تبدو فكرة أن يُحاط الطفل بكل أشكال الرعاية والحنان من أسرته حلمًا مثاليًا لأي أب وأم، لكن علماء النفس يؤكدون أن الإفراط في هذا الحب يمكن أن يقود إلى مشكلة سلوكية ونفسية، وهى حالة سلوكية تنشأ حين يتلقى الطفل الوحيد دعمًا ماديًا وعاطفيًا غير محدود من ستة بالغين — الوالدين وأربعة من الأجداد.
وفقًا لتقرير نشره موقع OnlyMyHealth، فإن هذه الاضطراب النفسى لا يقتصر على المظاهر السطحية للتدليل، بل تمتد لتؤثر بعمق في نمو الطفل النفسي والاجتماعي، إذ يصبح محور الاهتمام المطلق داخل الأسرة، فيفقد تدريجيًا قدرته على التعامل مع الحدود أو الرفض أو حتى الإحباط الطبيعي الناتج عن الحياة اليومية.
جذور المصطلح ومعناه
غالبا فى حالة الطفل الواحد، الذى يحصل على كل ما يريد دون عناء. ومع مرور الوقت، تتكون لديه قناعة بأنه مركز الكون، وأن رغباته يجب أن تُلبّى فورًا.
يشرح علماء النفس أن هذه الظاهرة تمثل نموذجًا متطورًا من "التربية المفرطة الحماية"، حيث يحرص الأهل والأجداد على منع أي تجربة سلبية عن الطفل، فينشأ دون أن يطوّر مهارة التكيف أو تقبّل الفشل، وهو ما ينعكس لاحقًا على سلوكه وثقته في التعامل مع المجتمع.
التأثير النفسي والسلوكي
يشير خبراء السلوك إلى أن الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة التدليل الزائد يُظهرون ملامح واضحة في الشخصية، مثل الغرور المفرط، ضعف المرونة العاطفية، وقلة الصبر. كما تزداد لديهم النزعة إلى التحدي والجدال، خاصة عند مواجهة القيود.
وتحذّر الأخصائية النفسية الدكتورة سوشما جوبالان من أن غياب الحدود يجعل الطفل يعتمد اعتمادًا كليًا على المكافآت المادية لتقدير ذاته، فيربط النجاح بما يحصل عليه لا بما يحققه من جهد. ويؤدي ذلك إلى ضعف الحس بالمسئولية وإلى نزعات استهلاكية مبكرة قد تلازمه في شبابه.
مظاهر المتلازمة في الحياة اليومية
قد لا يلاحظ الوالدان في البداية أن سلوك طفلهما يتطور في هذا الاتجاه، إذ تبدو المظاهر بريئة في شكلها: رغبة الطفل في السيطرة، رفضه التقويم، غضبه عند المنع، أو إصراره على الحصول على المكافأة مقابل أي إنجاز بسيط. لكن تراكم هذه المواقف يؤدي إلى بناء شخصية تتسم بالاعتمادية والأنانية المفرطة.
يقول علماء النفس إن المشكلة ليست في الحب ذاته، بل في غياب التوازن بين العاطفة والانضباط. فحين يُمنح الطفل كل شيء دون مقابل، لا يتعلم معنى الجهد ولا قيمة الخطأ كجزء من التعلم، مما يضعف نضجه الانفعالي ويجعله أقل قدرة على تحمل المسئوليات لاحقًا.
مسئولية الأسرة في الوقاية والعلاج
يرى الخبراء أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا جماعيًا من جميع أفراد الأسرة، لا سيما الأجداد الذين غالبًا ما يكونون مصدر الإغداق المادي والعاطفي الزائد. يجب أن يتفق الجميع على قواعد موحدة في التعامل مع الطفل، بحيث تُمنح له مساحة للحرية مقرونة بمسئولية واضحة.
وينصح الأخصائيون بتطبيق خطوات عملية منها:
- تحديد حدود واضحة للمطالب المادية.
- تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة المنزلية لتعزيز حسّ المسئولية.
- مكافأة الجهد أكثر من النتائج.
- إتاحة الفرصة له ليواجه الفشل أو الرفض دون تدخل سريع من الأهل.
كما تُعدّ مشاركة الطفل في تجارب جماعية مثل اللعب الجماعي أو الأنشطة التطوعية وسيلة فعالة لتنمية التعاطف وضبط السلوك، لأن الاحتكاك الاجتماعي يعلّمه أن العالم لا يدور حوله وحده.
وجهة نظر الخبراء
تؤكد الدكتورة ديفيا كانان، أخصائية علم النفس الإكلينيكي، أن الوقاية تبدأ من الطفولة المبكرة، حيث يحتاج الأهل إلى تربية متوازنة تجمع بين الحنان والحزم. فالأطفال الذين يتعلمون أن الرفض جزء طبيعي من الحياة يصبحون أكثر قدرة على الصمود أمام الضغوط النفسية لاحقًا. وتشير إلى أن العلاج لا يكون بانتزاع الحب، بل بتوجيهه بطريقة صحية تُكسب الطفل الاستقلالية والقدرة على ضبط النفس.
وفي السياق نفسه، يرى اختصاصيو علم النفس التربوي أن تصحيح المسار ممكن في أي مرحلة، شرط التزام الأسرة كلها بنمط واحد من التربية، وعدم التضارب بين دور الأهل والأجداد. فكل تناقض في المواقف يُربك الطفل ويزيد من تشوشه السلوكي.