عبد الحليم حافظ فى كل عاصمة عربية حكاية..

عادل السنهورى يكتب: فى ذكرى رحيل العندليب الأسمر.. محاولة اغتياله فى المغرب ولبنان وقصة منع أغانيه فى ليبيا... فى دمشق هاجم مذيع سورى "الوحدة" فطلب عبد الحليم حافظ من الجمهور الوقوف دقيق حدادا على روح عبدالناصر

الأحد، 31 مارس 2024 10:48 ص
عادل السنهورى يكتب: فى ذكرى رحيل العندليب الأسمر.. محاولة اغتياله فى المغرب ولبنان وقصة منع أغانيه فى ليبيا... فى دمشق هاجم مذيع سورى "الوحدة" فطلب عبد الحليم حافظ من الجمهور الوقوف دقيق حدادا على روح عبدالناصر عبد الحليم حافظ
عادل السنهورى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رغم أن بقاءه فى عالمنا لم يستمر سوى 48 عاما، وعمره الفنى لا يتجاوز منها سوى 25 عاما، ورغم أنه رحل عن هذا العالم قبل 47 عاما، ما زالت سيرته تحملها الأجيال جيل خلف الآخر، لم تقدر عليها أو تهزمها صحائف النسيان، لم ولن نستطيع أن ننسى «أعز الناس » العندليب الأسمر الراحل عبدالحليم حافظ، الذى أحيا العالم العربى ذكرى رحيله أمس 30 مارس.


نعم.. تحتفل بذكرى يوم رحيله كل دولة أو عاصمة أو مدينة عربية له فيها «صومعة من الحب ولحظات من السعادة والمشاعر القومية »، فلم يكن عبدالحليم حافظ مطربا وفنانا فحسب، بل مشروعا وحلما معبرا ومشاركا وممتزجا مع أحلام وطنه العربى، وكما قال الشاعر العربى السورى نزار قبانى، فإن حليم قاد شعبا بصوته وكان المدفعية الثقيلة التى جمع بها الوطن العربى سياسيا وعاطفيا.. كان عبدالحليم حافظ رمزا قوميا بما أنشده من أغان وطنية حفرت فى ذاكرة وجدان كل العرب.


كان صديقا للرؤساء من الزعيم جمال عبدالناصر والرئيس التونسى الحبيب بورقيبة والملك الأردنى حسين بن طلال وملك المغرب الحسن الثانى والرئيس العراقى عبدالسلام عارف، وحتى الرئيس اليمنى عبدالله السلال وكبار الشيوخ والأمراء فى الكويت والسعودية، حليم لم يكن مجرد مطرب، لكنه شخص فوق العادة، وبسبب نفوذه الفنى والجماهيرى حدثت له مواقف صعبة كثيرة، كادت أن تودى بحياته واغتياله فى بعض المرات، ودفعت به إلى الدخول رغما عنه فى أوقات وبإرادته فى أوقات أخرى فى أزمات سياسية كبرى.


فى المرة الأولى وأثناء زيارته إلى الجزائر عام 63، للاحتفال باستقلال وثورة الجزائر، وبعد مرور عدة شهور من زيارته، وقعت مشاكل سياسية بين المغرب والجزائر، لدرجة أن نشبت حرب دارت بين البلدين الشقيقين عرفت بحرب الرمال سنة 1963، وقيل للملك الحسن الثانى ملك المغرب أن عبدالحليم حافظ ساند الجزائر وغنى لها، مما جعل أغانى عبدالحليم تمنع من الإذاعة والتليفزيون المغربى مدة طويلة- حوالى 5 سنوات- حتى عام 1968.


تفاصيل هذه القضية حكاها عبدالحليم فى آخر حوار له قبل رحيله: «قالوا للملك إن عبدالحليم غنى فى الجزائر ضد المغرب، صحيح أننى غنيت فى الجزائر، لكن ليس صحيحا أننى غنيت ضد المغرب، وللأسف نجحوا فى خطتهم ووشايتهم وأكاذيبهم، وكانت النتيجة منع نشر أخبارى فى الصحف والمجلات المغربية، ومنع إذاعة أى أغنية من أغنياتى بإذاعة المغرب، قررت أن أشرح الحقيقة للملك، كتبت رسالة مطولة أشرح له فيها موقفى تتضمن ما يلى: سمعت أنهم قالوا لجلالتك إنى غنيت فى الجزائر ضد المغرب وهذا غير صحيح، كل ما حدث أنى أعددت بعض الأغانى عن كفاح الجزائر ضد الاستعمار والاحتلال الفرنسى، وهذا واجب وطنى، بل أعلم أن جلالتكم ساهمتم فى هذا الكفاح، هل شعب الجزائر لا يستحق المساندة؟ إن الكفاح الجزائرى يشرف العرب جميعا، وغنائى للشعب الجزائرى كان تعبيرا عن مشاعرى كإنسان وفنان ».. هكذا كان حب عبدالحليم حافظ للجزائر وشعبها وللأمة العربية.


المصور الصحفى الشهير الراحل فاروق إبراهيم، والصديق المقرب من حليم، يقول فى إحدى حواراته: «بعد مرور كل هذه السنوات على رحيل العندليب، ما زلت أذكر رحلة المغرب حيث تلقى العندليب دعوة من الملك المغربى بعد فترة قطيعة استمرت سنوات بسبب وشاية من المطرب المغربى عبدالوهاب الدوكالى، الذى قال للملك: إن عبدالحليم يساند الثورة الجزائرية، وكانت فى تلك الفترة هناك مشاكل سياسية بين المغرب والجزائر حتى تمكن المطرب عبدالهادى بلخياط من إزالة سوء التفاهم، وهو ما يؤكده المحامى مجدى العمروسى، الصديق والشريك فى شركة صوت الفن ».


أما العمروسى، محامى عبدالحليم حافظ والمكلف بأعماله إلى يوم وفاته، فقد اعترف هو الآخر بأن عبدالوهاب الدوكالى وشى وشاية كاذبة بعبدالحليم حافظ لدى الحسن الثانى، مفادها أنه ساند الجزائر فى حربها ضد المغرب «حرب الرمال 1963 »، مما جعل أغانى عبدالحليم تمنع مدة طويلة، إلى أن وقع الصلح بين الملك وعبدالحليم سنة 1968.


لم تكن تلك الأزمة الأولى لـ «حليم » فى المغرب، رغم العلاقة الخاصة التى ربطته بالملك الحسن الثانى والشعب المغربى، لدرجة أنه زار المغرب أكثر من عشر مرات، فيذكر طبيبه الخاص الراحل الدكتور هشام عيسى فى كتابه «حليم وأنا »: فى إحدى زيارات حليم عام 1971 وكان اليوم هو 10 يوليو، حيث توجه حليم إلى دار الإذاعة والتليفزيون بالمملكة المغربية ومعه شحاتة ابن خالته، أنا، لتسجيل أغنية جديدة هدية للملك، تأليف محمد حمزة، وتلحين بليغ حمدى، مطلعها: «أقبل الحسن علينا... ومن الحسن ارتوينا»، الملك الحسن كان يحتفل بعيد ميلاده الثالث والأربعين، ودعا كوكبة من الفنانين المصريين وبعض الفنانين العرب، كان هناك، محمد عبدالوهاب، فريد الأطرش، وديع الصافى، محمد قنديل، محمد رشدى، محمد العزبى، شادية، هدى سلطان، عفاف راضى، محمد الموجى، بليغ حمدى، منير مراد، الشاعر محمد حمزة، الممثل صلاح ذوالفقار، الكاتب الصحفى محمود عوض، بالإضافة إلى الفرقة الماسية بأكملها بقيادة أحمد فؤاد حسن.


جاءت مفاجأة هائلة غير متوقعة أثناء تسجيل حليم أغنيته، فقد أذاع الراديو بيانا مقتضبا بأن «الملك الحسن قد قتل وجيش الشعب استولى على السلطة »، وحدثت حالة من الهرج والمرج فى كل مكان، واستطاع الانقلابيون الاستيلاء على الإذاعة فى ظل وجود حليم.


اقتحم جنود الانقلاب الإذاعة، وسيطروا عليها بالفعل بعد أن قتلوا أفراد الحراسة ثم دخلوا إلى الاستوديو، حيث كان «حليم» يسجل الأغنية ومعه ملحن مغربى ضرير اسمه عبدالسلام عارف، وتقدم أحد العسكريين إلى حليم ومعه ورقة فيها بيان الانقلاب، وقال لـ «حليم » تحت تهديد السلاح: «الحسن قتل وعليك أن تقوم بإلقاء هذا البيان على الأمة المغربية».


واجه عبدالحليم أصعب اختبار فى حياته، بل كادت حياته تكون هى الثمن فى لحظة مجنونة، وبدأ ذهنه يعمل ورفض أن يذيع البيان وفضل مجابهة الخطر- خطر الموت- فى لحظة، وكرر الضابط طلبه لكن حليم رفض بشدة قائلا: «أنا فنان لا أعمل بالسياسة، وأكره أن أنخرط فيها »، ولم تجد التهديدات، فتحولوا إلى الملحن الأعمى الذى حفظ البيان تحت التهديد وسجله، وظل يذاع بصورة متكررة، وبقى «حليم» سجينا فى غرفة الاستوديو حتى المساء، حين اقتحم الإذاعة مجموعة من جنود الملك، وحملوه إلى غرفة آمنة حتى أعادوه إلى الفندق فى عربة مصفحة، وتم إنقاذ حليم بأعجوبة وبتصاريف القدر من الاغتيال والموت المحقق.  


لكن القضية لم تنته عند هذا الحد، وتعدت إلى خارج حدود المغرب إلى الشقيقة ليبيا، فقد أيدت الحكومة فى ليبيا، بقيادة العقيد القذافى وقتها، الانقلاب ضد الحسن الثانى، الذى لم يدم إلا أياما معدودة، واستعاد ملك المغرب عرشه، وتدهورت العلاقات الليبية المغربية، وبدأت الحرب الإعلامية بين البلدين الشقيقين.


ومن ضمن الذين طالتهم تلك الحرب، كان عبدالحليم حافظ والفنانون الذين حضروا ذلك الحفل فى المغرب، وتم نعتهم بمرتزقة الفن وفنانى الملوك.. إلخ.


قام بالرد على تلك المقالات الحماسية بعض جمهور حليم وقتها، انقطعت أغانى حليم من التليفزيون بعدها، ولم يعد لزيارة ليبيا إلى أن وافاه الأجل، أو لم تتم دعوته للزيارة التى أصبح تنظيمها تشرف عليه مؤسسات حكومية بعد انتهاء نشاط القطاع الخاص، الذى كان ينظم هذه الحفلات.


فن حليم لم يكن بعيدا عن الرسالة السياسية، ورغم الصراعات التى كانت تدور بالإنابة على أرض لبنان، فقد غامر حليم فى مرات كثيرة للدفاع عن العروبة، وعن زعامة مصر فى كل مكان ذهب إليه، خاصة فى لبنان وسوريا.


وفى إحدى ليالى يناير 1966، وقفت لبنان- التى كان لها مكانة خاصة لدى حليم وزارها مرات عديدة- كلها تستمع إلى العندليب عندما غنى فى مدرج لبنان الكبير بأحد المصايف وسط 3 آلاف متفرج، وغنوا معه جميعا أغنية «صورة» التى استغرق غناؤها على المسرح أكثر من ساعة ونصف الساعة.


استعان عبدالحليم حافظ بخمسة من أعضاء الكورس اللبنانيين، لم يكن الجمهور كله من اللبنانيين بل العراقيين والسوريين والأردنيين، ولاقى عبدالحليم حافظ نجاحا كبيرا فى هذه الحفلة، التى قام تليفزيون لبنان بنقلها وكأنها مهرجان شعبى سياسى ناصرى، واضطربت الأجواء.


ويروى الفنان غسان مطر، الذى كان يعمل بالإذاعة اللبنانية ويقوم بتقديم الحفل: «فوجئت وأنا مقدم الحفل بمكالمة من شخص عسكرى يبلغنى بأنه الجنرال فرح، ويأمرنى بقطع الإرسال فورا، فرددت عليه بالقول: كيف أقطع الإرسال ونحن تليفزيون لبنان ووفرنا كل الإنارة للحفل والتسجيل ومتفقين مع المتعهد للتغطية الإعلامية؟ فقال فرح بلغته العسكرية: اقطع الإرسال الآن ولا تناقش.


هنا يقول مطر: أغلقت السماعة ولم أقطع الإرسال، وفى اليوم التالى استدعيت إلى مكتب مدير التليفزيون منير طقشى ليبلغنى بالاستغناء عن خدماتى، وهكذا يتابع غسان مطر ضاحكا: خرب عبدالحليم بيتى.


الأخطر أن بعض الجماعات الكتائبية والشمعونية تعرضت للحضور العائدين من الحفل، وكسروا زجاج سيارات البعض، وضربوا ركاب بعضها، وربما كانوا ينتظرون مرور سيارة حليم لضربه، وربما للتخلص منه، فاقترحت عليه سلوك طريق آخر من عالية إلى بيروت من دون المرور بطريق الكحالة الخطر.


واصل حليم إصراره فى كل مرة يزور فيها دولة عربية على الغناء لعروبته ومصريته وزعيمه، مهما كلفه ذلك من مشاكل وصعوبات ومخاطر، فى سوريا التى زارها عدة مرات منذ عام 58 للاحتفال بالوحدة، أقام حفلتين الأولى فى سينما سوريا بمدينة حلب يوم 22 فبراير، والثانية يوم 24 فبراير، وغنى فيها إحنا الشعب واخترناك من وسط الشعب، وقدمه فى الحفل الفنان عماد حمدى.


كما تعددت زيارات حليم إلى سوريا حتى بعد الانفصال، وقدم حفلات غنى فيها للعروبة والوحدة.


لكن هذه المرة- كما يرصد المؤخرون للأحداث الفنية فى سوريا- فإن الرحلة أو الزيارة التى قام بها حليم لسوريا فى فبراير عام 1971 كانت رحلة لافتة، ولم يهتم حليم بالظروف والأوضاع السياسية اهتماما كبيرا، وكاد أن يتسبب فى أزمة، فقبل صعوده إلى المسرح صعد قبله المذيع السورى خلدون المالح، وألقى كلمة تحدث فيها عن دولة الوحدة مهاجما الرئيس جمال عبدالناصر، ومشيدا بحزب البعث والرئيس حافظ الأسد، فما كان من حليم إلا أن رد بالإشادة بناصر وإنجازاته وتضحياته من أجل العروبة، بل وطالب الحضور- وكانوا بالآلاف- بالوقوف دقيقة حدادا على روح الزعيم جمال عبدالناصر الذى توفى فى 28 سبتمبر عام 70.


لم يهتم حليم بكونه فى دمشق، وأن الرئيس جمال عبدالناصر قد مات، وأن الرئيس حافظ الأسد وحزب البعث فى عنفوان قوته، وألقى الكلمة وتفاعلت معه الجماهير السورية الحاضرة للحفل بشدة.

 

عبد الحليم حافظ
عدد اليوم السابع

 

عبد الحليم حافظ (2)
عبد الحليم حافظ (2)

 

عبد الحليم حافظ (3)
عبد الحليم حافظ وصباح

 

عبد الحليم حافظ (4)
عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش

 

عبد الحليم حافظ (1)
عبد الحليم حافظ

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة