الشاعر التونسى عبد العزيز الهمامى فى حواره لـ "اليوم السابع": للإعلام دورًا حيويًا في إنارة الراي العام وتعزيز المسار الحضاري.. والشعر إلهام العرب الأول.. والجوائز مؤشر حقيقى على نجاح التجربة الشعرية

الأحد، 12 يناير 2025 01:15 م
الشاعر التونسى عبد العزيز الهمامى فى حواره لـ "اليوم السابع": للإعلام دورًا حيويًا في إنارة الراي العام وتعزيز المسار الحضاري.. والشعر إلهام العرب الأول.. والجوائز مؤشر حقيقى على نجاح التجربة الشعرية الشاعر التونسي عبد العزيز الهمامي

حاوره أحمد منصور

الشاعر التونسي عبد العزيز الهمامي من أبرز الشعراء المبدعين في تونس وخارجها، أصدر عدة دواوين شعرية مميزة، وحاز على جائزة القوافي ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي لعام 2024، كما نال جائزة أفضل ديوان شعري عن عمله "رفيق فوق مياه آسنة"، في هذا الحوار، يتحدث الهمامي عن بداياته الشعرية، دور نوادي الأدب في مسيرته، وأسرار الإلهام التي تقود إلى ولادة القصيدة.

 

ــ حدثنا أولا كيف كانت بدايتك في عالم الشعروالابداع؟

أرى في تقديري أن البداية الواعدة هي تماما كالوردة التي تبدأ تتفتح تدريجيا مع مرور الوقت لذلك منذ أن كنت على مقاعد الدراسة ميالا للغة العربية وشغوفا بالأدب وبمطالعة الكتب والدواوين الشعرية والاهتمام خاصة بالعَروض التي حرصت من خلالها على اتقان الأوزان الخليلية  ومن ثمة شرعت في بعض المحاولات الشعرية وتقديمها إلى أساتذة اللغة العربية وأهل الذكر واللذين وجدت منهم كل التشجيع والمساندة بل أن هناك منهم تنبّأ لي بمستقبل مضيئ في عالم الشعر، ومما زادني فرحا هو أن بعض الصحف المحلية بادرت بنشر محاولاتي الأولى التي انطلقت مع أواخر ستينات القرن الماضي.

ــ نعلم أنك أسست أول ناد للأدب بمدينة القيروان منذ أكثر من نصف قرن كيف كان ذلك وما أهمية انشاء نواد للأدب في البلاد العربية؟

دعني أقول لك أن تجربتي الشعرية  انطلقت بشكل واسع في الستيناتي التي أعتبرها  بدون منازع الفترة الذهبية للأدب والشعر والثقافة حيث كانت القيروان تفخر في ذلك الوقت برموزها من الأدباء والشعراء الكبارأمثال الشاذلي عطاء الله ومحمد مزهود والناصر الصدام ومحمد الحليوي وجعفرماجد  وغيرهم وقد استطعت رغم صغر سني وفي ظرف وجيز من الانخراط في هذا المناخ الأدبي  والاستفادة من ظلاله الوارفة وطقوسه البديعة  وأسست بمقر اللجنة الثقافية التي كانت تعنى بنبض الحياة الأدبية والفكرية  بجهة القيروان في تلك الفترة  أول ناد للأدب تواصل لسنوات عدة حيث كان قبلة العديد من عشاق الأدب  والمبدعين والشعراء الشباب ممن استقطبهم هذا النادي وجمع شملهم وشكل لهم فرصة لعرض نصوصهم وتوجيههم بالنصح والاحاطة من قبل كبار أدباء القيروان الذين ذكرنا بعض أسمائهم وكانوا يحضرون لقاءات هذا النادي وكنا سعداء بالاستئناس بنصائحهم وتوجيهاتهم حتى أن رواد هذا النادي كانوا ينتظرون موعد الأحد بشغف كبير لقراءة نصوصهم وفتح أبواب النقاش حولها .كما كان والي القيروان في ذلك الوقت الأستاذ المنجي الفقيه رحمه الله مغرما بالثقافة مولعا بالأدب فكان يأتي كلما سمحت له الظروف للاستماع إلى الشعر ومشاركة الحاضرين ورواد هذا النادي نكهة الاستماع الى القراءات الشعرية وكذلك أجواء الحوار والنقد والنقاش، إنها أيام استثنائية ممتعة أصفها  بالمرحلة المضيئة في حياتي و التي لا يمكن أن تمحى من الذّاكرة  فهي حقبة زمنية مفعمة بالمحبّة والحماس والبهاء كانت قائمة بين جميع الوافدين على نادي الأدب.

ــ لقد ساهمت بحكم عملك الصحفي في إعداد الكثير من البرامج الاخبارية في التليفزيون وفي مختلف الصحف الورقية فما تأثير ذلك على المجتمع والرأي العام؟

اعتقد أن للإعلام المكتوب والمرئي والمسوع دورًا حيويًا في إنارة الراي العام والاسهام في تعزيز المسار الحضاري وفتح معالم الطريق نحو المزيد من النماء والانخراط في دائرة الضوء لذلك عملت منذ ما يزيد عن النصف قرن في المجال الصحفي واشتغلت كمراسل للإذاعة والتلفزيون التونسي ولعدد من الجرائد والمجلات المختلفة . ولكن صاحبة الجلالة لم تمنعني من الكتابة الشعرية فقد كنت أنظم أشعاري لا أنشر منها إلا القليل بينما أحتفظ ببعضها لنفسي.

ــ لقد شاركت في العديد من مهرجانات الإبداع فكيف ترى مهرجان الشارقة للشعر العربي؟

لنتفق من البداية على أن الشعر هو ديوان العرب الأول وهو الذي تميزت به أمتنا منذ سالف العصور لذلك فهو يبقى بمثابة النبتة التي تضيئ الذاكرة وتزهر في الوجدان وأنا أعتبر أن الشعر هو الذي يأخذني الى حدائق البهاء والجمال لأنني في نهاية الأمر نشأت في مدينة القيروان وربِيت في فضائها الساحر ورضعت حليب الكلمة في أحضانها الدافئة وامتشقت سيف القصيد تحت أسوارها فهي نخلتي اليافعة التي كلما لامست جذعها تتساقط على يدي ثمارها اللذيذة . كانت مراحل الطفولة والشباب مرتبطة شديد الارتباط بهذه المدينة فتعلمت فن القول وارتكبت فضيحة حب الشعر كما قال الشاعر الراحل نزار قباني عندما زار القيروان في أول دورة لمهرجان ربيع الفنون الدولي. ومن أجل ذلك أعتز بوفائي إلى القيروان التي أينعت كالغصن الأخضر في دمي وأيقظت في نفسي جذوة الخيال والعطاء وكتبت فيها أبجدياتي الأولى بلغة العاشق المستهام.

لذلك كنت أحاول دائما أن أسكن في مفردات النص وأسافر في منعطفاته وتضاريسه بحثا عن فردوس جديد وسماء أخرى وأصداف خبيئة.

لقد شاركت في العديد من المهرجانات والملتقيات الأدبية والشعرية داخل تونس وخارجها وقد استطاع مهرجان الشارقة للشعر العربي أن يشدني ويأسر اعجابي وهو محطة رائعة تعكس ما يوليه حاكم الشارقة الدكتور الشيخ سلطان بن محمّد القاسمي من رعاية فائقة وغير مسبوقة للشعر والشعراء والإبداع والمبدعين مما جعل من هذه الامارة البديعة الساحرة أيقونة مشرقة للثقافة العربية وملاذا وارفا للقامات والأصوات الشعرية في وطننا العربي فكل الشكروالامتنان للقائمين على انجاح هذا المهرجان السنوي الضخم وفي مقدمته دائرة الثقافة وبيت الشعر بالشارقة. 

ــ لقد حصد عبد العزيز الهمامي العديد من الجوائز الوطنية والعربية فما هو تأثيرها على حياتك الشعرية؟

من الأوكد قبل الأكيد أن تكون الجوائز الشعرية هي مؤشر حقيقي على نجاح التجربة الشعرية ولا شك أن يكون وقعها متميزًا في القلب والذاكرة وكم أكون سعيدًا بهذا التتويج الشعري الذي أرى أنه لم يأت إلا بعد مسيرة طويلة من العمل والاجتهاد من أجل معانقة الحرف وتوظيفه والارتماء في أحضانه بحثا عن الحداثة بكل أبعادها الراقية،  وفي تقديري المتواضع أرى أن الشعر العربي اليوم مازال ممسكا بناصية الإبداع يرفع سيف الكلمة عاليًا إيمانًا منه بأن الشعر بخير ولن يموت أو يأفل نجمه بل سيظل محافظا على ألقه وجماله متحديا كل من يعتبر أنّ زمن الشعر ولى وانقضى.

ــ ماذا تمثل القيروان إليك وهي التي كتبت عنها العديد من القصائد والمنشورات؟

القيروان هي التي نشأت فيها وعلمتني أبجدية الحروف ومكنتني من معانقة سحرها واستجلاء مفاتنها والإبحار في معالمها وأسواقها والركض في أزقتها الجميلة وتحت أسوارها الشّاهقة والاستمتاع بمجالسها الأدبية، كل ذلك يجعل من هذه المدينة بمثابة الحب الأول والأخير ومن البديهي أن تكون أعمالي الشعرية مستمدة من طقوسها وحياتها اليومية ومن طفولتي التي تجري عل ضفافها . لقد كتبت عنها أجمل قصائدي وأعلنت لها عشقي وخلعت نعلي أمام قداسة ترابها.

ــ كيف تعيش لحظة ولادة القصيدة وما هي أبرز المضامين التي تخطر ببالك؟

ليس لي في واقع الأمر محور مغلق أدور فيه عندما أطلق العنان للكتابة لأن الشاعربامكانه أن يطير بأجنحة من ضوء في كل أصقاع الدنيا ويخترق التخوم ويستبصر الأشياء الغائبة ويصنع الحياة في تراب اللغة وأنا من طبيعة نصوصي التي تحمل أسلوبي وذاتي أن تبحر في قضايا الإنسان وفي متاهات الكون وترحل إلى هموم الناس وأوجاعهم وأحلامهم وتركب متن الحرف لتحلق أينما تريد فالشعر عادة يولد من رحم المشاعر المتوهجة في علاقتها بالفرح أو بالحزن بالصمت أو بالهدير بالهدوء أو بالعواصف بالمجد أو بالانكسار، هكذا أتعامل مع نبض الحياة سواء كنت على ضفاف النعيم أو وسط الحرائق.

أن القصيدة في معظم الأحيان هي التي تكتبني ولايهمني أن أقطف شوك الكلمات الذي يجعلني أتأوه  فأنا تعودت أن أتقاسم أحزان الفقراء والمضطهدين والكادحين وأضمد جراحات الَاخرين تحت مظلة الحب والأمل ومطاردة الحقد الذي استفحل بين القلوب في هذا العصر. أن القصيدة تداهمني أحيانا بلا موعد  وتقتحم أسواري وغرفة نومي لتخرج من أصدافي حرة طليقة فلا أمانع لاني أعتبر أن الشعر يجب أن يسافر دون تأشيرة عبور وفي تقديري أيضا  أن الشعر في كل الأحوال يجب أن يحمل قصيدة الفكرة التي تعكس وعي الشاعر ومدى انصهار تجربته الشعرية في كونيتها وفي رؤيتها العميقة للوجود بكل أبعاده وهي في يقيني أنها تجربة مثمرة وواعية تنساب في روح الحداثة أي أنها تعانق الحاضر وتفلت من قبضة الماضي وتعيش على ضفاف الاَتي بكل اشراقاته .
ــ ماهو القصيد الذي لم يكتبه الهمامي؟

أصدرت إلى حد الأن أربعة دواوين شعرية وهي أبجدية الماء والرمل ومسافات غامضة وهديل الغيمة ورفيف فوق مياه اَسنة ولي أعمال أدبية أخرى على الطريق  ولكني لحد الآن  لم أكتب بعد القصيد الذي أحلم به ولم أنته من البحث عن الأجمل الذي يملأ قناعاتي  ولا أنتهي أبدا لأن النص الشعري لن يصل إلى أرقى درجات الكمال مهما كانت قيمة هذا الأثر وأعتقد أن أحلى القصائد لم تكتب بعد فهي كائن يتطور على مدار الأزمنة ومتى قلنا إنّنا بلغنا قمة الكتابة فمعناه أننا توقّفنا عن الابداع والعطاء وذوت أزاهر النماء في أصابعنا وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح .




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة