خالد صلاح

كيف تضمن مصر استمرارية التصنيع المحلي بشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص؟

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 10:00 ص


يلاحظ كل من يتابع تحولات الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة أن الدولة تسير في اتجاه جديد أكثر عمقاً من أي وقت مضى، فبعد سنوات كان فيها النمو الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على صادرات النفط وعائدات قناة السويس، بدأت مصر تعيد تشكيل نموذجها الاقتصادي حول قاعدة الإنتاج الحقيقي، وبالأخص التصنيع المحلي، باعتباره الطريق الأكثر استدامة للنمو ولتوليد العملة الصعبة.

هذا التحول لم يأتِ صدفة، بل نتيجة خطة واضحة صاغتها الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص، تقوم على حوافز جاذبة واستهداف قطاعات صناعية محددة يراد تعميقها مع إزالة العقبات التي عطلت هذا المسار لعقود، وقد بدا ذلك جلياً حين صدر تقرير هيئة الرقابة على الصادرات والواردات الذي أظهر ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 21 في المئة لتصل إلى 36.6 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، تلك الأرقام لم تكن مجرد تحسن إحصائي بل انعكاس لتحول في فلسفة التنمية نفسها.

من جانبها وضعت الهيئة العامة للتنمية الصناعية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الاستثمار والتجارة الخارجية تصورات أكثر تحديداً لربط التصنيع المحلي بتحفيزات الاستثمار، وقد أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير النقل والصناعة أن مصر تستهدف توطين 23 صناعة رئيسية بهدف تقليص الاعتماد على الواردات وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.

ولعل أحد أهم أدوات الدولة في هذا الاتجاه هو قانون الاستثمار رقم 160 لسنة 2023 الذي قدم ولأول مرة حوافز نقدية مباشرة تصل إلى رد من 35 إلى 55 في المئة من الضريبة على الدخل للمشروعات الصناعية التي تستوفي الشروط المطلوبة، ورغم أهمية هذه الخطوة فإن نجاحها مرهون بسرعة تطبيقها وفاعلية آليات التنفيذ، وهو ما نبه إليه اتحاد الصناعات المصرية في اجتماعاته الأخيرة، مشيراً إلى ضرورة معالجة بطء الإجراءات وتبسيط أنظمة الفواتير الإلكترونية وضريبة القيمة المضافة حتى يتمكن المصنعون من العمل بمرونة أكبر.

وبينما كانت صادرات مصر في الماضي رهينة لعائدات القناة والنفط، بات واضحاً اليوم أن القطاعات غير البترولية أصبحت محركاً حقيقياً للنمو، فبحسب أحدث التقارير حقق قطاع مواد البناء صادرات بلغت نحو 11.6 مليار دولار بزيادة 51 في المئة، تلاه قطاع الكيماويات والأسمدة الذي سجل نحو 6.8 مليار دولار، وهذه الأرقام لا تعكس فقط انتعاشاً إنتاجياً بل تحولاً في بنية الاقتصاد نحو منتجات ذات قيمة مضافة قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية.

ولعل التجربة الأوضح في هذا التحول هي ما نراه في بعض الشركات العاملة بقطاع الصلب والملفات المدرفلة التي سارعت إلى إنشاء خطوط إنتاج محلية وتقليص واردات المدخلات، كما يظهر هذا الاتجاه بوضوح في عدد من المجمعات الصناعية الكبرى داخل المدن الجديدة التي أصبحت قادرة على جذب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا، كذلك يشهد قطاع الإلكترونيات والمستلزمات الطبية نمواً مطرداً في الصادرات وفي نسب التوطين، وهو مؤشر على أن القطاع الخاص بدأ فعلاً يستجيب للتحفيزات الحكومية، وإن كانت الاستجابة لم تصل بعد إلى جميع القطاعات.

وحسب ما اطلعت عليه من تقارير بخصوص الخويطة الصناعية المصرية الجديدة فإننا أمام  ستة محاور أساسية تشكل أعمدة التحول الحالي ، أولاً صناعات مواد البناء والمعادن، ثانياً الكيماويات والبتروكيماويات، ثالثاً الصناعات الهندسية والإلكترونيات، رابعاً السيارات والمركبات الكهربائية، خامساً الأدوية والمستلزمات الطبية، وسادساً الصناعات الغذائية والزراعية، وهذه القطاعات تحقق توطين واسع ونمو تصديري مستدام، ومع تحسن الصادرات تراجع العجز التجاري بنحو 18 في المئة ، وهو دليل على أن هذه السياسة بدأت تؤتي ثمارها فعلاً.

لكن النجاح في التحول الصناعي لا يقف عند السياسات المعلنة، فالتحدي الحقيقي يكمن في الاستمرارية والتنفيذ، من الضروري أن تواصل الحكومة ضبط منظومة الحوافز وتبسيط إجراءات الترخيص، فالكثير من المصنعين لا يزالون يشكون من بطء الإجراءات وتعقيد بعض الاشتراطات، كما أن دعم الموردين المحليين وتمكينهم من الدخول في سلاسل التوريد الكبرى أصبح شرطاً لقيام صناعة وطنية متكاملة.

في المقابل فإن القطاع الخاص مطالب بأن يتعامل مع المرحلة بعقلية تصنيعية منتجة لا بعقلية الاستيراد والتجميع، يجب أن يوسع استثماراته في البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا، وأن يقيم تحالفات إنتاجية تقلل التكلفة وتزيد التكامل بين المصانع، وأن يتجه بقوة إلى الأسواق الإفريقية والعربية بشراكات طويلة الأمد، فالنجاح في هذا المسار لن يتحقق إلا…

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب