دندراوى الهوارى

هل تعلم أن الديانة المصرية فى العصر الفرعونى وصلت إلى أوروبا وغزت العالم؟ «5»

الثلاثاء، 14 مايو 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ظلال شجرة الديانة المصرية القديمة، فى أواخر عصر الأسرات، تجاوزت الحدود وامتدت لتغطى بلادا بعيدة، وصلت إلى أوروبا، عندما سيطرت عبادة إيزيس وأوزوريس فى أنحاء الامبراطورية الرومانية، مترامية الأطراف، وعُثر أيضا على معابد لآلهة مصريين فى رودس ولسبوس وثيرا وأزمير، بجانب أماكن أخرى عديدة.


وفى جزيرة ديلوس اليونانية المقدسة، كما يقول الألمانى ادولف إيرمان، عالم المصريات، فى كتابه «ديانة مصر القديمة»، إن الإلهين إيزيس وسيرابيس كانا الأكثر شهرة وأتباعا عن باقى الآلهة فيها، وقد ساهم تأييد ودعم الملوك البطالمة، فى زيادة الانتشار للعقائد الدينية المصرية القديمة «الفرعونية»، ولا غرابة فى ذلك، فقد كان سيرابيس وإيزيس، هما الإلهان الرسميان فى دولتهما فعليا، لدرجة جعلوا من الإله المصرى سيرابيس، إلها إغريقيا رسميا.


الأمر تجاوز إلى ما هو أبعد، فقد كان من يريد تأكيد ولائه لملوك مصر الأقوياء، عليه أن يعتنق الديانة المصرية، ويقيم معبدا فى بلده لأحد الآلهة المصرية الشهيرة، ومن هذا المنطلق، وجدت الآلهة المصرية، لأسباب سياسية وسطوة وقدرة وصدق الديانة، طريقها للانتشار فى قبرص وصقلية وأنطاكيا وأثينا، وحتى عندما ضعفت قوة الإمبراطورية الإغريقية، كانت الآلهة المصرية قد تأصل غراسها فى الإمبراطورية، ولم تحتج إلى معاونة أو دعم، وصارت إيزيس وسيرابيس من عداد الآلهة العظيمة المعترف بها فى كل مكان، لدرجة أنه وفى القرن الثانى قبل ميلاد السيد المسيح، كان ينذر كل من يريد أن يعتق عددا من العبيد، نذرا لإيزيس وسيرابيس، فى مدينتى أرخومين وخبرونى، باعتبارهما الإلهين الكبيرين فى المدينتين، ولا يضاهيهما أى آلهة أو ديانة أخرى فى ذلك الزمان.


وامتد ظلال شجرة الديانة المصرية القديمة، إلى الغرب، أى إلى إيطاليا الجنوبية، وروما، وتوغلت فى الانتشار بين الطبقات العليا من الشعب الإيطالى، وقهرت الفلسفة، التى حاولت أن تلعب دورا فى أن تكون بديلا للديانة المصرية، إلا أن الفلاسفة الكبار فشلوا فى المواجهة.


ولم يكن طريق الديانة المصرية القديمة، فى الانتشار واقتحام أوروبا، ممهدا، وإنما كانت هناك ديانات قوية منافسة، مثل الأم العظيمة «كوبيلى» فى آسيا الصغرى، و«متراس» إله الشمس عند الفرس، وإله اليهود، ومع ذلك لم تستطع هذه الديانات أن تنتزع أى منها الأسبقية من الآلهة المصرية، وذلك لأسباب كثيرة، أبرزها الإجلال الغامض الذى كان يشعر به المرء فى البلاد ذات الحضارة القديمة والتى تكتنف الديانة المصرية، حتى أن الرومان، لم يثير فضولهم وإعجابهم بأى ديانة أو حتى عمارة وفنون سوى الديانة والحضارة المصرية، وأن قادة الفكر والفلاسفة، قد تأثروا بتعاليم وحكمة الكهنة المصريين، الذين برعوا فى العلم والثقافة والفنون.


أيضا كانت الديانة المصرية تتمتع بالحرص الشديد على تقديم المواساة والطبطبة لأتباعها فى كل مصائبهم، وكانت تمنحهم الطمأنينة والوعود البراقة فى حياة أخرى أفضل من حياة الدنيا، عندما يصعدون لمملكة «جنة أوزوريس» فى السماء، من هنا اكتسبت الديانة المصرية القديمة عمقا وجاذبية وابتعدت عن التعاليم السطحية الميتة التى حاولت الفلسفة ذرعها فى نفوس الناس، كبديل وليس كتثقيف وتوعية.


من هذا المنطق، أقبل الناس فى روما على اعتناق الديانة المصرية بحماس كبير وأن طوائف بأكملها من الشعب الإيطالى اعتنقت الديانة المصرية، وكأنها حركة دينية عامة، وهو ما أزعج الطبقة الحاكمة وحاولت الوقوف والتصدى للديانة المصرية، والحد من انتشارها، عن طريق هدم معبد للإلهة إيزيس، كل فترة.. وحسب الوثائق فإن الطبقة الحاكمة قد تمكنت من هدم معبد إيزيس 5 مرات فى 11 عاما، فى الفترة ما بين سنة 59 قبل الميلاد، وحتى سنة 48 قبل الميلاد، ثم جاء أغسطس ليحرم بناء أى معبد للديانة المصرية داخل المدن، مع السماح بالبناء فى أماكن غير ملائمة.


ولاقت الديانة المصرية، ومعابد إيزيس، اهتماما كبيرا من الإمبراطورين، كاليجولا، ودومتيان، وبعد مائة عام أصبحت إيزيس وسيرابيس، يسميان «الإلهان المصريان قديما، والرومانيان الآن» وهو ما مكن من أن تغزو الديانة المصرية العالم، تحت هذا المسمى، خاصة فى عهد الإمبراطور هادريان، الذى زار مصر ترافقه الإمبراطورة ورجال البلاد، والذين وقعوا فى أسر حب مصر، وآلهتها، فكان قصره الريفى فى «تيبور» يشتمل على بستان مصرى، كان يسمى «كانوب» على غرار ما كان يطلق على ضاحية شهيرة من ضواحى الإسكندرية.
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة