تفصيلة فى صورة.. حكايات وأسرار تشييد العمارات الخديوية فى شارع عماد الدين

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 07:00 ص
تفصيلة فى صورة.. حكايات وأسرار تشييد العمارات الخديوية فى شارع عماد الدين العمارات الخديوية بشارع عماد الدين

كتبت بسنت جميل

أطلق الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، مبادرة بعنوان "إنتو أصل الحكاية"، وهى مبادرة تهدف إلى تقديم "تفصيلة فى صورة" تعرض أسبوعيًا، حيث يتم نشر صور لمبانٍ تراثية من قلب مصر، مع سرد قصتها واسترجاع لحظة من لحظات الزمن الجميل، ليصبح الحنين وعيًا، ويتحول الوعى إلى التزام، وفى إطار المبادرة، شارك الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك عمارات الخديوية بشارع عماد الدين.

في قلب القاهرة الخديوية، وعلى امتداد شارع عماد الدين الذي كان يومًا مسرحًا للفن والسينما والموسيقى، تنتصب العمارات الخديوية شامخة كأنها شاهد من حجر على عصر من الحلم والحداثة، هذه العمارات التى أقيمت فى العقد الأول من القرن العشرين لم تكن مجرد مبانٍ للسكن أو التجارة، بل كانت مشروعًا عمرانيًا متكاملًا يعكس تطلع الخديوي عباس حلمي الثاني إلى جعل القاهرة مدينة تضاهي باريس وبروكسل في أناقتها وتخطيطها العمراني.

العمارات الخديوية بشارع عماد الدين
العمارات الخديوية بشارع عماد الدين

لمحة تاريخية

شيدت العمارات عام 1911م بواسطة الشركة البلجيكية المصرية بالأزبكية، وهى من الشركات التى أسسها الخديوى نفسه لتطوير القاهرة الحديثة، تولى تصميمها المعماري الإيطالي أنطونيو لاشياك المعماري الأوروبي مواليد 1856، الذي درس وتخرج من فيينا، وعمل كثيرًا فى مصر وشغل عددًا من المناصب في عهد الخديوية، وعرف بتنوع أساليبه "النهضة، الباروكي، الآرت نوفو، والإسلامي المحدث أحيانًا"، له أعمال بارزة أخرى في وسط القاهرة والإسكندرية، بمشاركة الفرنسيين جوستاف بروشر وجورج بارك، وهم من أبرز المعماريين الذين تركوا بصمتهم في مباني القاهرة الخديوية.

جاءت هذه العمارات لتجسد فكرة المدينة الحديثة متعددة الوظائف: طوابق سفلية نابضة بالحياة تضم المقاهي ودور العرض والفنادق الصغيرة، تعلوها طوابق سكنية فاخرة، تتوسطها أفنية فسيحة ونوافير تضفي على المكان بهجة وإشراقًا.

التخطيط والمساقط

شيدت العمارات على قطع أرض كبيرة تتراوح مساحاتها بين 2400 و2600 متر مربع، بتخطيط مستطيل ذي أربع واجهات رئيسية مفتوحة على الشوارع المحيطة.

يحتوي كل مبنى على ستة طوابق رئيسية ودور علوي مضاف، ويتسم التنظيم الداخلي بوضوح المحاور والتماثل، مع وجود أفنية داخلية مفتوحة (كورتات) تسمح بدخول الضوء والهواء، وتضم بعضها نوافير رخامية كانت تعمل كعناصر تلطيف جوي وجمالي في الوقت نفسه حيث تتماشى مع السياق الشرقي والمناخ المحلي.

في الطابق الأرضي تنتظم المحال والمقاهي ودور العرض السينمائي والمسرحي التي كانت تعج بالزوار من رواد شارع عماد الدين، فيما خصصت الطوابق العليا للسكن والفنادق الصغيرة والقنصليات، وهو ما جعلها نموذجًا مبكرًا لفكرة الاستخدامات المتعددة Mixed-use Building في العمارة الحديثة.

الواجهات والعناصر المميزة

تتألق واجهات العمارات بتفاصيل النيو باروك الفرنسي ومدرسة الفنون الجميلة (Beaux-Arts) التي تميزت بالثراء الزخرفي والدقة التكوينية:

بوابات مقنطرة كبيرة تضفي خصوصية على الفراغ الداخلي، الأعمدة والتيجان المزخرفة ذات الأشكال الكورنثية، البلكونات الممتدة بشرفات حديدية زخرفية على طراز الحديد المشغول، الأقواس والنوافذ المعقودة التي تضفي حركة وانسيابية على الكتلة، الأبراج الصغيرة والقباب ذات الفوانيس التي تتوج المباني وتمنحها طابعًا ملوكيًا، زخارف الأكانتس وأوراق الغار والدروع والخراطيش التي تؤطر الشبابيك والمدخل الرئيسي.

هذه المعالجات الجمالية لم تكن ترفًا بصريًا فحسب، بل جزءًا من فلسفة لاشياك فى التصميم، إذ سعى إلى دمج الفخامة الأوروبية مع روح المكان المصري ليُنتج عمارة فريدة تستلهم الماضي وتخاطب المستقبل.

الوظائف والتحولات

على مدى أكثر من قرن، ظلت العمارات الخديوية قلبًا نابضًا لشارع عماد الدين؛ احتضنت مقاهي الفنانين واستوديوهات التصوير والمكاتب التجارية والفنادق الصغيرة. ورغم التغيرات العمرانية التي لحقت بالمنطقة، ما زالت كثير من هذه العمارات تحتفظ بوظيفتها الأصلية.

تبدلت الملكيات، فانتقلت من الشركة البلجيكية إلى الشركة المصرية القابضة للتأمين وشركة مصر لإدارة الأصول العقارية، بينما جرت بعض التعديلات على واجهات المحال في الطوابق الأرضية، دون أن تفقد المباني ملامحها الأصلية.

تخضع الآن بعض هذه العمارات لمشروعات ترميم ضمن خطة تطوير القاهرة الخديوية، في حين ما تزال أخرى تنتظر جهود الحفظ وإعادة الإحياء.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب