لو اكتشفتَ أن روايتكَ التى تتضمن قصة حياتك تم سرقتها ونشرها بإسم كاتب آخر، الرواية التى تتضمن ذكرياتك وأوقاتكَ السعيدة والمواقف المؤلمة فى حياتك، كاتب آخر حقق مكاسب مالية كبيرة وشُهرة، بكلماتك أنتَ، هل ستُطالب بحقّك، أم ستترُكهُ، هل ستُسامحهُ ؟! ما هو رد فعلك عند مواجهة هذا السارق؟!
هذه هى الفكرة الأساسية التى يتضمنها فيلم درامي عَرَضَتهُ إحدى القنوات الفضائية منذ أيام.. الفيلم بعنوان (The Words) تم إنتاجه فى الولايات المتحدة الأمريكية، وصَدَرَ عام 2012.. بطولة «برادلى كوبر».. الفيلم عن كاتب وهو "رورى چانسن"، يحاول نشر روايته الأولى التى تُرفَض من ناشرين..
خلال تواجد "رورى چانسن" فى باريس، اشترت زوجته له حقيبة قديمة أُعجِبَ بها فى محل للتُحف.. بعد عودة "رورى" إلى أمريكا، وجَدَ فى الحقيبة كتاب قديم مكتوب بالآلة الكاتبة القديمة بإتقان، قرأهُ وإنبهر بالكتابة البديعة والقصة الشيِّقة، خَطَرَ على بالهُ فكرة، وهى أن ينشُر الكتاب بإسمُه، وبالفعل كتَبَ "رورى" الكتاب على الكمبيوتر، وقدّم الرواية لناشِر، فأُعجِبَ بالرواية ونَشَرَها، وحقّقت الرواية نجاح كبير، واشتهر الكاتب "رورى"..
يلتقى الكاتب "رورى چانسن" بعد ذلكَ رجل عجوز، يقوم بهذا الدور الفنان «چيريمى آيرونز»، يتضح أنه المؤلف الحقيقي للكتاب، الذى تضمّن تفاصيل من حياته فى باريس، عندما كان شابًا يخدم فى فرنسا مع الجيش الأمريكى فى الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، تعرَّف على "سيليا" فتاة فرنسية وتزوجا وأنجبا ابنة توفِّيَت فيما بعد، لأنها كانت مريضة..
لم تَسْتَطِع "سيليا" تحمُّل خسارة ابنتها، فانتقلت إلى منزل والديها فى الريف، ثم استلهَمَ الزوج الحزين من ألمُه لكتابة الرواية، التى أخذها إلى "سيليا" أثناء زيارتها.. وجدَت "سيليا" القصة مؤثرة، فعادت إليه، لكنها دون قصد تركت الرواية فى حقيبة داخل القطار بعد عودتها إلى باريس، وفقدَتها، لم يدُم صُلحَهُما، وبسرعة انفصلا..
بَحَثَ "رورى" عن الرجُل العجوز ليدفع له ما يشاء من المال، لكن الرجُل العجوز رفض المال، وقال له مثلما أخدتَ الرواية خُذ الألم أيضًا.. وأخبرهُ عن رؤيته لـ"سيليا" مرة أخرى بعد سنوات من الطلاق، رآها مع زوجها الثانى وابن صغير.. أشار الرجل العجوز إلى أن الناس يتجاوزون الأحداث المؤلمة.. توفى الرجل العجوز بعد وقت قصير من لقائه الأخير بـ"رورى".. توفى بدون أن يكشف السر، بدون أن يفضح "رورى"، بدون أن يُوضِّح لقرائه ومعجبينه ومحبينه أن "رورى" سرق روايته، وبنى شهرته على سرقة وكِذبة!!..
وهنا أتذكّر كلام الله فى القرآن: "وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" في سورة الأنعام الآية 110.. و"مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" في سورة الأعراف الآية 186.. حيث أن الله قد يترُك السارق واللص والظالم يفعل ما يشاء، يسرق الأحلام والأهداف والانجازات، ليختبر صبر وإيمان وقوة تحمُّل عباده الصالحين الطيبين، الذين وعَدهُم الله بجنات النعيم مع الأنبياء والمرسلين..
الله عادل، يرانا عندما نُظلَم ونتألّم ونُعانى، يرى مقاومة الألم، يرى الصبر، يرى التجاوُز لإيماننا بالقضاء والقدر، لأننا مؤمنين بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يَكُنْ، الله يرى زُهدَنا فيما عَجَزْنا أن نحصُل عليه، لذلك يُكافؤنا دائمًا بالمكافآت التى نستحِقّها، فى الوقت الذى يختارُه ويَجِدهُ مناسبًا..
أحيانًا نُشاهِد لصوص يسرقون أحلامنا وأهدافنا وانجازاتنا، قد نُواجِه، ونُطالب بحقوقنا، ونستعيد المسروقات، وأحيانًا نترُكهم يستحوذون على المسروقات، لنحمى أنفُسنا من شرّهُم، وهذا ليس استسلام، وليس ضَعْف، بل إيمان بالله أن الحقوق يراها الله العَدْل.. الذى يُمهِل ولا يُهمِل..
لذلك أدعو الله دائمًا أن يرزُقنا السكينة لتقبُّل ما لا نستطيع تغييره، والشجاعة لتغيير ما نستطيع تغييرُه، والحِكمة لنُميِّز بينهُما.. أدعو الله أن يرزُقنا دائمًا الصبر، والرضا بالقضاء والقدر، والقدرة على التجاوُز، وأن يرزُقنا الله القوة لنستكمل ما بدأناه..