ذكرى بدء بث التليفزيون المصرى تعيد إلى الأذهان البرامج الثقافية التي بثها منذ بداياته ومنها بالطبع برنامج فاروق شوشة وفى الأمسية الثقافية التي لا تنسى جمع فاروق شوشة الشاعرين الكبيرين أمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي وهما زميلا دراسة بل وزميلا "دكة" واحدة.
تحدث أمل دنقل عن والده ووالد عبد الرحمن الأبنودى، فقد كانا صديقين وكانا ينظمان الشعر العمودى، موضحًا أن ما جمعه بالأبنودى، هو الإخلاص للشعر من البداية، فمنذ اللحظات الأولى، لم يضع فى ذاكرته وتصميمه إلا الشعر، وفى تقديره فإن هذه الرهبنة - على حد وصفه - فى محارب الشعر هى الشىء الأهم الذى جمعه والأبنودى.
بينما قال الخال عبد الرحمن الأبنودى، إنه ما يشبهه بـ أمل دنقل أنهما كانا على قدر واحد من الثورة، على كل ما أحاط بهما من المألوف، وعلى كل الظروف، التى كانت تسير فى اتجاه أن تصنع منهما ما يريد أبويهما.
وكشف الأبنودى أن والده كتب ألفية، مثل ألفية ابن مالك، وكتب بردة مثل بردة البوصيرى، وهما مطبوعتان، مبينا أنه فى بداية حياته حاول أن يكتب الفصحى، لكن أصدقاءه فى القرية كانوا أميين، وإقامته مع والدته وارتباطه ببلدة والدته فى أبنود، ما جعله يشعر بأن الفصحى ليست المعبر الحقيقى عنه، وأنها تفقده كثيرا من المعانى الذى كان يريد أن يعبر عنها.
وأوضح الأبنودى أن كتابته بالعامية فى البداية، جعلت الشيخ محمود الأبنودى والده يمزق أول مجموعة شعرية له، قائلا: "أنتم بتهدموا اللغة وبتهدموا الفصاحة والبلاغة".
وتحدث أمل دنقل عن قضية الكتابة بالفصحى أو العامية، مشيرا إلى أن القضية ليست الفصحى، فالشاعر لا يهدم الفصحى، وجميع الملاحم التراثية كتبت بلغة فصحى "مكسرة"، ولم يؤدى ذلك إلى هدم اللغة، لكن اللغة وعاء، والقضية ليست فى اللغة التى يكتب بها الشاعر، لكن فى الأفكار التى يطرحها الشاعر، لافتا إلى أنه يرى أن اللغة أدب فى حد ذاته وقيمة جمالية.
وعن شعر "الأبنودى" أكد "دنقل" أنه يشعر بشعر الأبنودى أكثر من كثير من شعراء الفصحى، لأن الوجدان بينهما مشترك، كما أن هذه الدرجة من الحدة وتناقض الصور مألوف جدا بالنسبة له ومحفور فى وجدانه.
بينما أكد عبد الرحمن الأبنودى أنه حين يقرأ شعر أمل، يشعر كأنه هو الذى يكتبه، مشددا على أن المنطقة التى تربيا فيها كانت منطقة نقاء لغوى، والناس هناك يتحدثون بلغة تجمع ما بين المصطلحات اللغوية والتركيبات الفصيحة، فضلا عن أن اللغة فى قنا ليست غريبة عن اللغة الأم من وجهة نظره، حيث يرى استحالة أن يكون العرب يستخدمون فى القدم لغة التدوين الفصيحة، كما أنه يرى أن التدوين أوقف النمو الحقيقى للغة وصلتها بالحياة اليومية، مشددا على أن للشعر لغته الخاصة، التى تمزج بين الموسيقى والصور، والأصوات التى هى حدود الصورة، فكل قصيدة لها لغتها الخاصة.
وأضاف "الأبنودى" فى سؤال حول رأيه فى الزجل أن الزجل رغم أنه فن له أهميته وكان له دور فى فترة من الفترات، وكان المعبر الذى استطاع من خلاله بيرم التونسى أن يعبر عن تجربته السياسية والفكرية، لكنه فى النهاية فن وقع فى نفس الأخطاء الذى وقعت فيها القصيدة الكلاسيكية من حيث التنظيم، لذا فقدت وهجها.
وتابع "الأبنودى" أن الفرق بين ذلك وبين تجربته، هو أن التجربة تأتى له فى البداية، ثم تبحث عن شكل، وتخلق لغتها الخاصة، ومن ثم أصبحت هذه طريقته، موضحا أنه ربما لو كان شاعر فصحى فلم يكن ليصل لنفس الحالة التى عليها.
وقسم "دنقل" التراث إلى قسمين، الرسمى والشعبى، الأول يحمل الأساطير والميثولوجيا، والثانى هو التراث التى يحمله كل إقليم، ومن الممكن اعتبار ألف ليلة وليلة من التراث الشعبى، موضحا أن العودة للتراث أساسها اكتشاف طبيعة الشاعر، لأن الشعر التقليدى، يحمل نفس الدرجة التى يحملها الشعر الكلاسيكى، ويستخدم نفس العلاقات القديمة بين الأشياء التى كان يستخدمها الشاعر القديم، حتى فى أطر مورثه الدينى والشعبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة