أحمد منصور

لماذا نحتاج لموسوعة عربية شاملة ومعجم تاريخى للغة العربية؟

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025 01:15 م


في زمن تتسارع فيه التحولات وتتهادى خلاله الهوية العربية تحت وطأة ضجيج العالم، يطل مشروعان معرفيان عملاقان بوصفهما جناحين يعيدان لهذه الأمة توازنها الفكري، ويذكرانها بأن الثقافة ليست ترفًا، بل ركيزة وجود، والحديث هنا عن الموسوعة العربية الشاملة والمعجم التاريخي للغة العربية، وهما إنجازان لا يمكن النظر إليهما باعتبارهما مجرد أعمال تحريرية أو مجلدات ضخمة، بل بوصفهما فعلًا حضاريًا يعيد للعرب موقعهم الطبيعي في سجل الأمم المنتجة للمعرفة، ويمنح الأجيال القادمة مرجعًا يوثق مسيرتها بعيدًا عن التشتت والنسيان.

حين أعلن حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي خلال الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب الانتهاء من المرحلة الأولى من الموسوعة العربية الشاملة، لم يكن يقدم خبرًا ثقافيًا عابرًا، بل كان يعلن عن ولادة مشروع يضاهي كبريات الموسوعات العالمية، ويمنح الثقافة العربية مرجعًا جامعًا للعلوم والفنون والآداب والأعلام، ليست قيمة الموسوعة في حجمها، بل في منهجيتها "تعريف العلوم، توثيق المصطلحات، وإعادة رسم خريطة المعرفة الإنسانية من منظور عربي علمي رصين"، يكفي أن المرحلة الأولى وحدها ضمت 44 مجلدًا تشمل العلوم اللغوية والشرعية من نحو وصرف وبلاغة ولسانيات وفقه وأصول وعقيدة واقتصاد إسلامي وغيرها.

أما خارطة الطريق التي رسمها حاكم الشارقة حتى عام 2028 فتحمل ملامح مشروع يستعاد فيه التاريخ عبر مسار علمي متكامل "المرحلة الثانية (2026) للعلوم الإنسانية وتراجم الشعراء والمفسرين واللغويين، المرحلة الثالثة (2027) لمزيد من الأعلام والعلوم، المرحلة الرابعة (2028) التي تختتم أكبر موسوعة معرفية عربية في العصر الحديث".
هذا العمل لا يوثق الماضي فحسب، بل يربط الحاضر بجذوره، ويمنح أبناء الجيل الجديد مرجعًا يشرح لهم من هم، وكيف وصلوا إلى هنا.

وقبل الموسوعة، كانت الشارقة قد قدمت للعرب واحدًا من أهم المشاريع اللغوية في تاريخهم الحديث "المعجم التاريخي للغة العربية"، ذلك الحلم القديم الذي بدأ منذ 1932 في القاهرة وتعثر لعقود، حتى نهض من جديد بفضل رؤية شيخ الثقافة العربية في عصرنا الشيخ الدكتور سلطان القاسمي.

لم يكن الطريق سهلًا، تجارب متعددة انهارت، وجهود مؤسسات عربية توقفت، ومحاولات فردية ذهبت أدراج الرياح، لكن الشارقة استطاعت أن توحد المجامع اللغوية العربية، وأن تنجز ما عجزت عنه أجيال "127 مجلدًا" توثق تاريخ العربية منذ بداياتها، وتعيد بناء تطور مفرداتها ودلالاتها عبر الزمن.

المعجم ليس مجرد مشروع لغوي، إنه إعادة روح، إنه أرشيف الأمة اللغوي الذي يشرح للعالم كيف تطورت العربية، وكيف تحولت من لغة شعرية خالدة إلى وعاء علمي ومعرفي استوعب حضارات كاملة.

المثير في هذين المشروعين أن وراءهما شخصًا واحدًا، لكنه ليس مسئولًا عابرًا، بل مثقفًا من طراز خاص، آمن بأن الثقافة ليست واجهة بل ضرورة، رؤية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي أنهت زمن المبادرات المتفرقة، وربطت مؤسسات العلم العربية بخيط واحد، وجعلت من المشاريع الكبرى واقعًا لا حلمًا، وفي زمن يبحث فيه العالم العربي عن ملامح مستقبله، تأتي هذه المشاريع لتمنحنا جزءًا من الإجابة.

ونجد أن هناك سؤال يطرح نفسه لماذا تحتاج الأمة إلى موسوعة ومعجم؟ وبكل بساطة لأن الأمم التي لا تكتب تاريخها تكتب نيابة عنها، ولأن المعرفة الموثّقة أقوى من أي خطاب عابر، ولأن الثقافة لا تحمى بالشعارات بل بالمشاريع الكبرى، والموسوعة العربية الشاملة والمعجم التاريخي ليسا مجرد كتب، إنهما مشروع هوية، وممر آمن تعبر من خلاله ذاكرة العرب إلى مستقبل لا يزال يتشكل.

والموسوعة العربية الشاملة والمعجم التاريخي مشروعًا عربيًا كاملًا، يثبت أن العالم العربي قادر على أن يصنع إنجازًا معرفيًا يتجاوز الحدود، ويخاطب العالم بلغة العلم والبحث لا بلغة الانفعال، وتلك المشروعين ببساطة إعادة تعريف دور الثقافة ودور العرب أنفسهم.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة