كرامات السيد أحمد البدوي بين الإيمان والجدل.. من إحياء الموتى إلى رد الأسرى

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025 10:00 ص
كرامات السيد أحمد البدوي بين الإيمان والجدل.. من إحياء الموتى إلى رد الأسرى السيد البدوى

محمد عبد الرحمن

يُعد السيد أحمد البدوي، قطب الصوفية الأشهر في مصر والعالم العربي، من أكثر الأولياء الذين نسجت حولهم القصص والروايات، حتى صار اسمه مرادفًا للكرامة والولاية، ورغم مرور أكثر من ثمانية قرون على وفاته، ما زالت كراماته تُروى في الزوايا والمساجد والكتب، تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتثير في الوقت نفسه أسئلة حول حدود الكرامة بين الحقيقة والإيمان الشعبي.

كراماته في حياته... ما بين الإعجاز والتأويل

ردّ الأسرى من أيدي الإفرنج

يروي الشيخ ابن حجر العسقلاني أن امرأةً جاءته باكية بعدما أسر الإفرنج ابنها أثناء الحملات الصليبية، فالتجأت إلى السيد البدوي ترجوه أن يرد ولدها.
فما كان منه — بحسب الرواية — إلا أن دعا الله، فحضر الولد أمامها في قيوده سالمًا من الأسر.

هذه القصة جعلت الناس يهتفون في زمانه: “الله الله يا بدوي جاب اليسرى.” أي أنه أعاد الأسرى من سجون الصليبيين، فغدا رمزًا روحانيًا للمقاومة في زمن الحرب.

معجزة اللبن الذي تحوّل إلى حيّة

ومن الكرامات العجيبة التي أوردها العلماء، أن رجلاً مرّ به وهو يحمل قربة لبن، فأشار إليها البدوي بإصبعه، فانشقّت القربة وانسكب اللبن منها، وخرجت حيّة ضخمة منتفخة كانت مختبئة داخلها.
وقد فسّر المريدون ذلك بأنه كشفٌ إلهيّ منحه الله له، ليدفع الأذى عن الناس.

رؤيا السيوطي: اللثام المزدوج

الإمام جلال الدين السيوطي، أحد كبار علماء القرن التاسع الهجري، ذكر أنه كان يومًا يسير في أرضٍ يغمرها فيضان النيل، فخطر في قلبه سؤال: “هل كان لسيدي أحمد البدوي لثامان كما يقال؟” فإذا به — كما يقول — يرى فارسًا أخضر قادمًا نحوه، ملثمًا بلثامين، يقول له: “يا فلان كما يقولون، كما يقولون.” وقد اعتبر السيوطي هذه الرؤيا تأكيدًا روحانيًا لصدق ما يقال عن هيئة البدوي، الذي اشتهر بتغطية وجهه باللثام كعادة أهل البادية.

واقعة "البول على الطلبة" بين الحقيقة والتأويل

من أكثر القصص التي أثارت الجدل ما رواه المؤرخون عن تبول السيد البدوي على طلبة العلم الذين جاؤوا إلى طنطا لينتقدوه، فقد جلسوا تحت سطح الدار التي يسكنها، يتحدثون عنه بسوء، فطلّ عليهم البدوي من فوق السطح وبال عليهم، وقال لهم — كما نُسب إليه —:“ما يُؤكل لحمه فبوله لا ينجس.”

ويرى بعض الباحثين أن هذه القصة رمزية لا حرفية، وأنها تُشير إلى امتحان المريدين بالتواضع أمام الولي، لا إلى سلوكٍ حقيقي.
بينما يرى الدكتور عبد الله صابر في كتابه "السيد البدوي دراسة نقدية" أن هذه الرواية ربما نُقلت عن أحد مريديه الذي أراد رفع قدر شيخه فأساء إليه دون أن يقصد.

كرامة "القمح الزريع"

تحكي إحدى الروايات أن أميرًا نزل بطنطا وطلب عليقًا لخيله، ولم يكن في البلدة إلا شعير عند الشيخ ركين، وهو من المقربين للسيد البدوي.
خاف الشيخ على شعيره، فأخبر البدوي، فقال له: “قل لهم ما عندي إلا قمح زريع.” فلما فتحوا المخزن لم يجدوا إلا قمحًا بالفعل بدلًا من الشعير، وهو ما عُدّ من كرامات البدوي التي تظهر قدرته على تبديل الأحوال ببركة الدعاء.

إحياء طفلٍ بعد موته

ومن أشهر كراماته أيضًا، أن امرأة فقدت طفلها الصغير فجاءت إلى السيد البدوي باكية تقول: “يا سيدي، ما أعرف ولدي إلا منك"، حاول المريدون منعها، لكنها أصرت وقالت: “توسلت إليك بالله ورسوله.” فمدّ البدوي يده إلى الطفل ودعا له، فأحياه الله بين يديه — بحسب ما ورد في كتب المناقب.

كراماته بعد وفاته

لم تتوقف كرامات السيد البدوي بوفاته، بل ظلّ مريدوه يروون قصصًا عن تدخله الروحي بعد موته، منها ما ذكره المؤرخون عن محاولة بعض العلماء إلغاء مولده السنوي في طنطا، فاشتكى خصوم المولد إلى السلطان الملك الظاهر، واستدعى السلطان الشيخ يحيى المناوي ليفتي في الأمر، لكنه رفض قائلًا: “قد تقع بعض المحرمات في المولد، ولكن تحريمه كله باطل، فأخبره السلطان أن هناك من أفتى بالإبطال، فقال المناوي: “ما اجترئ على ذلك، فإن سيدي أحمد البدوي لن يرضى عن من سعى في ذلك، وسوف ترى ما يحل بهم.”

ويُقال إن من سعوا لإلغاء المولد أصابهم ضرر بعد فترة وجيزة، فاعتبر الناس ذلك دليلًا على استمرار كرامات السيد بعد وفاته.

بين الإيمان الشعبي والنقد التاريخي

يرى مريدوه أن هذه الكرامات دلائل على ولايته وقربه من الله، وأنها ليست خيالًا، بل تجليات إلهية لعُبّادٍ صدقوا في إخلاصهم، أما الباحثون المعاصرون، مثل الدكتور عبد الله صابر والدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، فيرون أن كثيرًا من هذه الروايات تعبّر عن رموز ومعانٍ روحية أكثر من كونها أحداثًا مادية، وأنها تعكس إيمان المجتمع المصري العميق بالأولياء والصالحين في فترات الاضطراب السياسي والاجتماعي.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة