فوز الدكتور خالد العنانى بموقع مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة وما يعرف اختصارا باليونسكو، هو فى جزء منه فوز لمصر وصورتها، ولا شك أن المنظمة ذات الطابع الثقافى هى أساسا انعكاس للكثير من التفاعلات العالمية فى مجال مهم من المجالات الدولية، اليونسكو وكالة متخصصة تتبع منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945 هدفها المساهمة بإحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم فى مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمى للعدالة ولسيادة القانون وحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية، وتتبع اليونسكو 195 دولة.
المقر الرئيسى لليونسكو فى باريس، ولها أكثر من 50 مكتبا وعدة معاهد تدريسية حول العالم، وتعمل فى 5 برامج أساسية هى التربية والتعليم، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة، والاتصالات والإعلام.. وتدعم اليونسكو العديد من المشاريع كمحو الأمية والتدريب التقنى وبرامج تأهيل وتدريب المعلمين، وبرامج العلوم العالمية، والمشاريع الثقافية والتاريخية، واتفاقيات التعاون العالمى للحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعى وحماية حقوق الإنسان، وبالتالى فهى مهام متنوعة، وتتصل اتصالا مباشرا بالملفات المهمة، وهو ما يجعل المنصب مهما، بالطبع فإن مدير اليونسكو يعمل للعالم، فى البرامج والمهام الموكلة، لكن الاختيار تم لأسباب منها بالطبع الثقة فى مصر وقدرتها على مدى شهور فى تنظيم حملة، ربما كانت أفضل من مرتين سابقتين لم يحالف المرشح المصرى التوفيق، لأسباب تتعلق بمسارات السياسة وربما أيضا بالقدرة على توفير حشد دولى فى منافسة دبلوماسية بالأساس، وبالرغم من أن اليونسكو مجال ثقافى وتراثى، لكن الاختيارات لا تبتعد كثيرا عن السياسة، التى توجد دائما فى خلفيات مثل هذه المواقع.
ثم إن خالد العنانى سيكون ممثلا للعالم كله وللمنظمة الدولية، وبالتالى لا فائدة مباشرة لمصر، وإن كان من الممكن فى حال توفر رؤية لديه أن يكون صورة لمصر كأول مصرى وعربى يشغل منصب مدير اليونسكو، مثلما كان الدكتور بطرس بطرس غالى أول مصرى وعربى يحتل موقع الأمين العام للأمم المتحدة، وقد أبلى فيه بلاء حسنا، رغم أنه خرج وتم رفض التجديد له بسبب رفض الولايات المتحدة وإسرائيل التجديد بسبب تقرير أممى أدان مذبحة قانا فى لبنان، وكان خروج بطرس غالى كاشفا عن ازدواجية وانحياز المنظمات الدولية، وهيمنة الولايات المتحدة وإسرائيل عليها.
الشاهد أن فوز خالد العنانى، جاء بسبب توفر شروط موضوعية، منها إدارة هادئة ومحترفة من مصر دعما لمرشح يستحق، فضلا عن أن خالد العنانى نفسه كان وزيرا قادرا على تقديم نفسه وإقامة علاقات جيدة وبرنامج حظى بالقبول، وهو فى النهاية يمثل العالم، لكن تجربته سوف تكون شاهدة على صورة مصر، التى لم تغب بالطبع عن دعمه، وفرنسا التى ترتبط مع مصر حاليا بعلاقات قوية، والرئيس ماكرون أحد الأطراف الفاعلة فى القضية الفلسطينية والاعتراف بالدولة، بعد زيارته لمصر ولقاءاته واتصالاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى نجح فى أن يقدم الصورة الحقيقية للصراع، ومعه أوروبا ودول كثيرة اعترفت بالدولة الفلسطينية.
خالد العنانى فاز كمدير عام لليونسكو، لكن الفوز فى جزء منه انعكاس لثقة دولية وإقليمية فى الدولة المصرية، وسياساتها التى تتعامل فى شراكة وتعاون وسلام قائم على العدل، بجانب أن مصر من الدول التى تحوز جزءا ضخما من التراث العالمى فى الآثار، وتتعامل مع اليونسكو على مدى عقود وفى مشروعات ضخمة لحماية التراث، ومنها إنقاذ معابد أبو سمبل وغيرها من الغرق أثناء بناء السد العالى، وبالتالى فإن مصر من الدول التى تضم أكبر نسبة من التراث الأثرى العالمى، وبالتالى تستفيد بشكل غير مباشر مع باقى دول العالم، لكن تولى مصرى لمنصب دولى مهم كمدير اليونسكو، يعكس نجاحا كبيرا للدولة، والسياسة والدبلوماسية المصرية.
