مشاعر فخرلا حدود لها شعر بها المصريون مع افتتاح المتحف المصرى الكبير، هذا الحدث العالمى الذى انتظره الجميع فى كل أنحاء العالم، فى وقت حرج يموج فيه العالم بأحداث عنف وصراعات، وتتسارع الأنفاس يومياً ونحن نرى شلالات الدماء التى تنزف فى مناطق عديدة حولنا، فتهدر وتسقط معها كل معانى التحضر التى بناها العالم على مدار تاريخ طويل، ليأتى افتتاح المتحف فى هذا التوقيت معلناً وسط هذا الخضم العاصف من الصراعات أن هنا مصر أرض الحضارة، التى سبقت العالم حين سادت فيه شريعة الغاب، وعرفت السلام والمبادئ الإنسانية قبل أكثر من 7 ألاف عام، وأن الحضارات لا تبنى إلا بالسلام والعدل وإعلاء قيمة الإنسان.
جاء افتتاح المتحف فى توقيت تتوالى فيه مشاعر الفخر بين المصريين بعد الدور المصرى فى وقف الحرب على غزة خلال قمة شرم الشيخ للسلام التى جمعت قادة العالم ، وهكذا يتوالى الدور المصرى عبر التاريخ فى نشر السلام حول العالم، منذ أن كتبت أول اتفاقية للسلام عرفتها البشرية والتى وقعها رمسييس الثانى مع ملك الحيثيين عام 1258 قبل الميلاد.
جاء افتتاح المتحف المصرى الكبير ليحمل رسائل كثيرة ولقطات ومشاهد فخر لها دلالات كبيرة وعميقة، فرحة انتظرها المصريون وفرحوا بها وتابعوها بكل شغف، واحتفلوا بها بأشكال عديدة وفريدة كعادة المصريون دائماً فى كل الأحداث الكبيرة التى يقفون فيها خلف الوطن ويظهر فيها المعدن المصرى الأصيل.
كان من أهم اللقطات التى خطفت القلوب والأنظار قبل افتتاح المتحف، تلك الصورة المعبرة التى تم تداولها لمئات العمال والفنيين الذين شاركوا فى صنع هذا الحدث العالمى، تلك الصورة الصادقة التى تحكى عن أحفاد الفراعنة القادرون دائماً على صنع المستحيل.
كان حفل الاحتفال فى مجمله عظيماً مبهراً رغم بعض الانتقادات، ظهر فيه قدر الجهد المبذول من أصغر عامل إلى أكبر مسئول، ومنذ كان فكرة حتى تابع العالم حفل الافتتاح، وحضره قادة الدول.
وتضمن الحفل العديد من المشاهد والرسائل التى خطفت القلوب والأنظار، ومنها طلة السيدة انتصار السيسى حرم الرئيس، التى تخطف الأنظار بوقارها ورقيها وأناقتها وبساطتها وقربها من المصريين مع كل ظهور لها، فكان اختيارها للزى مناسباً وموفقاً كعادتها، فستان أسود جميل بتصميم مصرى، منقوش بنقوش ذهبية عبارة عن حروف هيروغليفية، ولفتت الأنظار كذلك بمودتها وابتسامتها وذكائها فى التعامل مع الضيوف، ونظرات عينيها التى تمتلئ بالفخر أثناء مشاهدة فقرات الحفل، حتى تلك النظرة العفوية للرئيس التى امتلأت بالمحبة الصادقة كانت محل إعجاب وتقدير من الجميع.
كما كان من أكثر المشاهد الموفقة فى الحفل ظهور الوزير الفنان فاروق حسنى، صاحب فكرة إنشاء المتحف المصرى الكبير، وحديثه الصادق ورعشة صوته فرحاً بتحقيق حلمه، ومهابة سنوات عمره التى مرت وهو ينتظر هذه اللحظة، كان مشهداً يعبر عن كل قيم الوفاء والإخلاص وإعطاء كل ذى حق حقه.
أما ظهور وكلمات طبيب القلوب العالمى الدكتور مجدى يعقوب فكانت مصدر فخر كبير، حيث عبر عن الثقافة والحضارة المصرية التى تعلى قيم الإنسانية وحقوق البشر على أية اعتبارات دينية أو عرقية.
وكان ظهور النجمة الكبيرة شريهان هدية ومفاجأة الحفل للجمهور المصرى الذى اشتاق لهذه النجمة الأيقونية المحبوبة، وكان يتمنى رؤيتها حتى وإن كان ظهورها للحظات فى حفل بهذا الحجم والأهمية، وهو ما ظهر فى استقبال المواطنين، الذين شاهدوا الحفل على شاشات العرض فى الشوارع والميادين والذين قابلوا ظهورها بموجات من التصفيق.
ولأن مصر تملك مواهب كبيرة من كل الأعمار الأجيال كان ظهور وحضور الفنانة الشابة ياسمينا العبد من أجمل مشاهد الحفل، بما تمتعت به من ثقة ولغة سليمة، رغم صغر سنها، فكان اختيارها وأدائها موفقاً مبهراً، أشاد به الجميع.
ويستمر الإبهار، ومواهب الأجيال المختلفة، بظهور الطفل آسر أحمد ودوره وتألقه فى الحفل وأدائه وثقته ونظرات عينيه، التى تعبر عن مستقبل الطفل المصرى ابن هذه الحضارة العظيمة الذى تشيد كل الإنجازات من أجله.
وكان اختيار الوجوه المشاركة فى الحفل من الفنانين والرياضين اختياراً موفقاً، تطل منها صور الأجداد المحفورة على جدران المعابد ، وجوه مصرية فرعونية جميلة، نالت الإعجاب دون أن تتكلم، ومنها سلمى أبو ضيف، هدى المفتى، أحمد مالك، أحمد غزى، السباحة فريدة عثمان، وبطلة الكارتيه فريال أشرف، وأحمد الجندى بطل مصر فى الخماسى الحديث، لتؤكد هذه الوجوه أن لدينا عظماء فراعنة فى كل المجالات.
وكان من الفقرات الأسطورية وأكثرها إبهاراً فى حفل الافتتاح تلك المقطوعة الموسيقية التى عزفت فى نفس الوقت من مصر و كل أنحاء العالم "لحن واحد من أجل السلام"، حيث ارتدى فيه عازفوا الأوركسترا من مختلف البلاد، فى اليابان، وأمريكا وفرنسا والبرازيل، الزى الفرعونى وأبدعوا فى عزف المقطوعة الموسيقية التى ألفها الموسيقار المصرى العالمى هشام نزيه وقاد الأوركسترا المايسترو الكبير ناير ناجي.
كما خطفت السبرانو المصرية العالمية شيرين أحمد طارق القلوب والأنظار بأدائها الأوبرالى الأكثر من رائع وقوة صوتها وشخصيتها وأناقتها وملامحها الجميلة، فكانت على قدر الحدث وقدمت عرضاً عالمياً، وهى أول ممثلة ومغنية مصرية تقدم دور البطولة على مسرح برودواي الشهير في نيويورك فى المسرحية الغنائية "سيدتى الجميلة"
ومن أكثر المشاهد تأثيراً فى الجمهور هذا المشهد الذى أعيد فيه اعتبار الطفل المصرى حسين عبدالرسول مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، الذى أرشد الأثرى البريطانى هووارد كارتر عن مكانها عام 1922، بعد أن يأس الأخير من البحث لمدة 5 سنوات وكاد يغادر الموقع، لولا أن الطفل الذى لم يتجاوز عمر 12 عاماً سقطت إحدى جرار الماء التى يحملها فسمع صوت ارتطام شيئ صلب، فحفر حتى وجد أول درجات سلم، فأسرع إلى كارتر ليخبره وتم الحفر ليخرج أعظم كشف أثرى فى القرن العشرين، بفضل هذا الطفل المصرى.
وعبر الحفل عن النسيج المصرى فى مشهد رائع يجمع بين ترانيم الكنائس والتواشيح الدينية الإسلامية، والحضارة والأثار القبطية والإسلامية، حيث تعانق صوت صوت المنشد الأزهري إيهاب يونس مع صوت مينا فهيم الشماس القبطي، كما أبدع المطرب النوبي أحمد إسماعيل في الغناء لنهر النيل باللغة النوبية ، لتتجلى فى هذا الحفل عظمة مصر وشعبها وحضارتها التى ينصهر فيها الجميع فى كيان واحد.
وفى النهاية يبقى هذا اليوم فارقاً فى حياة مصر والمصريين، والعالم بأسره الذى أهدته أم الدنيا أكبر وأعظم حضارة فى التاريخ، حضارة تعلى من قيمة الإنسان وتنشر السلام فى كل العصور.