إن ما يراه البعض من أفكار غريبة عن أنفسهم — كأن يعتقد الشخص أنه مشهور أو يمتلك قدرات خارقة قد لا يكون خيالًا بسيطًا أو غرورًا، بل مؤشرًا على اضطراب أعمق في الإدراك النفسي أو العقلي. و تلك الحالات لا ترتبط بالضرورة بتعاطي أية مواد أو عقاقير أو غيرها، بل قد تظهر لدى أشخاص لم يتعرضوا لأي مؤثر خارجي، نتيجة خلل في طريقة استقبال الدماغ للواقع ومعالجته.
من الإجهاد إلى الاضطراب الكامل
يوضح الدكتور عادل سلطان استشارى النفسية قصر العينى أن بعض الحالات تبدأ من ضغوط نفسية أو اجتماعية قوية، مثل الفقد، أو الإحباط المهني، أو العزلة الطويلة. في مثل هذه الفترات، قد يبدأ العقل في خلق تفسيرات وهمية لما يحدث، وكأنها وسيلة لحماية الذات من الانكسار. فيتحول الإحساس بالعجز إلى إحساس بالعظمة، أو يتحول الخوف إلى يقين بأن الشخص مميز .
لكن مع مرور الوقت، إن لم يتم التعامل مع الحالة مبكرًا، تتحول هذه الأفكار إلى معتقدات راسخة يصعب زعزعتها، وهنا يبدأ الاضطراب في التغلغل بعمق داخل التفكير.
احتمالات متعددة وراء الأوهام
يؤكد الطبيب أن خلف هذه الحالات قد تختبئ عدة احتمالات، منها الاضطرابات المزاجية التي ترفع الإحساس بالثقة إلى حدود غير منطقية، أو الاضطرابات الوهمية او فصامية وذهانية أو نتيجة ضغوط حادة نفسية .
كيف نتعامل مع المريض؟
يشدد د. سلطان على أن أخطر ما يمكن أن يُفعَل هو التقليل من الشخص وأفكاره أو مهاجمته أو السخرية منه أو المواجهة الحادة مع من يعيش هذه التجارب، بل إن هذا المريض يحتاج لرعاية من مختص نفسي لكشف الاسباب وعلاجها . وتحديد طبيعة العلاج ما إذا كان سلوكيا ونفسيا أم دوائيا أم يحتاج العقاقير معينة تساعد على إيقاف هذه الأفكار ، أم خليطا ومزجا ووضع خطة علاج من قبل الطبيب المختص المتابع للحالة فقط.
وفقًا لتقرير نشره موقع هيلث هارفارد، فإن اضطرابات الوعي بالذات من أكثر المشكلات النفسية تعقيدًا، لأنها تجمع بين الجوانب العضوية في الدماغ والعوامل النفسية والاجتماعية، وقد تتسلل تدريجيًا دون أن ينتبه الشخص أو أسرته لما يحدث له .
وفي أحيان أخرى، تكون الأسباب عضوية دقيقة في الدماغ، مثل خلل في كيمياء النواقل العصبية المسؤولة عن الإحساس والوعي، مما يجعل المريض يرى العالم بصورة مشوَّشة ومليئة بالرموز الشخصية.
او التعرض لمشكلات مهنية فى حالات أخرى ، الذي يتركز حول فكرة واحدة مسيطرة لا يمكن دحضها، أو الفصام العقلي الذي يغيّر العلاقة بين الإنسان والواقع تدريجيًا.
لأن المريض لا يتصنّع ولا يبالغ، بل يؤمن تمامًا بما يقوله. لذلك، يحتاج إلى احتواء هادئ وتقييم دقيق من مختص، وليس إلى جدال أو إنكار. فكل محاولة لإقناعه بالعكس دون علاج مناسب قد تزيد من اضطرابه الداخلي وتعزّز عزلة فكرية أعمق.
وبحسب ما أورده موقع هيلث هارفارد، فإن العلاج في مثل هذه الحالات يقوم على دمج الأدوية مع العلاج النفسي السلوكي. تُستخدم بعض العقاقير لتعديل نشاط مراكز الدماغ المسؤولة عن الإدراك الخاطئ، بينما تساعد الجلسات النفسية المريض على اختبار أفكاره تدريجيًا دون صدام. كما تُعد البيئة الهادئة والدعم الأسري المستمر من أهم العوامل التي تُعزّز فرص التعافي وتمنع الانتكاس.
اضطرابات أخرى غريبة
الاضطرابات الإدراكية
اضطرابات الاندفاع القهري المرتبط بالجسد
تندرج هنا حالات تعتمد على سلوكيات قهرية متكررة وغير خاضعة للسيطرة الواعية، ومن أشهرها اضطراب نزع الجلد القهري (Dermatillomania)، واضطراب نتف الشعر (Trichotillomania)، إضافة إلى اضطراب سلامة الهوية الجسدية (BIID) الذي يتمنى فيه المصاب إزالة طرف سليم من جسده أو فقدان وظيفته، وهو من أكثر الاضطرابات إثارة للجدل.
الاضطرابات المرتبطة بالمثيرات الحسية أو البيئية
اضطرابات تغيّر الإحساس بالذات والواقع
تشوّهات معرفية تمتد إلى الهوية الجسدية
بعض الاضطرابات تسلك مسارًا أكثر تعقيدًا؛ فهي لا تعتمد على هلاوس أو أوهام بالمعنى التقليدي، بل على دافع قهري يوجّه سلوك الشخص نحو إيذاء نفسه بدرجات متفاوتة. قد يبدأ الأمر بعادة بسيطة مثل قضم الجلد أو نتف الشعر، ثم يتطور ليشمل رغبات غير مفسّرة في إزالة عضو سليم أو تعديل الجسد بطرق مؤذية. هذه المظاهر تعكس صراعًا داخليًا بين الإحساس بالجسد وبين الصورة الذهنية عنه، ما يجعل العلاج عملية متعددة الخطوات تتطلب متخصصين في الطب النفسي، والعلاج السلوكي، وإعادة التأهيل.