفزيون، من خلال مشروعه "موسوعة التراث الشعبي"، الذى صدر منه مجلد "حكاية اليهود" عن دار الكاتب العربي، ويضم حكايات وقصصًا شعبية تعكس جوانب من التراث المصرى اليهودي، وقصصًا مستوحاة من "ألف ليلة وليلة" مثل "الأسيوطى غلب اليهودي" و"الشيخ هارون وابنه الحكيم بنيامين"، بما يوضح تنوع المكوّن الثقافى الذى عاش فى مصر وترك أثره فى الحكاية الشعبية.
وعلى مستوى عربى أوسع، أنجز الباحث شوقى عبد الحكيم عمله المعروف "موسوعة الفلكلور والأساطير العربية"، الذى يتتبع فيه الأساطير والحكايات المؤسسة فى الثقافة العربية بهدف إعادة فهم سيكولوجية الإنسان العربى عبر أساطيره وموروثه الشفهي، كما توضح تقديمات الكتاب وسيرته المنشورة فى عدد من المواقع الثقافية. هذه الموسوعة تمنح القارئ المصرى فرصة مقارنة تراثه الشعبى بما يشبهه أو يختلف عنه فى البيئات العربية الأخرى.
أما المشروع الذى يحمل طابعًا ميدانيًا رسميًا مباشرًا فهو "أطلس المأثورات الشعبية المصرية" التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، والذى تأسست إدارته عام 1993، وتعمل فرقه على جمع عناصر الثقافة الشعبية فى المحافظات المختلفة، ورسم خريطة لانتشار العادات والتقاليد والمعتقدات والطقوس والألعاب الشعبية، كما يوضح التعريف المنشور على موقع "مَكنز الفولكلور" والموقع الرسمى للأطلس. وقد صدر عن المشروع عدد من الإصدارات المتخصصة، إلى جانب تنظيم ملتقيات علمية دورية، كان آخرها الملتقى العلمى الرابع فى سوهاج الذى ناقش قضايا الهوية والاستدامة ورواة السيرة الهلالية والصناعات الثقافية.