إيمان حنا

مِصُر صانعة السلام.. لم شمل العالم على أرض السلام

الإثنين، 13 أكتوبر 2025 07:00 ص


على شاطئ البحر الأحمر فوق أرض سيناء المقدسة، وتحديدًا بالجنوب منها تربض مدينة شرم الشيخ التى لقبت بمدينة السلام؛ لاحتضانها أكثر من 26 قمة ومؤتمر واجتماعا دوليًا، ومن أرضها انطلقت دعوات السلام.

بدايةً من مؤتمر "صانعي السلام"، الذى عقد فى 14 مارس 1996، مرورًا باتفاقية "واي ريفر 2"، في سبتمبر 1999 ، وهي المفاوضات التى تمت بين مصر و فلسطين وإسرائيل، ومؤتمر القمة العربية 2003 و قمة شرم الشيخ 2005، ومنتدى دافوس 2008؛ وقمة عدم الانحياز فى 2009، و منتدي شباب العالم الذى أطلق جمع شباب من أنحاء العالم كافة على دعوة الحب والسلام فى نسخته الأولى عام 2017؛ ثم قمة المناخ فى نوفمبر 2022.


وها هى مصر الشامخة، تواصل دورها كصانعة السلام بالمنطقة؛ بإنهاء حرب غزة باتفاق "شرم الشيخ" الذى يُكلل عامين من الجهود المضنية التى بذلتها مصر لوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع ؛ ما يعكس ثوابت القيادة السياسية في دعم القضية الفلسطينية منذ بدايتها.


تجمع مصر على "أرض السلام" قادة وزعماء أكثر من 20 دولة فى "قمة شرم الشيخ للسلام" الاثنين؛ للإعلان عن اتفاق يُنهي 736يومًا من حرب إبادة الفلسطينيين فى قطاع غزة التى استُشهِد خلالها أكثر من 67 ألف شخص، ودُمر 90% من القطاع .


لقد نجحت الدولة المصرية في رسم البسمة على وجوه الأطفال الفلسطينيين، وهم يودعون مخيمات النازحين عائدين إلى منازلهم بعد الإعلان عن الاتفاق شرم الشيخ، ومن قلوب بريئة وألسنة لا تعرف الرياء أعرب عدد من هؤلاء الأطفال عن شكرهم لمصر، متشحين بالعلم المصري والفلسطيني.

واستطاعت مصر أن تضغط على الجانب الأمريكى ليتحول من داعم للحرب إلى راعٍ للسلام، وسبق ذلك جهد مضنٍ على مدار عامين دون انقطاع، وأعين لا تنام وسلسلة من الاجتماعات والاتصالات والتخطيط المحكم؛ لتُعبد الطريق أمام اتفاق السلام؛ بالتوازى مع الجهود الإنسانية والإغاثية.


تلك الجهود التى حظيت بإشادات زعماء وقادة ودبلوماسيي العالم، من بينهم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف الذى ثمن قدرات المفاوض المصرى وصولًا لاتفاق غزة، وقال نصًا خلال حديثه مع الرئيس السيسي، الخميس الماضي، بقصر الاتحادية: "لديكم فريقا مذهلا.. لولا قيادتكم ومهارات فريقكم الفريدة، لما كنا استطعنا تحقيق الكثير. لقد أثبتوا كفاءة استثنائية في اللحظات الحاسمة".


كما ضجت منصات التواصل الاجتماعي منذ إعلان اتفاق شرم الشيخ بالإشادات بجهود مصر وحنكة وحكمة المفاوض المصرى وفريقه، وتداول مغردون صورًا لفريق الوساطة المصري مرفقة بعبارات تقدير لما وصفوه بـ"الصبر الاستراتيجي والدبلوماسية الهادئة" التي أنقذت المنطقة من الخراب والدمار.


نعم، لقد قادت مصر جهودًا شاقة لإنهاء معاناة أهل غزة، وتحركت على مدار عامين بقلب ألهبته أصوات طلقات الرصاص المصوبة نحو قلوب أطفال فلسطين والمدفعيات والضربات الجوية التى تستهدف منازلهم ؛ ووقفت الدولة المصرية بالمرصاد لمخططات خبيثة حيكت لهذا الشعب الأعزل؛ ليترك أرضه ويصبح منعدم الهوية مشردًا في دول العالم .

 

لم تأبه مصر لأصوات التهديد والضغوط تارة، والإغراءات تارة أخرى؛ للتخلى عن موقفها الداعم للفلسطينيين ليترك هذا الشعب فريسة بين أنياب الطامعين في أرضه؛ بل ظل موقفها ثابت لم يتزعزع.


إن موقف مصر ليس بجديد ؛ فتخبرنا صفحات التاريخ بأن موقف قديم قدم القضية الفلسطيني؛ حيث عملت مصر على حشد الجهود الدبلوماسية والعسكرية أيضًا للدفاع عن حقوق الفلسطينيين؛ ودعت لعقد العديد من المؤتمرات لمناصرة القضية الفلسطينية وطرح الحلول العادلة لها، فى هذا السياق دعت لإقامة المؤتمر الإنساني الشرقي في القاهرة عام 1939، وشاركت في مؤتمر لندن فى العام نفسه؛ وسبق ذلك المؤتمر البرلماني للبلاد العربية والإسلامية بالقاهرة عام 1938، ومؤتمر بلودان في عام 1937، كما شاركت فى المؤتمر الإسلامي الأول بالقدس عام 1931، كما رفضت مصر الكتاب الأبيض الذي كان يؤكد على مبدأ إقامة الوطن القومي اليهودي؛ علاوة على ذلك قامت مصر بتنظيم المؤتمر النسائي العربي بالقاهرة في عام 1944.


وفى مايو عام 1946 استضافت مصر أول مؤتمر عربي في أنشاص؛ كرد فعل على توصيات اللجنة "الأنجلو- أمريكية" التي أوصت بدخول مائة ألف من اليهود الفارين من الاضطهاد النازي إلى فلسطين.
وكان لمصر أيضاً موقف لن يمحى من ذاكرة التاريخ، ففي أعقاب صدور القرار الأممى بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، دافعت عن الفلسطينيين و أعلنت بكل وضوح ضـرورة تقديـم الدعـم المـادي والمعنـوي لهم؛ للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة الصهاينة.


كما لعبت مصـر دورًا محوريًا فى حرب 1948 علـى مـدار ثمانيـة أشــهر، من خلال قوات الجـيش المصرى والمتطوعـين، وخلال معــارك 1948 و1949 اُستشهد عــدد كبير من عناصر الجيـش واخلتطت ماء المصريين بأشقائهم الفلسطينيين لتنسج رابطة لا يمكن لأحد فصلها، واستمرت مصر حتى الآن في تبني نهج متعدد الأبعاد، لإعلاء صوت الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم.


وفى غزة كان لها دور شديد الخصوصية؛ فمنذ اندلاع أولى جولات التصعيد الواسعة في القطاع عام 2008، لعبت مصر دورًا محورياً تنوع بين الدعم الإنساني والسياسي، وصولًا إلى رعاية اتفاقات التهدئة وإعادة الإعمار؛ فبعد حرب غزة الأولى في 2008 بدأت مصر في تقديم المساعدات وفتح معبر رفح للحالات الإنسانية، وخلال حرب 2012 لعبت مصر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل، وانتهت الجولة باتفاق وقف إطلاق نار برعاية مصرية؛ كما أدارت مصر مفاوضات غير مباشرة في القاهرة عام 2014، انتهت بتهدئة طويلة، وخلال السنوات الممتدة من 2015 إلى 2020 استمرت فى أداء دورها فى تنسيق لقاءات فصائلية لتحقيق المصالحة الفلسطينية من جهة، وإرسال المساعدات الطبية والإنسانية للفلسطيين من جهة ثانية.


وفى عام 2021 تدخلت مصر لوقف موجة التصعيد التى اندلعت؛ وأعلنت عن تخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع، كما أرسلت معدات وشركات مصرية للعمل في غزة، وبرز دورها في تنسيق جهود المجتمع الدولي للمساعدة، بالتوازى مع دورها الدبلوماسى والسياسى في رعاية جلسات الحوار بين الفصائل ومحاولة إعادة إحياء مسار المصالحة.


ومع اندلاع حرب الإبادة بحق الفلسطينيين بالقطاع عام 2023 ؛ تصدرت مصر صفوف المدافعين عن الشعب الفلسطينى الأعزل، وتصدت بكل قوة لمحاولات التهجير القسرى، واستضافت العديد من جولات المفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنقاذ أرواح الأبرياء.


لقد لعبت الدولة المصرية دوراً متعدد الأوجه لإدارة أزمة "غزة" سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، في ظل تناغم الجهود بين أجهزة الدولة ومؤسساتها.


إن دور مصر العسكرى والسياسي والإنسانى فى القضية الفلسطينية يصعب إيجازه فى سطور  إلى مقال؛ فهو دور ممتد لم يتوقف طيلة سنوات، واليوم  وبعد مرور 76 عامًا على النكبة الفلسطينية، تقيم مصر أهل غزة من تحت رماد الحرب؛ لتؤكد للعالم مجدداً أن الشعب الفلسطيني ليس بمفرده، وتعلن من شرم الشيخ اتفاقًا يحقن دماء الفلسطينيين فى قطاع غزة.


يطوى اتفاق "شرم"صفحة مخضبة بالدماء؛ ليدشن صفحة جديدة عنوانها الأمل والسلام لأشقائنا الفلسطينيين، فهذا الاتفاق لن يوقف الحرب فى غزة فحسب ؛ بل إنه سيفتح باب الأمل لإحلال السلام الشامل والدائم في منطقة الشرق الأوسط؛ لكن الطريق لحل القضية الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة لا يزال طويلاً، والتحديات جمة غير أن مصر بقيادتها ومؤسساتها وأجهزتها وشعبها، قادرة على استكمال هذا الطريق، واجتياز تحدّياته بقوةٍ وحكمةٍ .


ستظل مصر ساعية لصنع السلام مدعومة بالإيمان المطلق وصدق النية وقوة الإرادة؛ فـ"السلام" أسمى القيم الإنسانية التى حثت عليها الأديان؛ ففى سورة البقرة بالقرآن الكريم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"، وفى إنجيل متى بالكتاب المقدس "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب