نتوافق حول مسلمة رئيسة، تؤكد على أن إسهامات القيم في بناء الإنسان تضفي معنى الحياة لديه، وبدونها لا يتذوق ماهيتها، ولا يدرك فلسفتها، ولا يستطيع أن يرسم مستقبله المشرق بعيدًا عن قناعته بها؛ ومن ثم تعد حاكمًا لسلوكه؛ إذ توجهه إلى الطرائق السوية، وتمنعه من أن يقع في براثن الغي، كما تحميه من أن يصبح منقادًا لجموح يؤدي به إلى الانهيار، ويقوض مساعي الخير في نفسه، وهذا ما يوضح مدى أهميتها في تشكيل البنيان، والفكر، والهوية الوطنية، المنبعثة من عقيدة وسطية.
نؤكد على أن القيمة ضابطة لإيقاع المجتمعات، وموجهة لسلوكيات الإنسان، وأحد محددات ملامح الشخصية؛ لذا تتميز دون غيرها بعمق الثبات، وتتصف بالاستمرارية، التي تبرزها الممارسة، وتترتب وفق منظومة قد تتباين من مجتمع لآخر، في ضوء ما يدين به من معتقد، وما ورثه من ثقافة، وما دشنه من حضارة وتاريخ، وما تفرد به من جغرافيا؛ لذا باتت المؤسسات التربوية حريصة على غرس القيم، وتعزيز اتصافاتها بصورة مقصودة، عبر مناهج تعليمية، تقوم فلسفتها على أنشطة متنوعة، ينسدل منها مهام وظيفية، يؤديها الفرد في ضوء سيناريو واضح المعالم، يضعه المعلم صاحب الرسالة السامية.
الأنشطة في بنائها تشمل جوانب معرفية، ترتبط بأداءات وممارسات يقوم بها المتعلم، تترك أثرًا في وجدانه؛ حيث تغرس فحوى قيمة ما، قد تكون علمية، أو إيمانية، أو اجتماعية، أو أخلاقية، أو جمالية، أو اقتصادية، أو بيئية، أو صحية، أو وطنية، وهنا نوقن دور المعلم الرئيس في دمج ماهية القيم عبر سياج ممارسة النشاط التعليمي، وفي خضم أداء مهامه الوظيفية؛ ليصبح البناء في صورته المتكاملة، بل، يستطيع الفرد أن يتكيف مع كافة المتغيرات المحيطة به، ويحرص دومًا على تحسين وتطوير نتائجه؛ لذا تعد الأنشطة بأنماطها المختلفة أدوات تحقيق الغايات التربوية التي نتطلع إليها.
القيم التي يخرج بها فلذات الأكباد من الأنشطة التعليمية لها ثمار يانعة؛ حيث يدرك الفرد أهمية الربط بين النظرية والتطبيق، ويعي فلسفة العمل الجاد، وأهمية بلوغ مستويات الإتقان، ودور ذلك في الوصول إلى بوابات الابتكار المانحة فرص الريادة، وتخلق مسارًا للتنافسية التي يجد الإنسان فيها ذاته، ويثق بأن مجهوده ودأبه له نتاج طيب، يستطيع من خلاله أن يطور من نفسه ومحيطه للأفضل، ناهيك عن تلبية احتياجاتٍ واستثمارٍ للطاقات، وتنمية للقدرات والمهارات، وخروج من دائرة الجفاء العلمي إلى واحة الإبداع، وبناءً على ذلك تصبح المعيارية أحد الاتصافات، التي يتحلى بها الأبناء داخل وخارج المؤسسات التعليمية، بمختلف سلمها وتنوع صيغها.
يتوجب ألا نبعد عن المنهجية التي بواسطتها نحيك القيم بسياج الأنشطة التعليمية، في ضوء حرفية تقوم على فلسفة الأداء المهني والأكاديمي على حد سواء؛ ليترجم النشاط ببراعة ممارسات المتعلم بالصورة التي ننشدها؛ حيث يستنتج ماهية القيمة المتضمنة في خضم طبيعة المهمة التي يؤديها، وهنا لا نلاحظ حيوية في سلوك الأبناء فقط؛ لكن الأمر يطال المعلم الذي يبتكر في صياغة مهام الأنشطة المساهمة في تنمية المهارات التفكيرية منها والعملية والاجتماعية، بما يجعل العملية التعليمية تفاعلية في مجملها، ويساهم في خلق بيئة مواتية تحث على بذل أقصى ما في الجهد على المستويين الفردي والجماعي؛ من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.
دعونا ننسج الاتصافات القيمية بحرفية داخل سجايا أنشطتنا التعليمية، ونظهر عن قصد فلسفة القدوة التي تعزز المصداقية، وتعضد ماهية العمل الجماعي بين المتعلمين؛ حيث تحري الدقة، والأمانة، وتفهم فكرة القياسات المتكررة الداعمة لصناعة قرار صحيح؛ بالإضافة إلى ما يعقد من صور الحوار البناء، الذي يعتمد نجاحه على أسس وآداب يلتزم بها الجميع؛ كي نورث الانضباط، ونحيي الثقة، والاحترام بين مجتمع الأبناء بمؤسساتنا التعليمية وخارج أسوارها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
___
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر