في مشهد يفيض إنسانية، تنطلق سيارات محمّلة بأطنان من المواد الغذائية في رحلة تمتد عبر المحافظات، لا تعرف تعبًا ولا توقفًا، تجوب المدن والقرى والنجوع، حتى تصل إلى أكثر المناطق النائية، لتقول للمواطن البسيط: "لسنا بعيدين عنك".
إنها قوافل مبادرة "كلنا واحد" التي أطلقتها وزارة الداخلية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، مبادرة لا تحمل فقط سلعًا مخفضة، بل تحمل بين طياتها رسالة أمل بأن الدولة لا تترك أبناءها، مهما كانت التحديات.
رصدت "اليوم السابع" حركة هذه القوافل وهي تتدفق في الميادين والطرق العامة، تفتح نوافذها للمواطنين بابتسامة ورحابة، وتعرض سلعًا غذائية بأسعار تقل كثيرًا عن مثيلاتها في الأسواق، لتخفف عن كاهل الأسر.
المشهد لم يكن تجاريًا بقدر ما كان إنسانيًا، حيث تتعانق في هذه المبادرة فكرة الأمن بفكرة الأمان، في صورة تُجسّد علاقة الدولة بشعبها، علاقة تقوم على المشاركة لا المنحة، وعلى التكافل لا التفضّل.
وتقدّم المبادرة تخفيضات تصل إلى 40% على مختلف السلع الغذائية وغير الغذائية، من الزيت والسكر والأرز، إلى منتجات الألبان والمنظفات واللحوم والدواجن، وهي لا تستهدف شريحة بعينها، بل تمتد لتشمل كل من يبحث عن السلعة الجيدة بسعر عادل، وكل من يضيق عليه الحال في ظل الظروف الاقتصادية العالمية التي تطال الجميع.
وفي جولة داخل أحد شوادر المبادرة، كانت المشاهد أبلغ من الكلمات، وجوه مبتسمة، أكياس ممتلئة، وقلوب مطمئنة بأن الغد يمكن أن يكون أفضل حين تمتد يد الدولة بالعون. تقول شيماء عبد العال، ربة منزل: "كل شيء متوفر، من الأرز والسكر إلى الخضراوات والألبان، الأسعار هنا أقل بكثير من الأسواق، والجودة ممتاز، نشكر الرئيس السيسي على اهتمامه بالمواطن البسيط، ونشكر رجال الشرطة الذين يعملون في صمت لخدمتنا".
أما محمد عبد الحميد، أحد المتسوقين، فقد وصف التنظيم داخل الشوادر بأنه "احترافي"، مشيدًا بحرص القائمين على المبادرة على تقديم خدمات تليق بالمواطن، وقال: "الكميات المعروضة كافية، والأسعار في متناول الجميع، والمبادرة تمثل نموذجًا ناجحًا للتعاون بين الدولة والقطاع الخاص، وبين الأمن والمجتمع".
بينما عبّرت فاطمة سيد، وهي من رواد الشوادر الدائمة، عن امتنانها لفكرة القوافل المتحركة، قائلة: "الأوقات مرنة جدًا، نقدر نشتري في الصباح أو المساء، من غير زحام أو معاناة، كل السلع اللي محتاجينها في مكان واحد"، وأضافت بابتسامة تعبّر عن ارتياحها: "المبادرة دي خففت عن بيوتنا عبئًا كبيرًا".
أما مصطفى حسين، أحد كبار السن، فكان صوته يحمل امتنانًا خاصًا: "أنا أعيش بعيدًا عن الأسواق، لكن المنافذ المتحركة توصلنا حتى باب البيت، المبادرة خففت عنا المشقة، ووفّرت علينا عناء التنقل، ربنا يبارك في كل من فكر وساهم فيها".
وزارة الداخلية من جانبها أوضحت أن تنفيذ المبادرة يجري بتنسيق محكم بين قطاعات الوزارة ومديريات الأمن في المحافظات كافة، عبر شبكة ضخمة من المنافذ الثابتة والمتحركة، وتشمل المرحلة الحالية 55 سلسلة تجارية كبرى، و117 مكتبة، و18 شادرًا رئيسيًا وفرعيًا، و5 قوافل متحركة، بإجمالي 2727 منفذًا تغطي أنحاء الجمهورية كافة، بالإضافة إلى أكثر من 1150 منفذًا ثابتًا ومتحركًا تابعًا لمنظومة "أمان"، التي أصبحت عنوانًا للوصول إلى المواطن في قلب قريته ونجعه.
وتُعلن الوزارة دوريًا عن مواقع تلك القوافل والمنافذ عبر موقعها الرسمي، في إطار الشفافية وتيسير الوصول إلى المستحقين، بما يضمن وصول الخدمة إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين بأعلى درجات الكفاءة والتنظيم.
لم تعد مبادرة "كلنا واحد" مجرد حملة موسمية، بل تحولت إلى منظومة دعم مستدامة تمثل جزءًا أصيلًا من الدور المجتمعي لوزارة الداخلية، التي لم تعد تقف عند حدود حفظ الأمن فقط، بل امتد دورها إلى حفظ استقرار الحياة المعيشية، والمساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية على أرض الواقع، فالمواطن الذي يجد سلعة بأسعار عادلة يشعر بالانتماء، والانتماء في ذاته هو أقوى مظاهر الأمن.
هذه المبادرة التي انطلقت منذ سنوات، استطاعت أن تثبت قدرتها على التطور ومواكبة احتياجات المواطنين، وأن تتحول إلى جسر دائم بين الدولة وشعبها، عنوانه البساطة في الأداء، والصدق في الهدف، والرحمة في التنفيذ.
ومع دخول فصل الخريف، ومع زيادة الطلب على السلع التموينية، جاء قرار مدّ المبادرة لمدة شهر إضافي بمثابة نسمة رطبة في جوّ اقتصادي عالمي حار، فقد رحّب المواطنون بهذا القرار، وطالبوا باستمرارها، بل بتوسيعها لتشمل سلعًا وخدمات أخرى.
إنها قصة نجاح تُكتب على طرق مصر يومًا بعد يوم، بأيدٍ تعمل في صمت، وبجهد لا يعرف الملل، وبإيمان بأن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالفعل اليومي الصادق الذي يلمسه المواطن في تفاصيل حياته.
ومبادرة "كلنا واحد" ليست مجرد عنوان لحملة، بل حالة وعي جماعي، ورسالة إنسانية تقول: "في هذا الوطن، لا أحد يقف وحيدًا أمام ضغوط الحياة".