يظل شغف الملايين من المواطنين بأداء الحج والعمرة، يحمل في طياته أمنيات الروح وتجديد الإيمان، لكن للأسف لا يخلو هذا الموسم من استغلال تجار الوهم الذين يبتزون مشاعر المواطنين، ويغتنمون فرصتهم لجمع الأموال بطرق غير شرعية، عبر ترويج رحلات دينية وسياحية وهمية.
في ظل وجود حالات فردية للنصب والاحتيال على المواطنين، كثفتت وزارة الداخلية جهودها في ملاحقة هذه العصابات، حيث كشفت تحقيقات دقيقة بالتعاون بين قطاعات الأمن العام وشرطة السياحة والآثار عن وجود عشرين شركة سياحية غير مرخصة، تنشط في مجال تنظيم رحلات الحج والعمرة داخل وخارج البلاد، لكنها في الواقع لا تملك أي صلاحية قانونية لممارسة نشاطها.
تكشف التحريات أن القائمين على تلك الشركات استغلوا الرغبة الملحة للمواطنين في السفر إلى الأراضي المقدسة، فابتدعوا عروضًا مغرية من خلال إعلانات مبوبة ووسائل التواصل الاجتماعي، معلنين قدرتهم على توفير رحلات دينية متكاملة، ما جعل عشرات الضحايا يقعون فريسة لهذه العروض الوهمية، والتي سرعان ما تحولت إلى كوابيس بعد انكشاف حقيقة هذه الشركات.
كان أبرز الأساليب التي لجأ إليها المحتالون هو التظاهر بأنهم يعملون تحت مظلة كيانات سياحية مرخصة، وهو ما يعزز من ثقة الضحايا ويغريهم بتمويل رحلات الحج والعمرة عبرهم، لكن في الواقع لا يملكون سوى أوراق مزورة وأختام وأكلاشيهات تبرهن على زيف ادعاءاتهم.
وبعد تقنين الإجراءات القانونية، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المسؤولين عن تلك الشركات الوهمية، حيث عُثر معهم على أدوات تُستخدم في عمليات الاحتيال، من بينها جوازات سفر مزورة، وتذاكر طيران مزيفة، ودفاتر استلام نقدية، بالإضافة إلى كروت دعائية وإعلانات تروّج لرحلات لا وجود لها على أرض الواقع.
تمت إحالة المتهمين إلى جهات التحقيق لاستكمال التحقيقات، وتوجيه لهم تهم النصب والاحتيال، والمشاركة في إدارة كيانات سياحية غير مرخصة، بالإضافة إلى تهم تزوير مستندات رسمية.
وأكدت وزارة الداخلية حرصها الشديد على مكافحة هذه الجرائم التي تمس أمن وسلامة المواطنين، كما تحمي سمعة القطاع السياحي الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني.
في تصريحات خاصة لجريدة "اليوم السابع"، أوضح اللواء الدكتور أحمد كساب، الخبير الأمني، أن الوزارة تتعامل بحزم مع كل أشكال جرائم النصب، وخاصة في مجال السياحة الدينية التي تشهد إقبالًا كبيرًا في مواسم الحج والعمرة.
وأكد أن المحتالين يستغلون رغبة المواطنين الصادقة في أداء الفريضة، ليوقعوا بهم ضحايا في شباك العروض الوهمية، مطالبًا بضرورة الحذر الشديد والتأكد من الشركات التي يتعامل معها المسافرون، لا سيما عبر الإنترنت.
وأشار الدكتور كساب إلى أهمية اللجوء إلى الشركات السياحية المعتمدة فقط، التي تمتلك التراخيص اللازمة من وزارة السياحة، والتي تخضع لرقابة صارمة من الجهات المختصة، مؤكدًا أن التعامل مع كيانات غير مرخصة قد يؤدي إلى خسائر مالية فادحة ووقوع مشاكل قانونية للمسافرين.
من جانبه، شدد الخبير السياحي محمد الطارق على ضرورة التأكد من أن الشركة السياحية حاصلة على التراخيص القانونية الرسمية قبل التعاقد معها، خاصة في موسم الحج والعمرة. وحذر من الاندفاع وراء العروض المغرية التي تظهر على منصات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية، التي قد تكون غير موثوقة، ومطالبة المواطنين بالتحقق من سجل الشركات عبر بوابة وزارة السياحة الرسمية التي توفر بيانات دقيقة ومحدثة عن الشركات المرخصة.
يأتي هذا في ظل وجود قوانين صارمة تحكم نشاط شركات السياحة وحماية حقوق المواطنين من الوقوع في شباك النصب، فعلى سبيل المثال، ينص قانون تنظيم السياحة رقم 38 لسنة 1977، على عقوبات حبس وغرامات مالية قاسية ضد كل من يمارس النشاط السياحي بدون ترخيص، أو يقوم بالترويج لرحلات وهمية، أو يزور مستندات رسمية. وتصل العقوبات إلى السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، مع تغريم المتهمين مبالغ مالية كبيرة قد تصل إلى نصف مليون جنيه، فضلاً عن مصادرة جميع الأدوات المستخدمة في الجريمة.
كما ينص قانون العقوبات المصري على عقوبات حبس وغرامات لكل من ارتكب جرائم النصب والاحتيال، حيث تتراوح مدة الحبس بين عام وخمس سنوات حسب حجم النصب وقيمة الأموال التي استولى عليها المحتالون. ويجدر بالذكر أن التشدد في تطبيق هذه العقوبات هدفه ردع كل من تسول له نفسه التلاعب بمشاعر المواطنين واستغلالهم، خصوصًا في مناسبات دينية مهمة.
يعد موسم الحج والعمرة من أكثر المواسم التي تشهد نشاطًا سياحيًا مكثفًا، وهو ما يجعلها هدفًا سهلاً للمحتالين الذين يختبئون خلف واجهات مزيفة، لذلك توصي وزارة الداخلية ووزارة السياحة بضرورة توخي الحذر، وعدم التعامل مع أي شركة إلا بعد التأكد من حصولها على التراخيص الرسمية، والابتعاد عن العروض المشبوهة التي تغرّب المسافرين عن التأكد.
يبقى الأمر مسؤولية مشتركة بين المواطن والجهات المختصة لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال الوعي والتثقيف، والرقابة القانونية المشددة، لضمان أداء فريضة الحج والعمرة بأمان وراحة، بعيدًا عن أي مخاطر أو ممارسات غير قانونية.