تعمل الدولة المصرية بشكل مستمر على تطوير أداء الجهاز الإدارى بشكل مستمر لمواكبة التطورات والتغيرات المستمرة، فبالرغم من تلك الجهود وضخ مليارات الجنيهات خلال الـ10 سنوات الماضية لتحقيق تلك المستهدفات الطموحة لدعم الدولة أولا ثم التيسير على المواطنين ثانيا، إلا أنه لا يزال هناك إصرار لأسباب لا يعلمها إلا الله على عدم مواكبة بعض الموظفين ذلك التطوير.
تبدأ القصة المتكررة فى معظم الجهات التى يكون فيها الموظف البطل دوماً فى مسيرة العمل الحكومى المرتبط بمقدرات ومستقبل المواطن، كما جسدت السينما المصرية فى مشاهد مختلفة ما بين محاولات المواطن الحصول على توقيع أو تقديم أوراق لمصلحة حكومية وما بين سياسات "فتح الدرج" أو "عدى علينا بكرة" أو حتى "الموضوع ده مش عندى" وهو عنده جوة!!
من هذه النقطة يبدأ "التيه" لدى المواطن ليتساءل "أنا إيه اللى جابنى هنا" يجلد المواطن نفسه رغم إعلان الحكومة فى أكثر من موضع لميكنة الخدمات ورقمنتها لكن فى مصر القديمة أقصد التى لا تمت بصلة للجمهورية الجديدة يظل الموظف هو قاهر هذه الأهوال لتبقى الجملة الأبرز "السيستم واقع"!!
مع سوء حظك أيها المواطن للدخول لأى مصلحة حكومية أو فرعًا لها ستكتشف بأن الموظف لا يعلم ما هو وضعه أو مكانته ولماذا جاء وفيما سيعمل وكما قالها الشاعر إيليا أبو ماضى "جئت لا أعلم من أين ولكنى أتيت ولقد أبصرت قدامى طريقا فمشيت وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقى؟ لست أدرى".
مع إنفاق المليارات وحضور ورش التدريب والتأهيل للموظفين إلا أنها حتى وقتنا الحالى لم تؤت ثمارها المطلوب فلا تزال عقلية الموظف سواء كان فى أدنى السلم الوظيفى أو حتى على رأس السلم؛ كما هى لا تتغير بتغير الأشخاص أو حتى الزمن.
يتخذ بعض الموظفين فى بلدنا شعار "طريقك مسدود مسدود مسدود يا ولدى" إذ طفح بك الكيل وقرر أن تقدم شكوى أو تظلم من تعسف موظف ما داخل جهة ما، ليصبح مجرد الإقدام على الشكوى بأنه عقوبة تجعل من مرتكبيها التعرض لآلام نفسية وبدنية من منطلق "الورق ورقنا".
فى واقعة حقيقية تعرض أحد المواطنين ويعمل صيدلى بإحدى محافظات الوجه القبلى لتعسف من قبل بعض الموظفين المحسوبين على المنظومة الصحية، فبعد أن طفح الكيل بالصيدلى قرر التظلم لجهة العمل التى ينتمى لها هذا الموظف؛ دون تحقيق أو الاستماع لما ادعاه الصيدلى قررت الجهة معاقبته والتضييق عليه وتحويله لجهات التحقيق وكأنها رسالة لمن يمتهن مهنة الصيدلة بأنه لا يعلو صوت فوق صوت الجهة المعنية فالشكوى لغير الله مذلة!!
هذا المثال هو واقع حقيقى وصارخ ما تقوم به بعض الجهات متحدية بذلك اللوائح والقوانين والأعراف؛ لإنصاف المظلومين أو حتى تهدئة روعه.
والقول الأخير، إن بناء سياج عازل بين المواطنين والمسئولين رغم التطور التكنولوجى الراهن سيكون له عواقب وخيمة أبرزها زيادة معدلات السخط الاجتماعى وتأثر الخدمات التى يحتاجها المواطنين وبالتالى سيؤثر على استقرار وتماسك المجتمع وهو ما يتعارض مع تكليفات القيادة السياسية بأن المواطن هو أول الأوليات وبالتالى فإن كل متسبب فى إيقاع السيستم لن يفلت من المحاسبة..