أحمد إبراهيم الشريف

كمال بكير.. طائر على طريق الموسيقى

السبت، 24 أغسطس 2024 06:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وقعت فى فتنة الموسيقار كمال بكير لا أعرف لماذا، فأنا لست متخصصًا فى الموسيقى، ورأيى فيها انطباعى، وليس لى علاقة بقدرة الملحن أو الموسيقار على المزج بين الآلات، لكن لى علاقة بالأثر، وبما تفعله الموسيقى بمستمعيها، وبعيونى التى يبكيها الصدق الفنى، فأتساءل: "من أين يأتى كل هذا الشجن؟".

عندما استمعت إلى موسيقى فيلم "طائر على الطريق" للموسيقار كمال بكير تغير كل شىء، فكيف يمكن لقطعة موسيقية أن تصحبك طوال الطريق، أن تصحو عليها وتنام بها، أى شجن يسكن الآلات الموسيقية، وكيف كانت الحالة النفسية لكمال بكير كى يقدم هذه التحفة الخالدة، ثم تبين لى أن الموضوع ليس صدفة حدثت فى موسيقى فيلم، لكنه هو الإيمان بالدور، فجميع أفلام كمال بكير تقول شيئًا، إنها الموسيقى التصويرية للقلقين الشاعرين بالغربة فى الزمان والمكان.

ويعد كمال بكير أحد أبرز من وضع الموسيقى التصويرية للأفلام، وعلى الرغم من قلة أفلامه، وهى "بيت بلا حنان 1976، الرغبة 1979، ضربة شمس 1980، موعد على العشاء 1981، طائر على الطريق 1981، سواق الأتوبيس 1982، الثأر 1982، خرج ولم يعد 1984، عودة مواطن 1986، زمن حاتم زهران 1987، سوبر ماركت 1990، مبروك وبلبل 1998"، لكنها جميعا علامات فى الموسيقى والتعبير عن المشاعر.

بداية فيما يتعلق بحياة كمال بكير، أحيلك إلى مقالة وافية كافية تتعلق بحياته ورحلته مع الموسيقى والعمل ومحبته للعزلة، وهى مقالة "أسامة عبدالفتاح يحكى: كمال بكير.. الموسيقار المستشار شريك خان فى الشجن"، والمنشورة فى موقع شهرزاد، فالأستاذ أسامة عبد الفتاح كان له حظ أن التقى كمال بكير فى سنة 1997 وأجرى معه الحوار الوحيد الذى وافق عليه كمال بكير طوال حياته.

أما أنا فأحدثك عن أمر آخر، سأشير إلى أثر موسيقاه على إنسان مثلى يعد الموسيقى "هبة الله الأعظم"، وسأتوقف عند بعض الملاحظات التى لفتت انتباهى فى أثر موسيقى كمال بكير:

الشجن.. عندما ترق مثل عصفور

لا توجد حتى الآن مقطوعة موسيقية استطاعت أن تثير فى نفسى الشجن مثلما تفعل موسيقى فيلم "طائر على الطريق"، ولا أعرف كيف تجسدت الفكرة فى ذهن كمال بكير، وكيف تماس مع شخصية "فارس" الذى أداها أحمد زكى بهذه الطريقة.

 

 

إنها موسيقى تدفعك للسير فى الشوارع البعيدة تلك التى لا يسير فيها أحد تقريبًا، عيناك مثقلتان بالدمع، ربما لا تعرف لماذا، تقول لنفسك "لم كل هذا الشجن" ومع ذلك لا تفارق منطقة شجنك أبدًا، هناك أمر ما لا يفوتك أبدًا.
 

يقدم كمال بكير؛ فى هذا الفيلم مقطوعة متكاملة لها بداية ووسط ونهاية، مصبوغة بدرجة من الرقة حتى تشعر كأنك عصفور تريد أن تحلق بعيدًا مكتفيًا بالفضاء، لكنك سريعًا ما تسقط فى نزاع بين الإعجاب برقة قلبك وبين الحزن الطاغى المنبعث من قلبك أيضًا.

 

 

مصرية الموسيقى.. إيقاع الوطن

فى موسيقى فيلم "سواق الأتوبيس" لا شىء سوى مصر، هى الكامنة فى الموسيقى بين الحزن والرجاء، يعرف حسن الذى أدى دوره نور الشريف أن الأشياء تتهاوى، لكنه يقاوم، يخاف أن يزحف اليأس إليه، لذا نسمع كمال بكير وهو يكرر تيمة ما كأنها دقات قلب، تقول لك أثبت على محبتك.

جانب آخر فعله كمال بكير باستخدام تيمات قديمة فى اللحن تمثلت فى لحن سيد درويش "زرونى كل سنة مرة" فى دلالة قاطعة على أن مصر لا يشبهها أحد.

فى موسيقى فيلم خرج ولم يعد، يحدث نوع من الإيقاع، يمكن أن نطلق عليه الإيقاع المتمنى، لأنه بشكل ما يدور الحديث حول مدينة فاضلة، الهروب إلى الريف فى مواجهة سكن المدينة، بكل عيوبها وتوترها.

ولأن الريف مصرى تماما، كما قدمه الفيلم، جاءت موسيقاه جميلة كأن فى داخلها دعوة للمرح.

فى كل إنسان ملحمة تستحق أن تروى

تدخلك موسقى كمال بكير فى إحساس أنك تقرأ رواية، وأن الحكاية ملحمية، وأن لها علاقة بالإنسان، وقد تتحول أحيانًا إلى حوار، مثل أن يتحدث بطل ضربة شمس إلى نفسه، يسأل سؤالا فلسفيا، فتجيب عليه الموسيقى.

وخاصية الملحمية والروائية منتشرة فى جميع موسيقى الأفلام التى قدمها كمال بكير، حيث الاحتشاد الكبير للآلات والدخول بجدية للتعبير عما يحدث.

البحث فى النفس

لعل الإيقاع السريع فى فيلم «ضربة شمس» يكشف عن التوتر الكامن فى داخل النفس الإنسانينة، إنها موسيقى تقول لنا: إن هناك شيئا يتكسر الآن، ويقول لك تحرك وانجو بنفسك.

بينما تعطينا موسيقى فيلم «موعد على العشاء» درجة من التأمل، تجعلنا نعيد مرة أخرى قراءة أنفسنا، كأننا نكتشف شخصياتنا من جديد.

أما موسيقى فيلم الثأر فهى قادرة على إثارة الغضب والشفقة فى الوقت نفسه.

القطع.. صراع الواقع والفن

ما أقصده بالقطع هنا، أنه بينما الموسيقى تثير فى نفسك ما تثير، يأتى شيء ما ليقطع هذا التواصل، كما فعل فى موسيقى فيلم «الرغبة» فبينما الناى  يضرب بقوة على روحك تستمع إلى «آلة تنبيه سيارة» تقطع ذلك النغم وتعيدك مرة أخرى إلى الواقع، حيث تسعى الضوضاء بكل قوتها أن تأخذك من الفن بينما تعافر الموسيقى ولا تتوقف.

وهناك نوع آخر من القطع يتمثل فى دخول الحوار قاطعا للنغم، مثلما نرى فى فيلم «سواق الأوتوبيس»، فبينما الموسيقى تواصل نشيدها يتحدث الأبطال عما يحدث لهم لا تعرف من سينتصر فى النهاية، الموسيقى أم واقع الحوار.

هذا القطع، الذى قد يراه البعض مؤثرات إضافية، مثل صوت التليفون، أو حتى أصوات الأبواب، سمة أساسية فى موسيقى كمال بكير.

الصعود إلى أعلى

تمتاز موسيقى كمال بكير بأنها تصعد بك إلى أعلى ولعل موسيقى فيلم «الثأر» نموذج واضح لهذا الأمر، فالموسيقى آخذة فى التزايد وإضافة الدراما، التى تدل على أن هناك لحظة من الانفجار قد تحدث فى أى وقت.

يحدث ذلك لأن كمال بكير يعرف أن الموسيقى ليست حلية فى العمل، إنها معبرة عن الحالة النفسية لشخصيات الفيلم، وهم عادة مسكونون بالتوتر والقلق، لذا تصعد بهم الموسيقى إلى أعلى حتى لحظة الانفجار، التى قد يصحبها بكاء متواصل أو استسلام تام للقدر.

هكذا شعرت بكمال بكير ورأيت موسيقاه، إنه يقول عندما تعجز الكلمات عن التعبير، ويقدم موسيقى تصويرية لكل لحظات الشجن التى نمر بها، فنسير معه مصحوبين برغبة فى النجاة، لكنها رغبة محفوفة بالشجن.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة