وزارة الأوقاف ترد على دعاوى الإخوان بأن الوطن حفنة من التراب لا قيمة لها.. أسامة الأزهرى: سيد قطب خالف الفطرة السليمة.. ويؤكد: حب الوطن ليس بدعة أو انحرافا بل فطرة إنسانية أصيلة وُضعت فى إطارها الشرعى السليم

الخميس، 02 أكتوبر 2025 05:00 ص
وزارة الأوقاف ترد على دعاوى الإخوان بأن الوطن حفنة من التراب لا قيمة لها.. أسامة الأزهرى: سيد قطب خالف الفطرة السليمة.. ويؤكد: حب الوطن ليس بدعة أو انحرافا بل فطرة إنسانية أصيلة وُضعت فى إطارها الشرعى السليم الدكتور أسامة الأزهرى - وزير الأوقاف

كتب لؤى على

قال الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، أن الرؤية العميقة والمتوازنة لمفهوم الوطن فى الإسلام، تستند إلى نصوص الشرع ومقاصد الشريعة، وتردُّ على الأفكار المتطرفة التى تحاول تجريد المسلم من انتمائه الوطني؛ لأنها توضح أن حب الوطن ليس بدعةً أو انحرافًا، بل هو فطرة إنسانية أصيلة وُضعت فى إطارها الشرعى السليم، وقد حاولت جماعات التشدد تشويه هذا المفهوم فى عقول الناس عبر فترة زمنية، وعلى رأس هؤلاء منظِّر جماعة الإخوان سيد قطب، مخالفًا بذلك الفطرة السليمة، وفهم علماء الأمة سلفًا وخلفًا لقيمة الوطن فى الشرع الشريف، كقول سيد قطب:" أما الأرض فلا اعتبار لها ولا وزن". واختزل الوطن فى الأرض.


جاء ذلك خلال تقرير لوزارة الأوقاف بمناسبة احتفالات مصر بشهر أكتوبر الذى شهد نصر أكتوبر 73، وكشف الوزارة المفاهيم المغلوطة حول معنى الوطن.

 

المفهوم المغلوط والمفهوم الصحيح

مفهوم الوطن عندهم حفنة من تراب لا قيمة لها، أما عندنا فهو أرض وشعب ومؤسسات وذكريات وآمال، وبطولات، وليس الوطن مجرد قطعة أرض، بل تاريخ وحضارة، وأساس وقيم.

مظاهر المفهوم المغلوط (الوطن حفنة تراب).

إن مظاهر هذا المفهوم المغلوط، تعد كثيرة منها:

(‌أ) الاختزال المادى الجاف: ينظر هذا الفكر إلى الوطن على أنه مجرد قطعة أرض (تراب) فقط، مجردة من أى معنى أو قيمة إنسانية أو روحية، ويتجاهل جميع المقومات الأخرى التى تشكل هوية الوطن وحقيقته.

(‌ب) إنكار القيمة المعنوية والروحية للوطن: ينكر هذا المفهوم ما للوطن من قيمة عاطفية وفطرية فى نفس الإنسان، مثل: الذكريات، والحنين، والانتماء العاطفى، فيتناقض مع الفطرة الإنسانية التى جبل الله الناس عليها، والتى تظهر فى حنين سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم لمكة.

(‌ج) إلغاء البُعد الحضارى والتاريخي: يتجاهل هذا الفكر أن الوطن هو تاريخ وشعب وحضارة، كما يمحو مفهوم البطولات والتضحيات والإنجازات الجماعية التى بُنيت على أرض الوطن عبر الأجيال.

(‌د) تحريم العمل من أجل الوطن والانتماء إليه: قد يتطور الأمر معهم فيصل بهذه الجماعات إلى تحريم الانتماء الوطنى واعتباره بدعة أو كفرًا، فيُحرّمون العمل فى مؤسسات الدولة (التى يعتبرونها خارجة عن أطار الشرع حسب فهمهم) أو الدفاع عن الوطن، مما يترتب عليه:

1- تمزيق الأمة وإضعافها

وهذا من خلال العزلة والسلبية من أفراد التأثر بهذه الأفكار، حيث يعيش الفرد غريبًا فى أرضه، غير مشارك فى بنائها أو الدفاع عنها.

2- المخالفة الصريحة لفهم علماء الأمة:

فهذا المفهوم مخالف لإجماع علماء الأمة من مفسرين ومحدثين وفقهاء على مر العصور، الذين أقروا قيمة الوطن وجعلوا مفارقته بمثابة عقوبة شديدة (كما فى تفسير الرازى للآية)، واعتبروا الحنين إليه من الأمور الفطرية التى شرعها الدين (كما فى شرح ابن حجر للحديث)، كما سيأتى فى العنصر التالي.

3- التناقض مع مقاصد الشريعة:

يتناقض هذا المفهوم مع مقاصد الشريعة الإسلامية التى تحث على عمارة الأرض، والتى لا يمكن تحقيقها بدون استقرار فى وطن محدد، فكيف يعمر الإنسان الأرض وهو لا يعترف بها؟!.

 

الأسس الشرعية لحب الوطن والانتماء إليه

تعددت الأسس الشرعية التى يمكن أن يستدل بها على حب الوطن ووجوب الدفاع عنه، مع أن الحق أن دافع الطبع يغنى عن إيجاب الشرع، ولكن من باب التأكيد يكون ما يلي:

(‌أ) الفطرة الإنسانية والاعتراف بالواقع:

إن الانتماء للأرض التى وُلد فيها الإنسان ونشأ وتأثر بترابها وهواءها هو غريزة فطرية، فالطيور تحن إلى أعشاشها، حتى الإبل تحن إلى أوطانها، وقد أقر الإسلام هذه الفطرة، ويستدل على ذلك بحزن سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم عند فراق مكة قائلًا: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبّ أَرْضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». ‌[رواه الترمذي]. هذا الاعتراف بالفطرة لا يتعارض مع عقيدة التوحيد، بل هو واقع بشرى تعترف به الشريعة وتنظمه.

(‌ب) الوطن فى فهم علماء الأمة من مفسرين ومحدثين وفقهاء:

باستقراء كتب العلماء فى الأمة الإسلامية على مر القرون السابقة، نجد أن مفهوم الوطن مختمر فى عقليتهم، وقريحتهم العملية، وأن كل الاختلال الحاصل عند هذه التيارات المتشددة، ما هو إلا فهم مغلوط مخالف لهؤلاء الأعلام السابقين، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك من كلام الإمام الرازى وغيره عند تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أن اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أو اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦]، قال: " الْمَعْنَى: أَنَّا لَوْ شَدَّدْنَا التَّكْلِيفَ عَلَى النَّاسِ، نَحْوَ أن نَأْمُرَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْأَوْطَانِ لَصَعُبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَا فَعَلَهُ إِلَّا الْأَقَلُّونَ... وجعل مفارقة الأوطان كقتل النفس".[ تفسير الرازي].

وجاء الحديث عن سيدنا أنس رضى الله عنه: "أنَّ سيدنا النبى صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فَنَظَرَ إلى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ، أوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وإنْ كانَ علَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا؛ مِن حُبِّهَا"، [رواه البخاري]، فيقول الإمام ابن حجر: "وفى الحديث دلالة على فضل المدينة، ومشروعية حب الوطن والحنين إليه". [فتح الباري]، وقال الإمام القرافي:" ومصالح الحج التأديب بمفارقة الأوطان". [الفروق]، وكأن الحج من حكمه أن يؤدب الله عباده بالمفارقة لأوطانهم.

وهكذا فهم علماء الأمة قيمة الوطن، وأنه أكبر من كونة قطعة أرض أو حفنة تراب، بل هو أرض وسماء وشعب ومؤسسات، وذكريات، وبطولات، قيمة عظيمة لا يشعر هؤلاء بها، لحالة نفسية عاشوها. أن حب الوطن فهمه الأدباء والشعراء، بل أفرد له كثير من العلماء كتبًا كالجاحظ وغيره، فألف كتابًا وسمَّاه: "حب الوطن"، ومن ثم كان الدفاع عنه والموت فى سبيله شرفا كبيرًا، وجهادًا عظيمًا فى سبيل الله تعالى.

(‌ج) الوطن كمكان لازم لإقامة العبادة وأداء العمارة:

إن حب الوطن ومقاصد الشريعة الكبرى بينهما صلة عظمى، فالوطن هو المجال الذى يمارس فيه المسلم عباداته (الصلاة، الصيام، الزكاة)، وينشأ فيه أسرته، ويعمر الأرض بالعمل الصالح والتعاون على البر والتقوى، ومفهوم "العمارة" فى الإسلام يشمل بناء المساجد والمدارس والمستشفيات، وإقامة العدل، ونشر العلم، وحماية الثغور، وكلها تتطلب استقرارًا وانتماءً لرقعة جغرافية محددة، ألا وهى (الوطن)، قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا} [هود: ٦١]، أي: طلب منكم أن تعمروها، فكيف العمارة إذا لم يكن هناك وطن؟!

(‌د) المواطنة وحقوقها وواجباتها:

مما حاولت الجماعات توريثه الناس: الفهم الضيق الذى يختزل الانتماء فى الانتماء العقدى فحسب، متجاهلًا روابط المواطنة. بيد أن المواطنة فى الإسلام تقوم على:

الولاء للوطن: بمعنى الحفاظ على أمنه وسلامته ووحدته ومصالحه المشروعة.

البر بالوطن: خدمته والدفاع عنه ضد العدوان الخارجى وحماية ممتلكاته.

العدل والإحسان لأهله: التعامل مع جميع أبناء الوطن (مسلمين وغير مسلمين) بالعدل والإنصاف والبر ضمن الضوابط الشرعية، خاصة مع غير المحاربين. ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨].

وضع كل هذا تحت اسم الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم، وأنه من صميم الشرع، ولا مخالفة فى ذلك بين حب الوطن وحب الدين.

التوازن بين الانتماءين: الإسلامى والوطني

إن التوزان بين الانتماءين لا تناقض فيه البتة، فمن نظر إليه بعين البصيرة فسيرى:

(‌أ) التكامل لا التعارض: حب الوطن والانتماء إليه والدفاع عنه جزء من حب الدين؛ لأن الوطن هو الإطار الذى تُمارس فيه شعائر الدين، وتحفظ فيه حرماته، وخدمة الوطن الصالحة هى من صميم العمل لله.

(‌ب) أن الأولويات الواضحة: لا خلاف حقيقى بينها، فترتيبها:

الانتماء العقدى الإسلامي: هو الأصل والأساس والأعلى.

الانتماء الوطني: هو انتماء ضرورى واقعى ومشروع لتحقيق المصالح الدينية والدنيوية، وليس بديلًا عن الانتماء العقدى، بل هو تابع له ومكمل.

(‌ج) المواطنة والمسئولية: فتتحدد واجبات المسلم فى وطنه والتى من بينها:

الالتزام بشرع الله: فى سلوكه الفردى والاجتماعي.

المشاركة الإيجابية: فى بناء الوطن وخدمة أهله بالخير والعدل.

الدعوة إلى الله: بالحكمة والموعظة الحسنة، لمن ملك الآلة.

الدفاع عن الوطن: ضد أى عدوان خارجي.

نصرة المظلومين: وإقامة العدل بين جميع أبنائه.

المحافظة على ممتلكاته وثرواته: كأمانة.

إن مفهوم الوطن فى الإسلام والدفاع عنه ليس شعارًا أجوف، ولا بدعةً ضالة، ولا حفنة تراب، بل هو حقيقة فطرية وشرعية، فالوطن هو رقعة مقدسة بقداسة ما تقام عليه من شعائر الله، وهو الإطار العملى لتحقيق مقاصد الشريعة فى العبادة والعمران والتعايش، وحب الوطن والانتماء إليه والعمل من أجل ازدهاره وأمنه واجب شرعى وضرورة بشرية، إنها رؤية ترفض التطرف الذى يكفر بالوطنية، وتواجه فى الوقت ذاته التطرف الذى يريد اقتلاع الهوية الإسلامية من جذورها تحت شعار الوطنية، لتؤسس لمواطنة مسئولية تحفظ للإنسان دينه وكرامته وانتماءه، وتخدم المجتمع فى إطار من العدل والإحسان والتعاون على البر والتقوى.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة