طريق السلام فى غزة، وأيضا فى فلسطين سيكون طويلا، وهناك أطراف لا تريد لوقف الحرب أن يستقر، ربما على رأس هؤلاء وزراء فى حكومة بنيامين نتنياهو، بل ورئيس وزراء الاحتلال نفسه، الذى ربما يرى فى وقف الحرب - بعد عامين - من الممكن أن يفتح مجالات لمساءلته، أو إحياء القضايا والاتهامات، لهذا يتجه نتنياهو والكنيست إلى التصويت لضم الضفة الغربية، حيث صادق الكنيست الإسرائيلى فى قراءة تمهيدية على مشروعىّ قانون لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومستوطنة «معاليه أدوميم» شرق مدينة القدس، وهو تصرف أثار غضب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى أكد أن إسرائيل لن تضم الضفة الغربية، وقال ترامب إن إسرائيل ستفقد جميع أشكال الدعم الأمريكى إذا أقدمت على ضم الضفة الغربية، مشيرا فى مقابلة مع مجلة «تايم» أنه لن يسمح بأى تحرك نحو الضم، وقال مكررا: «لن يحدث ذلك، لن يحدث،لن يحدث لأننى أعطيت كلمتى للدول العربية، ولا يمكن القيام بذلك الآن، لقد حظينا بدعم عربى كبير، ولن يحدث لأننى قطعت وعدا لتلك الدول، وإذا أقدمت إسرائيل على ذلك، فستفقد كل دعمها من الولايات المتحدة».
كما حذر وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، فى وقت سابق من أن التصويت لضم الضفة الغربية قد يعرض اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة للخطر، ويقوض الجهود الأمريكية لتنفيذ خطة ترامب للسلام، واعتبرها جى دى فانس، نائب الرئيس الأمريكى، نوعا من الخداع، بعد أن رددوا أنها «شكلية فقط»
وعندما جددت إسرائيل قصف غزة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيا، رغم تعهد تل أبيب لواشنطن بأن يكون الرد «حذرا ومحدودا» على هجوم زعمت إسرائيل أن حركة حماس شنته ضد جنديين إسرائيليين، خرج الرئيس الأمريكى بنفسه ليقول إن حماس لم تفعلها، وهم أبلغونى ذلك، وكان هذا نتاج قنوات مستمرة تحرص مصر على بقائها مفتوحة، بين الفصائل والولايات المتحدة.
الخارجية الأمريكية أعلنت على لسان ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكى، أن «حركة حماس ملزمة بنزع سلاحها بموجب اتفاق السلام فى قطاع غزة»، مؤكدا أن واشنطن ملتزمة بأمن إسرائيل ومن مصلحتها وجود شركاء لضمان نزع السلاح فى قطاع غزة، وأضاف «نعمل دون كلل وسنضمن عودة كل جثث الأسرى الإسرائيليين وعدم حصوله يعنى انتهاك حماس للاتفاق.
من هنا تأتى التفاصيل والاتصالات والقنوات المفتوحة، بين مصر والفصائل الفلسطينية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار، فى مرحلة دقيقة بمسار تثبيت وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتبذل مصر جهودا مكثفة لإزالة أى سوء فهم بين الأطراف الفلسطينية، و تتواصل مع جميع الأطراف المعنية لضمان التزام كامل بوقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لبدء مرحلة إعادة الإعمار والتعافى، حيث تستعد مصر لعقد مؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة ضمن الخطة المصرية العربية الإسلامية التى تم إعلانها خلال قمة القاهرة الطارئة، وتحظى بدعم دولى واسع، ومن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والشركاء الأوروبيىن.
وكانت الجولة التى قام بها اللواء حسن رشاد إلى الأراضى الفلسطينية، تضمنت تواصلا مع أغلب الفصائل للحرص على تثبيت وقف إطلاق النار، وأيضا السعى لتوحيد الفصائل، بما يضمن التوجه معا فى أى خطوات باتجاه الدولة أو السلام، وإنهاء انقسام لم ينتج عنه سوى الخسائر والتفتُّت، وخسائر للمواطنين الفلسطينيين، بجانب ضرورة الوحدة لمواجهة أى مخططات لضم الضفة أو الضغط لتهجير الفلسطينيين، وهو ما تصدت له مصر بحسم.
الشاهد أن هذه المساعى التى تقوم بها مصر، تواجه محاولات وأطماعا من جانب الاحتلال، خاصة الوزراء المتطرفين الذين بدأ بعضهم يعلن معارضة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بيتسئيل سموتريتش وزير المالية، أنه لا يرغب فى دفع مسألة السيادة الإسرائيلية فى الضفة خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكى، وطالبه بعدم إغضاب الولايات المتحدة، ومع هذا فإن تصويت الكنيست لضم الضفة يمثل إحراجا للرئيس الأمريكى، الذى يعيش حالة نشوة بأنه أوقف الحرب، بل إنه قال فى حديث لصحيفة التايم البريطانية، إن الرئيس الفلسطينى محمود عباس هنأه بوقف الحرب، وأنه فعل ما لم يفعله رؤساء سابقون، وهو إطراء تفاخر به الرئيس الأمريكى وقال إنه يرى محمود عباس رجلا حكيما، وهو محترم لدى الفلسطينيين، وينظر إليه كحكيم، كشخصية رمزية.
وحول من يعتقد أنه مؤهل ليقود الفلسطينيين حاليا، قال ترامب «ليس لديهم زعيم الآن، على الأقل ليس زعيما ظاهرا»، وحول القيادى من «فتح» المسجون مروان البرغوثى المعتقل فى السجون الإسرائيلية، قال ترامب: «سأقوم باتخاذ قرار بشأنه»، وهو تصريح أثار غضب وزراء فى إسرائيل، اعتبروا حديث ترامب تدخلا غير مرغوب، وكان «البرغوثى» ضمن قوائم التبادل، قبل أن يتم شطب اسمه، وتناولت التحليلات ما إذا كانت أطراف فى إسرائيل أو فلسطينية ربما لا ترغب فى خروج «البرغوثى»، الذى يمثل عنصر توازن كبير ويصفه البعض بـ«مانديلا فلسطين».
كل هذه العناصر تضاعف من تشابكات المشهد، بشكل يجعل مسارات السلام، معقدة، ودقيقة، وتتطلب الكثير من الجهد والسياسة والوحدة.

مقال اكرم القصاص