خلال أيام فقط بدا أن التفاصيل والتطورات تأخذ مجرى واتجاهات مختلفة، وكأن هناك ساحرا جذب التطورات إلى مجالات أخرى بعيدا عن نيران الحرب، هكذا بدت قمة شرم الشيخ، التى دعا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد نجاح فريق مصر التفاوضى فى إنجاز توقيع الاحتلال والفصائل الفلسطينية على انتهاء الحرب، لتغلق صفحة مظلمة استمرت عامين واجه فيها سكان غزة حربا وهم عزل من سقف أو سلاح، ودفعوا ثمن جرائم تجار الحرب.
انتهت الحرب ولم يحقق أى طرف انتصارا، فلا الاحتلال بكل قواه وأسلحته من طيران وصواريخ ودبابات ومدفعية نجح فى استعادة المحتجزين بالسلاح، ولا الفصائل حققت أى نوع من الانتصار، فقد خسر الاحتلال كثيرا بالرغم من الحرب والإبادة والقوة المفرطة التى لا تتوازى مع أسلحة الفصائل.
أما الفصائل ففى الواقع يصعب القول إنها حققت أهدافا من الطوفان، غير فقدان قيادات والكثير من المكانات، ومعها أخذت حزب الله وإيران وسوريا وكل ما سمى نفسه جبهة ممانعة، وكل ما حصلت عليه الفصائل أسرى أغلبهم من غزة بعد 7 أكتوبر 2023، أما الطرف الذى صمد بلا حماية فهم سكان غزة، أطفالها ونساؤها وشيوخها، ممن طاردهم احتلال مجرم، وهدم أغلب مبانى غزة ومدارسها ومستشفياتها، ضمن إبادة وجريمة نظن أنها الأخطر على مدى القرن العشرين، النتيجة أنه لا فائز فى هذه الحرب، لكن هناك دمارا يحتاج الى إعادة بناء، وخوف بحاجة إلى طمأنينة.
قد يبدو هذا الواقع صادما لكثيرين ممن اعتادوا التهام الأوهام والشعارات، من الاحتلال أو من الفصائل، بينما الواقع يفرض الاعتراف بأن الخاسر هو غزة، التى تكاد تسترد أنفاسها وتنام ليلا بلا قصف ولا موت، بالطبع هناك أطراف اعتادت الركون للخيال أو التغذى على أمجاد لا تتحقق، بينما الواقع يفرض نفسه على الجميع.
ونحن هنا لسنا فى موقع تقييم أو حساب الفائز والخاسر، فلم نكن فى مباراة، لكن أمام مباراة فى الإبادة والقتل، استشهد نحو 70 ألف غزاوى أغلبهم من الأطفال، ونحن هنا نتابع تحليل ما تم، وليس ما يريده هذا الطرف أو ذاك، خاصة هؤلاء الذين يصفقون للموت بمزاعم المقاومة، أو بمزاعم الدفاع، بينما الواقع أقسى وأخطر من أن يترك لبوستات فيس بوك الساذجة، وهنا تأتى أهمية وتاريخية قمة شرم الشيخ للسلام، التى لا تنهى فقط الحرب لكنها تفتح مجالا لطريق جديد نحو السلام، أو إعادة مسار السلام، بمزيج من الإصرار والصبر والإرادة.
فى شرم الشيخ، حولت مصر الأمر إلى قمة يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأكثر من 20 رئيسا ورئيس وزراء، الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، والمستشار الألمانى فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البرتغالى أنطونيو كوستا، والعاهل الأردنى الملك عبدالله، وملك البحرين، ورئيس وزراء الكويت، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والرئيس الفلسطينى محمود عباس، ورئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلونى، ورئيس أذربيجان، ورئيس وزراء اليونان، ورئيس وزراء أرمينيا، ورئيس وزراء المجر، ورئيس وزراء باكستان، ورئيس وزراء كندا، ورئيس وزراء النرويج، ورئيس وزراء العراق، ونائب رئيس دولة الإمارات، ويشارك فى القمة وزير خارجية المملكة العربية السعودية، ووزير خارجية سلطنة عمان، ورئيس المجلس الأوروبى، ووزير الدولة للشؤون الخارجية للهند، وسفير اليابان بالقاهرة، وجيانى إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم.
الشاهد أنه أيا كان الاختلاف، فإن وجود الرئيس الأمريكى يشير إلى أن الولايات المتحدة تدعم خطة ترامب، ومعها كل الزعماء، شهودا ومشاركين، ويفترض أن تكون القمة فرصة لطرح مسار السلام من جديد حتى لو بدا بعيدا، وأيضا البدء فى التجهيز لمؤتمر القاهرة لإعادة الإعمار والتعافى، وهى خطوة تحتاج إلى مئات المليارات، ويفترض أن تشارك فيها كل هذه الدول وتعلن المساهمة فى الإعمار.
وهناك الكثير من الخطوات تتطلب تحركا دوليا، ومصر تطالب بأن يكون الاتفاق أو أى مسارات تحت اعتراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومهما كان ضعف هذه المؤسسات فإن الهدف أن تكون اتفاقات دولية، وقد تختلف الرؤى حول غزة ما بعد الانتهاء من الحرب، حيث أعلن بنيامين نتنياهو انتهاء الحرب فى غزة، وهو ما تزامن مع خطاب للرئيس الأمريكى أمام الكنيست، وخطابات أخرى، تحتاج بالفعل إلى تحليل وقراءة، ضمن غيرها، لكن تبقى قمة القاهرة، مسعى قويا يكلل جهود مصر طوال عامين ويفتح مجالات الأمن من جديد بفرص تحتاج إلى من يفهمها ليستغلها، قمة شرم الشيخ بداية طريق طويل، وأمل كبير.