محمد أحمد طنطاوى

الأسواق الناشئة تدفع الثمن

الأربعاء، 07 أغسطس 2024 11:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"لا يزال الاقتصاد العالمي محصورا في معدلاته المنخفضة، وهذا من شأنه أن يسدد ضربة قوية لمكافحة الفقر وعدم المساواة"، كريستينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، في مقال لها نشره الموقع الإلكتروني للصندوق 23 يوليو الماضي، تؤكد خلاله بطء النمو الاقتصادي العالمي في الفترة المقبلة  حول معدلات  3,2%، هذا العام و3,3% في 2025، أي أقل بكثير من المتوسط الذي بلغ 3,8% منذ مطلع هذا القرن، وحتى تفشي جائحة كورونا.


الهبوط الحاد الذي ضرب وول ستريت، الإثنين الماضي، يبدو أنه مجرد بداية لسلسلة من الأزمات العاصفة، التي تهدد اقتصاد العالم، وتلقي بظلالها على أسواق المال، باعتبار البورصات المرآة الأكثر واقعية للأسواق، خاصة مع بيانات وظائف ضعيفة للمجتمع الأمريكي، ارتفعت فيها معدلات البطالة إلى 4.3%  يوليو، مقابل 4.1% يونيو، بما يشكك في التقارير الاقتصادية التي تحدثت عن صلابة الاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية، وإجراءات البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لاحتواء معدلات التضخم.


البورصة المصرية انخفضت على مدار يومي الأحد والإثنين الماضيين بنحو 115 مليار جنيه من رأسمالها السوقي، مدفوعة بمبيعات من جانب المستثمرين العرب والأجانب، الذين سارعوا إلى الخروج من الأسهم عقب عاصفة وول ستريت، وهو ما أثر بصورة مباشرة على سعر الدولار والعملات الأجنبية في البنوك، وتحركت من 1.5 إلى 1.8% تقريباً، وقد لامس الدولار مستوى 49.55 مقابل الجنيه، بعدما كان يتداول بـ 48.70، وهذا الصعود يمكن تفسيره في ضوء الانخفاضات التي تشهدها البورصة، فالمستثمر الأجنبي سواء كان فردا أو مؤسسة، يخرج من السوق، وأغلب هؤلاء يستثمرون أموالهم في أسهم دولارية، وبمجرد عمليات البيع تصبح البنوك ملزمة بتوفير هذه السيولة الدولارية سواء تم سحبها أو صارت تحت الطلب.


التراجع في أسواق المال اقليمياً وعربياً لا يرتبط بمصر فقط، لكنه يلقي بظلاله على العالم كله، لكن الوضع في مصر أكثر تعقيداً، نتيجة التأثيرات المباشرة للخروج من أسواق المال على العملة المحلية، نتيجة محدودية الموارد الدولارية للبلاد، بالإضافة إلى الاعتماد على الأموال الساخنة كأحد أدوات الاستثمار، لكن مع بوادر الركود العنيف الذي بدأت تجتاح العالم يوماً بعد الآخر، يشير إلى أن الأسواق الناشئة دائماً تدفع الثمن، لعدم قدرتها الكافية على مواجهة الصدمات العنيفة، بالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية التي تجتاح العالم، وتهدد استقراره خلال الفترة المقبلة.


جزء من مشكلات الأسواق الناشئة أنها تعتمد على الأموال الساخنة، مثل الاستثمار في البورصة أو عوائد سندات وأذون الخزانة، إلى جانب أنها لا تمتلك صناعات حقيقية تدعم قدرتها على الإنتاج، أو صادرات ضخمة تزيد من مواردها الدولارية في مواجهة وارداتها المتزايدة مع ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، وسوء استغلال المساحات والطبيعة الجغرافية وفرص وفرة الموارد الطبيعية المخبوءة في باطن الأرض.


على الرغم من أن الأزمة بدأت من بيانات البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تبعاتها على المنطقة ستكون أصعب من أمريكا ذاتها، وهنا يتساءل البعض: كيف تكون الأزمة أمريكية وندفع ثمنها في مصر؟  بل يكون أحد مؤشراتها أن يرتفع الدولار مقابل الجنيه؟! الإجابة نعم فقد نجح الاقتصاد الأمريكي منذ سنوات طويلة في "دولرة" اقتصاد العالم، أي أن الدولار حاضر دائماً في كل اقتصاد، وفي مصر على وجه الخصوص، فالصادرات والواردات والموارد جميعا نقومها بالدولار، وهو ما يجعل للعملة الخضراء هيمنة خاصة على الاقتصاد، السبب الآخر، هو عجز الميزان التجاري، فالصادرات المصرية تقل عن الواردات 37% ، فالصادرات  53 مليار دولار سنوياً، بينما الواردات حوالي 83.2 مليار دولار، وهذا يخلق حالة ضغط دائمة على العملة الصعبة، ويضع أعباء لتوفيرها، وسد الفجوة، خاصة إن كانت أغلب الأرقام المهمة في الواردات حبوب ومواد غذائية،  ووقود ومستلزمات إنتاج وأدوية.


إذن كلما عاشت أمريكا الأزمة الاقتصادية، كلما تصاعدت حدتها في كل الأسواق المرتبطة بها، وأول مؤشر يتحسس هذه المعادلة هو أسواق المال، التي سرعان ما يخرج منها المستثمر الأجنبي لوقف الخسائر ودعم اقتصاد بلاده "المضمون" نسبياً، بدلا من دعم أي اقتصاد آخر، لذلك تتسارع وتيرة عمليات خروج الأموال الساخنة، كلما زادت حدة الاضطرابات الاقتصادية في العالم، لتصبح تبعات الأزمة مضاعفة، ركود عالمي من جانب، وهروب الأموال الساخنة والاستثمارات من جانب آخر، خاصة مع التوقعات السلبية لأداء الاقتصاد، التي تقدمها المؤسسات المالية العالمية على رأسها صندوق النقد الدولي، الذي أكد  أن فترات الركود التي تستمر  4 سنوات أو أكثر، غالبا ما تُفضي إلى زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل بالبلدان بنحو 20%، وهي نسبة من شأنها أن ترفع معدلات الفقر، وتزيد من أرقام البطالة، وتخلق مشكلات مزمنة لها علاقة بالطبقات الاجتماعية، وتحلل بعضها لصالح الأخرى!


ويوضح صندوق النقد الدولي أنه أثناء فترات الركود الاقتصادي، يسفر البطء في خلق فرص العمل ونمو الأجور عن زيادة البطالة  وخفض نصيب العاملين من تدفقات الدخل، وهذا يسفر في الغالب عن اتساع الفجوة بين من هم في أعلى سُلَّم الدخل ومن في أسفله، وتستمر هذه الفجوة في الاتساع كلما زادت فترات الركود الاقتصادي، وتراجع معدلات النمو.
أتصور أن الضبابية هي الصورة الأقرب إلى مشهد الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، خاصة أن بوادر التحسن محاطة دائماً بالريبة والشكوك، والحلول هي الجزء الأكثر صعوبة، خاصة أن الظروف المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط، تجعلها دائماً مرشحة إلى نتائج غير متوقعة، ربما صراعات مستقبلية غير متوقعة، أو محسومة النتائج، لذلك علينا أن نستخلص الحلول من رحم هذه الأزمة ونسارع إلى العلاجات الفعالة لعلنا نجد التعافي السريع.


أظن أن الحلول تبدأ من الوعي بأهمية الاستثمار الحقيقي في البورصات وأسواق المال لا المضاربة، وخلق حالة من " الموجات البيعية العنيفة" دون أسباب واضحة، لذلك يجب دعم سوق المال بدخول شركات وقطاعات جديدة، تدعم حجم السيولة، وتزيد من حيويته، بالإضافة إلى تقليص الإنفاق في المشروعات التي تحتاج مكون دولاري خلال الفترة المقبلة، مع تدعيم موقف الاحتياطي النقدي الأجنبي في مواجهة الأزمات، والتركيز على الإنتاج الزراعي والصناعي، فهذا السبيل الحقيقي لمعدلات نمو حقيقية بدون تضخم.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة