أجرت الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة باسم جائزة البوكر حوارا مع الكاتب الفلسطينى أسامة العيسة حول روايته سماء القدس السابعة، ومجموعة من القضايا الثقافية التى تخص الكتابة ورؤيته للعالم وهنا نص الحوار:
- أين كنت وقت إعلان القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟
كنت في منزلي، لم أغادر مدينة بيت لحم، منذ السابع من أكتوبر الماضي، بسبب الإغلاقات، والحواجز، وما يتعرض له الناس عليها. لم أتوقع إدراج روايتي في القائمة القصيرة، مع ازدحام أسماء أدبية كبيرة وازنة في القائمة الطويلة، وكذلك نخبة من روايات تظهر المدى التقني ودهشة المواضيع، الذي وصلت إليه الرواية العربية الحديثة. تلقيت اتصالًا من ناشري خالد الناصري، يهنئني. هاجس ما يجري في غزة، كان مخيمًا على كلينا. سعدت أكثر بإدراج رواية باسم خندقجي، وهو شخص غال علي.
- وُصفت رواية "سماء القدس السابعة" بأنها "موسوعة سردية لمدينة القدس".. حدّثنا عن البحث الذي أجريته قبل كتابة الرواية وعن المصادر المختلفة التي تعتمد الرواية عليها.
القدس، مثل أي مكان فلسطيني آخر، هو مكان بِكر، وهذه وجهة نظر شخصية، لم تقدِّم النخب العربية منذ نحو 1400 عامًا، جهدًا معرفيًا يعتد به حولها، لا بد من التنقيب الأريكولوجي ثقافيًا، في طبقات من الأساطير، والعادات، والرؤى، والقصص الدينية، التى كونت هوية فلسطينية دينماكية متطورة، انتصرت على الأفكار الأحادية، التى حاولت الأديان، وجهد الغزاة والفاتحون والأفاقون والرحالة، فرضها. أعتقد أنَّ لكلٍ منا، فلسطينيًا، وعالميًا، قدسه، وأنا بحثت عن قدسي، التي درست فيها، وعملت، ودرجت في شوارعها، واعتقلت في سجنها. ذهبت في مغامرة، مع القاريء الشريك، دون معرفة مدى نجاحها النسبي. الرواية هي سِفري الأطول عن مدينتي، ولكن أظنه ليس الأخير.
تأملت سنوات، في أزقة القدس، وجدرانها، وحجارتها، ووجوه ناسها، ومعابدها، وبحثت في وثائق محاكمها. في روايتي المسكوبية (2010م) قدمت جزءًا من عوالم القدس التحتية، والنشاط الطلابي المقاوم، وتنوعها الاثني المدهش. في روايتي محل الحديث، رنوت إلى السماوات أيضًا. ليس مثل القدس، تتدخل فيها السماوات في شؤون الأرض، وكأنَّ الآلهة المتصارعة، نقلت حروبها إلى مدينة صغيرة، أثقلها التاريخ، وما يزال ينتظرها الكثير.
- تقول الرواية: "المنتصر لا يخفي جريمته، والمهزوم لا يكتب قصته، وحدها الرخامة تحكي جزءاً من القصة في هذه المدينة التي لا تعيش إلاَ بالقصص" (ص. 105). حدّثنا عن أهمية الحكاية وعلاقتها بذاكرة المكان الفلسطيني، وعن الحكايات المتضاربة عن نفس الأماكن. هل الحكاية نوع من المقاومة؟
تاريخ القدس المكتوب، هو تاريخ منتصرين، سنجد الفخر، والزهو بسيول الدماء التي سُفكت في المدينة، لدى الرومان، والعرب، والصليبيين، والمماليك، والعثمانيين، وأخيرًا الإسرائيليين.
نحن أمام محاولات طويلة لإسكات صوت المهزومين، قتلى الحروب، والنساء ضحية الاغتصابات، والفلاحين الذين فقدوا أرضهم، وواجهوا الولاة، والخلفاء، والسلاطين، والكتبة، والأغوات، والبشاوات، والأرستقراطية الدينية، التي تتوارث المناصب والنفوذ والثروات.
أنا سليل عائلة من الفلاحين، أضحت فجأة من اللاجئين، بعد احتلال أرضها، وطردها من قريتها، غرب القدس. أنا أنتمي للمهزومين، أحمل حكاياتهم، وأحاول روايتها.
- هل نجد في رواية "سماء القدس السابعة" مراجعة للمسلّمات، والشعارات، وحتى الفعل الفدائي المبكر، كما في حديث أم البطل: "النضال الحقيقي ليس بزرع قنبلة يموت زارعها، وإنما بجلب قوت العائلة، وتعليم الأولاد..إنه الصمود في الأرض، وليس الموت عليها" (ص. 76).
بالطبع، أي عمل أدبي حقيقي، هو مراجعة، وفي روايتي هذه مراجعة للمسلمات التي أحاطت بالقدس الشعاراتية (وما تزال)، التي تئن من الخطابات الدنيوية والدينية، وهي ليست قدس الناس، وهمهم اليومي، وتناقضاتهم الداخلية، وتناقضهم مع الاحتلالات. أين هي المدينة التي خضعت لهذا الكم من الاحتلالات/ السلطات خلال قرن؛ مر على هذه المدينة العثمانيون، والبريطانيون، والمصريون، والأردنيون، والإسرائيليون. لكل سلطة مخزونها المعرفي، وسوطها المشهر.
القدس برأيى هي مدينة كوزمبوليتية، ميدان لاختبار تزاوج الهويات المتعددة، التي تعطي للمدينة هويتها. ناس القدس صمدوا، رغم البرامج الاقتلاعية، لإدراكهم، الذي قد لا يُعبَّر عنه، إعلاميًا، أنَّه عليهم العيش على أجنحة الريح، مقاومين السقوط.
- ما دلالة شخصية "السبع" في الرواية؟
يمكن أن تكون لشخصية السبع، دلالة رمزية، على عقم ثقافة الاسترجال، واستنهاض الهمم، والتراخي، والاستهتار بالخصم، والفهلوة، وغيرها من المكونات الكلاسيكية للشخصية العربية. لكنني لم أرغب أن يكون عجز السبع الجنسي، رمزا تبسيطيًا، ساذجًا، فنجد في شخصيته أبعادًا أخرى أكثر درامية، وربما طريقة انتحاره، إحدى تجليات ذلك، فهو سبع يعيش في مدينة الأساطير، والأديان، التي يعلق التاريخ في أجوائها.
- هل نجد في علاقة "كافل" بوالده انعكاساً لعلاقة الكاتب أسامة العيسة بوالده، خاصة في رواية الحكايات؟
رواية سماء القدس السابعة، ليست سيرة ذاتية، وإن وجدت تقاطعات مع شخصية كافل.
- حدّثنا عن دور النساء في المجتمع والمقاومة، كما تصوّرها هذه الرواية؟
من النساء من اخترن، المقاومة المسلحة، أو بشكل أدق العمل الفدائي، غير المخطط، لذا فشل، كما يبدو من مقتل الفدائية المقدسية ابنة الحي الأفريقي، واستهداف والدة كافل، بالرصاص الأعمى، بينما الأمر كان أكثر نضجًا، لاحقًا، لدى مناضلات الحركة الطلابية، مثل لور. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعتقد أن النضال الجماهيري، كان الأكثر مناسبة وتأثيرًا. لكن تطور القمع الاحتلالي، كان يستتبع أعمالًا انتقامية. المقاومة هي رد فعل، لذا تكتنفها الإخفاقات والأخطاء، بعكس الصمود، الذي طوره الفلسطينيون على مدى قرون من الاحتلالات.
- قال أحد القراء إن الرواية، بحكاياتها الكثيرة، تُشعره بأنه يأكل من طعام الجدّات الصحية واللذيذة. هل يعجبك هذا الوصف؟
جمال الروايات، هي أنها بعد شيوعها، لا تعد ملكا لكاتبها، وإنما للقراء، الذين يمكن أن يروا فيها وجبات الجدات اللذيذة، أو وجبات عصرنا الخفيفة، غير الصحية.
القراء، دائما على حق، في حبهم للرواية، أو بغضهم لها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة