من الهلاوس حتى السلوكيات القهرية.. أغرب الاضطرابات والاندفاعات النفسية

الأحد، 16 نوفمبر 2025 03:00 ص
من الهلاوس حتى السلوكيات القهرية.. أغرب الاضطرابات والاندفاعات النفسية الهلاوس الذهنية

كتبت مروة محمود الياس

إن ما يراه البعض من أفكار غريبة عن أنفسهم — كأن يعتقد الشخص أنه مشهور أو يمتلك قدرات خارقة قد لا يكون خيالًا بسيطًا أو غرورًا، بل مؤشرًا على اضطراب أعمق في الإدراك النفسي أو العقلي. و تلك الحالات لا ترتبط بالضرورة بتعاطي أية مواد أو عقاقير  أو غيرها، بل قد تظهر لدى أشخاص لم يتعرضوا لأي مؤثر خارجي، نتيجة خلل في طريقة استقبال الدماغ للواقع ومعالجته.

 

من الإجهاد إلى الاضطراب الكامل

يوضح الدكتور عادل سلطان استشارى النفسية قصر العينى  أن بعض الحالات تبدأ من ضغوط نفسية أو اجتماعية قوية، مثل الفقد، أو الإحباط المهني، أو العزلة الطويلة. في مثل هذه الفترات، قد يبدأ العقل في خلق تفسيرات وهمية لما يحدث، وكأنها وسيلة لحماية الذات من الانكسار. فيتحول الإحساس بالعجز إلى إحساس بالعظمة، أو يتحول الخوف إلى يقين بأن الشخص مميز .

لكن مع مرور الوقت، إن لم يتم التعامل مع الحالة مبكرًا، تتحول هذه الأفكار إلى معتقدات راسخة يصعب زعزعتها، وهنا يبدأ الاضطراب في التغلغل بعمق داخل التفكير.

 

احتمالات متعددة وراء الأوهام

يؤكد الطبيب أن خلف هذه الحالات قد تختبئ عدة احتمالات، منها الاضطرابات المزاجية التي ترفع الإحساس بالثقة إلى حدود غير منطقية، أو الاضطرابات  الوهمية  او فصامية وذهانية أو نتيجة ضغوط حادة نفسية .

 

كيف نتعامل مع المريض؟

يشدد د. سلطان على أن أخطر ما يمكن أن يُفعَل هو التقليل من الشخص وأفكاره أو مهاجمته أو السخرية منه  أو المواجهة الحادة مع من يعيش هذه التجارب، بل إن هذا المريض يحتاج لرعاية من مختص نفسي لكشف الاسباب وعلاجها . وتحديد طبيعة العلاج ما إذا كان سلوكيا ونفسيا أم دوائيا أم يحتاج العقاقير معينة تساعد على إيقاف هذه الأفكار ، أم خليطا ومزجا ووضع خطة علاج من قبل الطبيب المختص المتابع للحالة فقط.

وفقًا لتقرير نشره موقع هيلث هارفارد، فإن اضطرابات الوعي بالذات من أكثر المشكلات النفسية تعقيدًا، لأنها تجمع بين الجوانب العضوية في الدماغ والعوامل النفسية والاجتماعية، وقد تتسلل تدريجيًا دون أن ينتبه الشخص أو أسرته لما يحدث له .

وفي أحيان أخرى، تكون الأسباب عضوية دقيقة في الدماغ، مثل خلل في كيمياء النواقل العصبية المسؤولة عن الإحساس والوعي، مما يجعل المريض يرى العالم بصورة مشوَّشة ومليئة بالرموز الشخصية.

او  التعرض لمشكلات مهنية فى حالات أخرى ،  الذي يتركز حول فكرة واحدة مسيطرة لا يمكن دحضها، أو الفصام العقلي الذي يغيّر العلاقة بين الإنسان والواقع تدريجيًا.

لأن المريض لا يتصنّع ولا يبالغ، بل يؤمن تمامًا بما يقوله. لذلك، يحتاج إلى احتواء هادئ وتقييم دقيق من مختص، وليس إلى جدال أو إنكار. فكل محاولة لإقناعه بالعكس دون علاج مناسب قد تزيد من اضطرابه الداخلي وتعزّز عزلة فكرية أعمق.

وبحسب ما أورده موقع هيلث هارفارد، فإن العلاج في مثل هذه الحالات يقوم على دمج الأدوية مع العلاج النفسي السلوكي. تُستخدم بعض العقاقير لتعديل نشاط مراكز الدماغ المسؤولة عن الإدراك الخاطئ، بينما تساعد الجلسات النفسية المريض على اختبار أفكاره تدريجيًا دون صدام. كما تُعد البيئة الهادئة والدعم الأسري المستمر من أهم العوامل التي تُعزّز فرص التعافي وتمنع الانتكاس.

 

اضطرابات أخرى غريبة 

وفى ذات السياق أوضح تقرير نشر فى موقع NIMH، ان الكثيرمن الاضطرابات لا تُعد غريبة لمجرد أن عدد المصابين بها قليل، بل لأنها تُظهر أن الوعي الإنساني قد ينحرف بطرق معقدة يصعب على المريض ومحيطه إدراكها في بدايتها. إذ تتجسد المشكلة أحيانًا في قناعات تبدو منطقية لصاحبها، لكنها بعيدة تمامًا عن الواقع، أو في سلوكيات يصعب منعها رغم وعي الشخص بنتائجها المؤلمة.
 
 

الاضطرابات الإدراكية

في هذه الفئة تبرز مجموعة من الاضطرابات التي تُعد الأشهر ضمن الحالات الإدراكية غير المألوفة، وتشمل اضطراب أليس في بلاد العجائب الذي يغيّر إدراك المريض لحجم جسمه أو محيطه، واضطراب كابغراس الذي يخلق قناعة بأن أشخاصًا مقربين قد تم استبدالهم ببدائل مزيفة، واضطراب الانفصال عن الواقع أو تبدّد الشخصية حيث يشعر الفرد بأن جسده أو بيئته غريبة عنه أو منفصلة تمامًا.
 
 

اضطرابات الاندفاع القهري المرتبط بالجسد

تندرج هنا حالات تعتمد على سلوكيات قهرية متكررة وغير خاضعة للسيطرة الواعية، ومن أشهرها اضطراب نزع الجلد القهري (Dermatillomania)، واضطراب نتف الشعر (Trichotillomania)، إضافة إلى اضطراب سلامة الهوية الجسدية (BIID) الذي يتمنى فيه المصاب إزالة طرف سليم من جسده أو فقدان وظيفته، وهو من أكثر الاضطرابات إثارة للجدل.

 


الاضطرابات المرتبطة بالمثيرات الحسية أو البيئية

تظهر في شكل ردود نفسية وجسدية حادة يُستفز فيها الجهاز العصبي من مؤثرات غير متوقعة، وأشهر الأمثلة متلازمة باريس الناتجة عن صدمة ثقافية مفاجئة، ومتلازمة فلورنسا المرتبطة بالتعرّض المكثف للفنون، ومتلازمة ستندهال التي تُسبب دوارًا وتشوشًا عند مشاهدة مناظر جمالية مبهرة، وكلها تذكّر بحساسية الدماغ تجاه التغيرات الحسية أو البيئية المفاجئة.
 
 
 

اضطرابات تغيّر الإحساس بالذات والواقع

 
في فئة من هذه الاضطرابات يحدث الخلل عند نقطة دقيقة تتعلق بكيفية تفسير الدماغ للهوية الجسدية والوجود المحيط. قد يواجه المريض تبدلًا مفاجئًا في إدراك حجم أعضائه أو يرى ملامحه متغيرة بصورة لا تتوافق مع الحقيقة. كما قد يشعر أن أحد أطرافه غريب عنه أو أن أشخاصًا يعرفهم جيدًا تحوّلوا إلى نسخ مزيّفة. هذه التجارب لا تُضعف الإدراك فحسب، بل تقطع الجسر بين ما يراه الدماغ وما يحدث في الواقع، فتتراجع القدرة على التواصل، وتظهر حالة من الارتباك المستمر في التعامل مع اليوميات.
 
 

تشوّهات معرفية تمتد إلى الهوية الجسدية

بعض الاضطرابات تسلك مسارًا أكثر تعقيدًا؛ فهي لا تعتمد على هلاوس أو أوهام بالمعنى التقليدي، بل على دافع قهري يوجّه سلوك الشخص نحو إيذاء نفسه بدرجات متفاوتة. قد يبدأ الأمر بعادة بسيطة مثل قضم الجلد أو نتف الشعر، ثم يتطور ليشمل رغبات غير مفسّرة في إزالة عضو سليم أو تعديل الجسد بطرق مؤذية. هذه المظاهر تعكس صراعًا داخليًا بين الإحساس بالجسد وبين الصورة الذهنية عنه، ما يجعل العلاج عملية متعددة الخطوات تتطلب متخصصين في الطب النفسي، والعلاج السلوكي، وإعادة التأهيل.

 


اندفاعات قهرية وسلوكيات خارجة عن السيطرة

في حالات أخرى يتغلب السلوك اللا إرادي على كل محاولات التحكم الواعي. يشعر المريض أن أفعاله تُفرض عليه دون مقدمات، رغم أنه يدرك عدم منطقيتها أو خطورتها. تزداد هذه الاندفاعات في المواقف التي يرتفع فيها التوتر أو ينخفض الدعم الاجتماعي، ما يؤدي إلى تعطّل القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية أو الحفاظ على العلاقات. ويشير اختصاصيو السلوك إلى أن هذه الاندفاعات ليست دليلًا على ضعف الإرادة، بل نتيجة خلل في دوائر عصبية تتحكم في اتخاذ القرار ومنع الاستجابة.
 
 

اضطرابات تستجيب مثيرات غير متوقعة

وتبرز مجموعة ثالثة من الحالات التي تظهر استجابة لعوامل غير معتادة، مثل التعرض المفاجئ لثقافة جديدة، أو مشاهدة عمل فني مكثف، أو الانتقال إلى بيئة تختلف جذريًا عن المحيط المعتاد. في هذه اللحظات، قد يمر المريض بنوبة هلع حادة، أو اضطراب إدراكي مؤقت، أو أعراض جسدية توحي بوجود خطر حقيقي رغم عدم وجود أي تهديد فعلي. هذه الاضطرابات تقدم مثالًا على أن الدماغ يتفاعل مع المؤثرات الحسية والعاطفية بطريقة دقيقة قد تنقلب أحيانًا إلى ردود مفرطة.
 

بين الدماغ والواقع

تكشف هذه الاضطرابات أن  الشعور بالذات والواقع ليس ثابتًا كما نتصور، بل محصلة لتفاعل معقد بين مناطق متعددة داخل الدماغ. وعندما يختل أي جزء من هذا النظام، تظهر صور غير مألوفة من التجارب الإنسانية تتطلب فهمًا متخصصًا وتدخلًا علاجيًا دقيقًا. إن إدراك هذه الحالات ليس هدفه إثارة الدهشة، بل توجيه الضوء إلى مساحات من علم النفس لا تزال تحتاج إلى مزيد من البحث ليحصل المرضى على الرعاية التي تضمن سلامتهم واندماجهم مع المجتمع دون وصم أو عزلة.
 
 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة