لطالما ارتبط التهاب العمود الفقري المزمن بالرجال في الأبحاث الطبية القديمة، لكن العلم الحديث كشف جانبًا مغايرًا: النساء يُصبن به بمعدل يقارب معدل إصابة الرجال، غير أن أعراضهن تختلف في شدتها ومواقع ظهورها، مما يجعل التشخيص أصعب وأطول أمدًا.
بحسب موقع Health، فإن هذا النوع من الالتهابات يُصنَّف كمرض مناعي ذاتي، أي أن جهاز المناعة يهاجم أنسجة الجسم السليمة، خاصة المفاصل التي تربط العمود الفقري بالحوض، مما يسبب تصلبًا وألمًا مزمنًا قد يمتد إلى المفاصل الطرفية مثل الركبتين والمعصمين.
وعلى الرغم من أن التهاب العمود الفقري المزمن كان يُعتبر مرضًا "رجوليًا" في السابق، فإن الواقع الطبي الحديث — كما أشار موقع Health — يوضح أن النساء يعانين منه بدرجات لا تقل عن الرجال، بل وقد يكنّ أكثر تأثرًا من الناحية الجسدية والنفسية.
إن فهم الفروق بين الجنسين في الأعراض والعلاج خطوة أساسية لتقديم رعاية صحية منصفة ودقيقة، وتمكين المرأة من السيطرة على حالتها، ومتابعة حياتها بثقة ونشاط.
الأعراض عند النساء
تعاني النساء المصابات بالتهاب العمود الفقري المزمن من طيف واسع من الأعراض، بعضها يشبه أعراض التعب العام أو مشكلات العضلات، مما يؤدي إلى تأخير التشخيص في كثير من الحالات.
من أبرز العلامات التي تُلاحظ مبكرًا:
ألم منتشر في الظهر السفلي أو في الوركين.
تيبّس صباحي يمتد لساعات.
شعور دائم بالإرهاق والضعف العضلي.
التهاب في العينين أو احمرار مؤلم في الجزء الأمامي منهما.
انتفاخ في مفاصل اليدين أو الكاحلين.
زيادة الحساسية تجاه الألم عند الضغط على مناطق معينة من الجسم.
وتوضح الأبحاث أن النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بحالات مصاحبة، مثل الصدفية الجلدية والتهابات الأمعاء المزمنة، مما يزيد من حدة الأعراض ويعقّد التشخيص.
لماذا تختلف الأعراض بين الجنسين؟
تشير الدراسات المنشورة في Health إلى أن نمط المرض عند النساء يتبع مسارًا أكثر بطئًا وانتشارًا في المفاصل الصغيرة، بينما يميل عند الرجال إلى التأثير بشكل واضح ومباشر على الفقرات.
وهناك سبعة فروقات رئيسية يمكن ملاحظتها بين الحالتين:
1. بداية متأخرة للمرض: تبدأ الأعراض لدى النساء عادة في سن أكبر نسبيًا، ما يجعلها تُخلط مع علامات الشيخوخة أو الإجهاد العضلي.
2. ألم شامل وليس موضعيًا: غالبًا ما تشعر المرأة بألم في مناطق متعددة من الجسم، وليس فقط في العمود الفقري.
3. قلة التغيرات في الأشعة: عند إجراء التصوير، تُظهر النساء تآكلًا أقل في العظام مقارنة بالرجال، مما يؤدي أحيانًا إلى نتائج أشعة طبيعية رغم وجود المرض.
4. استجابة دوائية متباينة: بعض النساء لا يستفدن بالشكل الأمثل من العلاجات البيولوجية، مثل مثبطات عامل نخر الورم، التي تُستخدم لتقليل الالتهاب.
5. تأثير الهرمونات: يُعتقد أن هرمون الإستروجين يلعب دورًا في تخفيف أو تفاقم الالتهاب، إذ تميل الأعراض إلى التزايد أثناء الدورة الشهرية أو بعد انقطاع الطمث.
6. تأخر التشخيص: تحتاج السيدات في المتوسط إلى نحو تسع سنوات للوصول إلى تشخيص دقيق، أي أكثر بنحو عامين من الرجال.
7. الارتباط بأمراض أخرى: مثل أمراض الأمعاء الالتهابية أو اضطرابات المناعة الذاتية الأخرى.
تأثير المرض على صحة المرأة وحياتها اليومية
يتجاوز المرض مجرد الألم الجسدي؛ فهو يؤثر أيضًا على جودة النوم، والطاقة، والمزاج العام. كما يمكن أن يُحدث تغيرات في النشاط البدني، مما يقلل من القدرة على ممارسة التمارين أو العناية الذاتية كما في السابق.
من ناحية الخصوبة، لا تشير الأبحاث إلى أن التهاب العمود الفقري المزمن يقلل من احتمالية الحمل، ولكن بعض الأدوية المضادة للالتهاب أو الكورتيكوستيرويدات قد تؤثر على التبويض أو نوعية البويضات. لذا، يُنصح بالتحدث مع الطبيب المختص قبل التخطيط للحمل.
أما أثناء الحمل، فتختلف التجارب من امرأة لأخرى: فالبعض يشعرن بتحسّن مؤقت في الأعراض، بينما تزداد شدة الألم والتصلب لدى أخريات، خصوصًا في الأشهر الأخيرة من الحمل. ويُرجّح أن يعود ذلك إلى التغيرات الهرمونية والوزن الزائد وضغط الجنين على الحوض.
صعوبات التشخيص عند السيدات
هناك سببان رئيسيان يجعلان المرض أكثر غموضًا لدى النساء:
1. الأعراض غير النمطية: فبدلاً من آلام الظهر الكلاسيكية، قد تظهر الشكوى على شكل ألم في الكتفين أو الركبتين أو اليدين، ما يدفع الأطباء للاعتقاد بأن المشكلة عضلية أو هرمونية.
2. نتائج الأشعة المضلِّلة: غالبًا لا تُظهر صور الأشعة المبكرة علامات الالتهاب العظمي الواضحة التي تُرى عند الرجال، مما يؤدي إلى تجاهل الحالة أو تصنيفها بشكل خاطئ على أنها ألم عضلي ليفي أو إجهاد مزمن.
هذا التأخير في التشخيص يعني أن كثيرًا من النساء لا يحصلن على العلاج المناسب إلا بعد سنوات من المعاناة، مما يسمح للالتهاب بالتطور والتأثير على المفاصل الأخرى.
كيف يمكن إدارة المرض بفعالية؟
العلاج يعتمد على الجمع بين الدواء، والحركة، والعادات الصحية.
يشمل ذلك:
الالتزام بتمارين الإطالة اليومية للحفاظ على مرونة العمود الفقري.
المتابعة المنتظمة مع طبيب الروماتيزم.
استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية أو الأدوية البيولوجية عند الحاجة.
التحكم في العوامل المحفزة مثل التدخين أو قلة النوم أو التوتر.
التغذية الغنية بالأوميغا 3 لتقليل الالتهاب.