ذكريات من ماضينا باقية فينا مع أيام المدرسة
وأنا في طريقي للجريدة تأملت مشاهد استقبال المدارس للتلاميذ والطلبة بالعام الدراسي الجديد، وأيضا فرحة واحتفال التلاميذ وأولياء أمورهم ببداية الدراسة، سرحت قليلا، وتذكرت أوقات دراستي وكيف مرت هذه السنوات في محراب العلم ما بين أفراح وأتراح وسعى.
سرحت بالذكريات لما يقرب من 36 عاما عندما دخلت المدرسة لأول مرة في إحدى قرى المنوفية، وهي قرية كفر الدوار، تذكرت ذهابي مع "رشا" برفقة والدينا لمدرسة كفر محمود المجاورة، لأن مدرسة قريتنا لم تقبلنا في البداية لصغر سننا، تذكرت كيف كان يسير اليوم الدراسي المكون من 5 حصص بينها "فسحة صغيرة" نتناول فيها الطعام، والفسحة الكبيرة كنا نلعب فيها "ماتش كورة" في الشارع، والمرمى كان "أبواب البيوت"، لكنها كانت تؤدي الغرض في النهاية طالما لعبنا واتبسطنا، تذكرت أصدقاء المدرسة وحيد ويحيى وولاء، وتذكرت "مناكفات" الطلبة، خاصة في لجان الامتحان، ولن أنسى هتافنا بعد نهاية الامتحانات "أحسن لجنة اللجنة 3 وأسوأ لجنة اللجنة 2".
تذكرت مدرسة بهناي الإعدادية وهي أيضا في قرى مجاورة لأن قريتنا لم يكن بها مدرسة للإعدادي، فكنا نسير مسافات طويلة للذهاب والرجوع من المدرسة، وفي اليوم الدراسي الأول كان واحدا من المواقف التي لم أنساها، في طريق العودة من المدرسة مع أصدقائي عصام البنا وسامح مصطفى، كنا نستغل طول الطريق بمحاكاة لكرة القدم، وكنا نلعب بزجاجة زيت فارغة كأنها الكورة و"نباصيها" لبعض، حينها اندمج سامح في اللعب وأقبل على إبراز مهاراته كمدفعجي شويط، لكنه أثناء التسديد طار حذائه وسط الترعة المحاذية للطريق والممتلئة بالمياه وظلت الكرة الوهمية في مكانها وكان نتيجتها سقوطنا على الأرض من كتر الضحك.
تذكرت أيضا صديق التختة في هذه المدرسة خلال 3 سنوات عمرو عبد الله، وتذكرت المنافسة مع صديقي محمد جمال، على مين هيطلع الأول على الفصل في الاختبارات الشهرية، تذكرت الموقف الأبشع في هذه المدرسة عندما كنت أقوم بدوري الوطني الحيوي داخل المدرسة كأحد عناصر الشرطة المدرسية، وأراد أحد الطلبة الخروج عنوة وسط اليوم الدراسي من بوابة المدرسة وعندما منعته "عضني" في صدري ومازالت أثار العضة موجودة حتى الآن.
تذكرت حصة الألعاب في المدرسة وكيف كنت هدافا لفريقي رغم جسدي المليان شوية لدرجة أن أساتذتي وأصدقائي أطلقوا عليا اسم "فيليكس" وكأنه تشبيهًا بمهاجم الأهلي في ذلك الوقت الغاني أحمد فيليكس، طبعا مع الفارق وكانت حاجة مضحكة جدا بس كانت بتعدي، تذكرت أيضا إصابتي في حادث سيارة قبل أسبوع واحد من نهاية العام وامتحانات الشهادة الإعدادية التي كنا آخر دفعة تمتحن نهاية العام فقط، وسبب الحادث كان سخيفا "عشان كنت خايف من قدوم جاموسة بيني وبينها أكتر من 100 متر"، لكنها أقدار الله وتم وضع قدمي في الجبس لمدة طويلة ومن حبي للكورة لعبت و"رجلي متجبسة"، وانتهت المرحلة الإعدادية ومن هنا كانت بداية فراق الأصدقاء.
تذكرت انتقالنا للقاهرة ودخولي مدرسة مدينة نصر الثانوية الصناعية بنين، التحقت بقسم الكهرباء وتعلمت في الورشة توصيل دوائر الكهرباء ولف المواتير وكانت مرحلة هامة في "الثبات الانفعالي"، تذكرت موقف مع صديقي عمرو غنيم "سلكه" الذي طلبت منه مازحا "سيجارة" لكنه نهرني بعنف وقال لي إنه سيضربني لو شاف معايا سيجارة، أدركت حينها مقولة "الرفيق قبل الطريق"، وأن "الصاحب ساحب".
زملائي أطلقوا عليا اسم "تهامي الشقي" رغم أني كنت هادئ الطباع جدا ولم أكن مثل أقراني في هذه المرحلة وما هو معروف عن طلبة المدارس الصناعية، معرفش ليه أطلقوا عليا هذا اللقب لكن من الممكن إني كنت شاطر أو لتمتعي بشوية من خفة الدم، تذكرت قعدات المذاكرة التي لم تكتمل إطلاقا بسبب أنها كانت تتحول لجلسات ضحك وهزار مع باقي أفراد الشلة عمرو عطية، وعمرو فتحي ومحمد صلاح، وكمان مطرب الفصل محمد أبو دنيا، حصلنا على الدبلوم وتشتت الأصدقاء وكل انشغل بحياته المهنية والعملية.
مع بداية العام الدراسي الجديد، تذكرت توفيق الله الذي ألهمني لاتخاذ قرار أراه الآن فارقًا في حياتي عندما استكملت الدراسة بعد عامين من حصولي على دبلوم الصنايع والتحقت بالثانوية العامة "منازل" اجتهدت فيها بجانب عملي، وكان يوم "الأحد" هو يوم الإجازة لكنه يوم شاق فهو يوم الدروس وتحصيل المناهج الدراسية، فكنت أطوف القاهرة من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، ولأن الله لا يضيع أجرا من أحسن عملا نجحت بفضل الله، واكتسبت صداقة طيبة أتذكر منها سالي، وإسراء، ونيرمين، اللاتي كن عونًا في تنظيم ومراجعة دروسي نظرًا لانشغالي الكثير في وقت العمل.
تذكرت أيضا دراستي في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، التي كانت مرحلة مهمة في النظر للأشياء برؤية مختلفة تمامًا عن ذي قبل، عرفت يعني إيه خدمة فرد وجماعة ومجتمع، مرحلة كانت مليئة بالتعارف والأصدقاء والتي مازالت ممتدة حتى وقتنا هذا لكنه تواصل أيضا محدود لانشغال كل منا بحياته وأبنائه وعمله.
تذكرت دراستي العليا في كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان سواء في مقرها القديم في جاردن سيتي أو في الحرم الجامعي للجامعة في حلوان، وذكريات "سلم البطاريق" بتصميمه العجيب والمميز، ثم بتوفيق الله حصولي على درجة دبلوم الدراسات العليا، لتسدل الستار على مدة 22 عاما هي رحلتي في الدراسة.
ذكريات "فيض من غيض"، ولا أبالغ إذا قلت إنها تحتاج مجلدات لسردها، لكن في هذا اليوم المميز وبداية عام دراسي جديد أوجه تحية وتقدير لأفراد أسرتي جميعًا وأساتذتي وكل من ساعدني وساندني حتى لو بكلمة، ذكريات مليئة بالمعارف والأصدقاء والصحبة الطيبة، لكن لم أنس من رحلوا عنا وتوفاهم الله في عز شبابهم، محمد مجدي، ومحمد علي، وأحمد سمري، ومحمد حسني، وعلاء يوسف، وأحمد أبو الغيط.. رحمهم الله جميعًا.
أتمنى في النهاية أن يكون عام دراسي جديد وسعيد على التلاميذ والطلبة، وهينًا على أولياء الأمور، وأن يحقق كل طالب وطالبة كل ما يرنو ويطمح إليه وتكوينهم صداقات لأن الصداقة من أجمل وأروع العلاقات الإنسانيّة في الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة