اتصل رئيس نيابة أمن الدولة صلاح نصار، بوكيل الأزهر الدكتور محمد عبدالله ماضى، يطالبه بإبداء الرأى فى كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، وكتاب «جاهلية القرن العشرين» لشقيقه محمد قطب، وذلك أثناء التحقيقات مع المتهمين من التنظيم الإرهابى بزعامة سيد قطب، والمقبوض عليهم فى أغسطس 1965.
طلب «نصار» من وكيل الأزهر تقريرا عن الكتابين بوجهة نظر إسلامية، حسبما يأتى فى نصه المنشور فى كتاب «شخصيات لها العجب» للكاتب الصحفى صلاح عيسى، موضحا أن «الوكيل» عرض الأمر على شيخ الأزهر، فكلف الشيخ محمد عبداللطيف السبكى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، للقيام بهذه المهمة.
انتهى «المفتى» من مهمته، ورفع تقريره إلى شيخ الأزهر الذى راجعه، كما راجعه وكيله «محمد عبدالله ماضى»، ليتم إقراره ورفعه إلى «رئيس نيابة أمن الدولة» فى 13 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1965، ويحتوى على ردود شاملة لما جاء فى الكتابين، وكان لكتاب «معالم فى الطريق» النصيب الأكبر فى التقرير، فى حين اكتفى بصفحات قليلة عن الكتاب الثانى «جاهلية القرن العشرين»، مؤكدا «أنه كتاب غير محبب إلى من يقرأه، ويدور حول أهداف ليست خالصة لله، بل هى أهداف إفسادية فى بواعثها ونتائجها».
وعن «معالم فى الطريق» يذكر التقرير، أنه لأول نظرة فى الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام ولكن أسلوبه استفزازى، يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية، وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون فى غير روية إلى دعوة الداعى باسم الدين، ويتقبلون ما يوحى إليه به من أهداف، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة.
يفند المفتى فى تقريره نصوص وعبارات جاءت فى الكتاب، ويبدأ بما قاله «قطب» فى صفحة 6: «وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة لكى يؤدى الإسلام دوره المرتقب فى قيادة البشرية مرة أخرى، لا بد من بعث لتلك الأمة التى وراها ركام الأجيال، وركام التصورات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة التى لا صلة لها بالإسلام»، ويعلق المفتى فى تقريره على ذلك، قائلا: «إن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة، ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة وأئمة الإسلام وأعلام العلم فى الدين، فى التفسير والحديث والفقه وعموم الاجتهاد فى آفاق العالم الإسلامى، معنى هذا أنهم جميعا كانوا فى جاهلية، وليسوا من الإسلام فى شىء، حتى يجئ إلى الدنيا «سيد قطب».
وعن كلمة «الحاكمية لله، ولا حاكمية إلا لله» التى يتخذها سيد قطب أساسا لكتابه «معالم فى الطريق»، يقول المفتى فى تقريره: «إن كلمة «الحاكمية لله، ولا حاكمية إلا لله» كلمة قالها الخوارج قديما، وهى وسيلتهم إلى ما كان منهم فى عهد الإمام على من تشقيق الجماعة الإسلامية، وتفريق الصفوف، وهى الكلمة التى قال عنها الإمام على: «إنها كلمة حق أريد بها الباطل»، فالمؤلف «سيد قطب» يدعو مرة إلى بعث جديد فى الرقعة الإسلامية ثم يتوسع فيجعلها دعوة فى الدنيا كلها، وهى دعوة على يد الطليعة التى ينشدها، والتى وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة، وليس أغرب من هذه النزعة الخيالية وهى نزعة تخريبية يسميها طريق الإسلام، والإسلام كما هو اسمه ومسماه يأبى الفتنة ولو فى أبسط صورها، فكيف إذا كانت فتنة جبارة كالتى يتخيلها المؤلف، وما معنى الحاكمية لله وحده؟، هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمنع الناس جميعا عن ولاية الحكم؟، أو يكون الممثل لله فى الحكم هو شخصية هذا المؤلف الدعى، والذى ينكر وجود الحكام، ويضع المعالم فى الطريق للخروج على كل حاكم فى الدنيا؟
يرفض المفتى حديث سيد قطب عن قضايا أخرى شملها كتابه، ويذكر فى خلاصة تقريره: أنه «سيد قطب» إنسان مسرف فى التشاؤم، وينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها، ويضيف: «إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران، وترويع المجتمع، وتصدع الأمن، وإلهاب الفتن فى صورة من الإفساد لا يعلم مداها غير الله، وذلك هو معنى الثورة الحركية التى رددها فى كلامه».
ويؤكد: «المجتمعات لا تخلو من إغراء بسطاء يحسنون الظن بما لا يكون كله حقا ولا إخلاصا، وقد يسيرون وراء كل ناعق، وخاصة إذا كان يبدى الغيرة باسم الدين»، ويضيف: «إن الدعوة الإخوانية دعوة مدسوسة باسم الغيرة على الدين، وأن الذين تزعموا هذه الدعوة أو استجابوا لها، إنما أرادوا بها النكاية بالوطن والرجوع به إلى الخلف، وتعريضه لويلات تدمى قلب الإنسانية، وتلك هى الفتنة الكبرى لا قدر الله».