فى كل مرة أسمع فيها صوت المطرب الشعبى حسن الأسمر أخرج بوصف جديد لهذا الصوت المتميز الذى لم يتكرر، مرة أقول صوت خشن لكن دافئ، ومرة صوت "مبحوح" لكن كله حياة، وأحيانا أقول صوت يضحك وهو موجوع، يغنى وهو يحمل الدنيا على أكتافه، وطبعا صوت حسن الأسمر به شىء لا يمكن أن يتكرر أو يتم تقليده.
ظهر صوت حسن الأسمر وكان غريبا وجديدا علينا، صادقا يحكى حكاية الشارع المصرى بمشاعر مختلفة في نفس الوقت، صوت شقيان لذلك لمس قلوب البسطاء والعامة سريعا فاشتهر في لمح البصر.
حسن الأسمر كان يغنى ما يشعر به، ما يحمله بداخله، هكذا كنت أشعر، ولا أعتقد أن هناك من ملأ أو سد الفراغ الذى كان يشغله، حتى أن صُناع الموسيقى الكبار يرون أنه آخر مطرب شعبي حقيقي عرفته مصر.
صوت حسن الأسمر كان يشبه الأحياء المصرية القديمة وبالتحديد الحارة المصرية، كان يشبه أحياء مثل عابدين وشبرا والسيدة، كان الوجع أبرز عناوين موضوعاته التي يغنيها، حتى لو كانت أغنية فرح، ففي أغنية "على سفر" على سبيل المثال كان يغنى الأسمر ويقول "ساعات نخاف من الذكريات وساعات بيقتلنا السكات .. وساعات بنهرب بالساعات.. ويا اللي فات والمنتظر"، وفى أغنية "يا خوفى" غنى الأسمر وقال "ليه اللي يدى غيره الناس بتقدره ولما يقل خيره على غيره يدوروا، وتبكي الناس عينيه ولا عين تبكي عليه.. ولا كلمة تصبروا"، وطبعا لا ننسى أغنيته الأشهر "كتاب حياتى يا عين.. ما شوفت زيه كتاب.. الفرح فيه سطرين.. والباقى كله عذاب" وعند سماعها تشعر وكأن الواحد يقلب فى كتاب حياته شخصيا.
حسن الأسمر غنى للحب، وغنى للفراق، وغنى للحياة غير العادلة، فهو صوت سيظل شاهدا على أن الغناء الشعبي الحقيقي والفن الشعبي بشكل عام هو صوت الناس، وليس صوت السوق، وهو الغناء الذى يخرج من القلب ليخاطب القلب.
أكتب هذه السطور بمناسبة ذكرى ميلاد حسن الأسمر 21 أكتوبر، الذى رحل عن عالمنا في 7 أغسطس 2011، رحل وهو تاركا علامات فى تاريخ الأغنية الشعبية غناها فى ألبومات وأفلام ومسرحيات، رحل بعد ما غنى أغانى حقيقية وجعت القلوب وفرحتها فى نفس الوقت، ولو استمعت إلى أغانى حسن الأسمر اليوم رغم مرور سنوات طويلة عليها، ستجد أنها تناسب هذا الزمان، فهى أغانى لكل الأزمنة، بقيت معنا وكبرت بداخلنا.