احتفلت أكاديمية الشرطة صباح اليوم بتخريج دفعة جديدة من طلاب كلية الشرطة، في حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، واللواء محمود توفيق وزير الداخلية، وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة والشخصيات العامة، في مشهد مهيب يليق بقيمة المناسبة وأهمية موقعها في مسيرة الأمن الوطني.
ولم يكن هذا الحفل السنوي مجرد مناسبة تقليدية لتخريج دفعة جديدة من رجال الشرطة، بل حمل طابعًا خاصًا هذا العام، إذ تزامن مع مرور خمسين عامًا على صدور قرار إنشاء أكاديمية الشرطة، هذا الصرح الذي لعب دورًا محوريًا في صياغة الشخصية الأمنية المصرية، وتخريج أجيال من الضباط الذين حملوا على عاتقهم حماية أمن الوطن والمواطن.
خمسون عامًا من الانضباط والعلم والعمل الدؤوب داخل أكاديمية تعد بحق مصنعًا للرجال، تخرّج فيها المئات ممن أصبحوا رموزًا بارزة في العمل الأمني، وشكّلوا العمود الفقري لجهاز الشرطة المصرية، ونجحوا في مواجهة تحديات متغيرة عبر عقود شهدت الكثير من التحولات الأمنية والاجتماعية والسياسية.
وبينما وقف الخريجون الجدد أمام منصة الاحتفال يردّدون قسم الولاء والانتماء، كانت ملامح الاحتفال هذا العام تعكس بوضوح حجم التطور الكبير الذي شهدته الأكاديمية خلال السنوات الماضية، والذي جعلها واحدة من أبرز المؤسسات التدريبية والأمنية في المنطقة. فقد واكبت الأكاديمية المتغيرات العالمية، وطوّرت من مناهجها وأدواتها، ودمجت أحدث التقنيات في منظومة التدريب، لتواكب متطلبات الجمهورية الجديدة، التي تحتاج إلى رجل شرطة عصري، مسلّح بالعلم، ومزوّد بالخبرة، وقادر على استخدام التكنولوجيا بفعالية لخدمة العمل الأمني.
وكان لافتًا إدخال مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأنظمة الرقمية في التدريب العملي والنظري، حيث لم يعد دور الأكاديمية مقتصرًا على إعداد ضابط تقليدي، بل على تأهيل كوادر أمنية قادرة على العمل في بيئة شديدة التعقيد، تتطلب فطنة ميدانية ومعرفة تقنية عالية المستوى. وقد تم تحديث المناهج التعليمية لتشمل الجوانب القانونية، والحقوقية، والإنسانية، إلى جانب التدريب البدني والتكتيكي، ما أفرز جيلًا جديدًا من الضباط يحمل رؤية مختلفة للأمن، قائمة على احترام القانون وصون كرامة المواطن.
كما شهدت الأكاديمية توسعًا كبيرًا في مجالات أخرى غير تقليدية، من بينها الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات العليا في العلوم الأمنية، وإعداد عناصر مصرية للمشاركة في قوات حفظ السلام الدولية، إلى جانب العناية بالسلالات النادرة من الخيول العربية الأصيلة، وتوسيع نطاق تدريب الكلاب البوليسية لتكون على أعلى مستوى من الكفاءة في مجالات الكشف عن المتفجرات والمخدرات والمهام الخاصة.
هذا التنوّع في مجالات العمل داخل الأكاديمية يعكس رؤية شاملة لبناء رجل شرطة متكامل، يجمع بين الجاهزية البدنية، والمعرفة القانونية، والحس الإنساني، والتدريب النوعي المتطور، وهو ما يتماشى مع التحديات المتصاعدة التي تواجهها الدولة في الداخل والخارج. كما يعكس هذا النهج إيمان وزارة الداخلية بضرورة الاستثمار في العنصر البشري كأحد أهم عناصر النجاح الأمني.
وفي هذا الإطار، جاءت كلمات وزير الداخلية اللواء محمود توفيق خلال الاحتفال، لتؤكد على المعاني ذاتها، حيث دعا الخريجين الجدد إلى التمسك بالقيم النبيلة لمهنة الشرطة، والعمل بصدق وإخلاص، والتفاني في أداء الواجب، وأن يكونوا سندًا حقيقيًا للمواطن في كل موقع، مشددًا على أن الأمن مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف الجميع، وأن رجل الشرطة هو جزء أصيل من نسيج هذا المجتمع.
وخلال فعاليات الحفل، قدّم الخريجون عروضًا ميدانية متنوعة عكست مدى الجاهزية واللياقة والانضباط، وشهدت إشادة واسعة من الحضور، كما كرّم الرئيس السيسي عددًا من أسر الشهداء، في لفتة إنسانية تعبّر عن تقدير الدولة لتضحيات رجالها، وتؤكد أن الوطن لا ينسى من ضحّوا من أجله.
ويظل تخريج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة حدثًا وطنيًا بامتياز، يعكس استمرارية الدولة في تجديد دماء جهازها الأمني، وفق رؤية حديثة تعتمد على الجودة والتأهيل، وليس فقط الكمّ والعدد. فبفضل هذا الصرح الأكاديمي العريق، ما زالت مصر تحافظ على مؤسسة شرطية قوية، عصرية، ومواكبة لتطورات العصر، تحفظ أمن البلاد وتحمي مقدّرات الشعب.
إنه من حقنا أن نفخر بوجود هذا الصرح العلمي والأمني المتكامل على أرض مصر، ليس فقط لأنه مدرسة لصناعة رجال الشرطة، بل لأنه مركز إشعاع علمي وإنساني وأمني، يلبّي احتياجات الحاضر ويتطلع إلى آفاق المستقبل بثقة واقتدار.