بيشوى رمزى

النهج الدرامي لـ"المتحدة".. التنوع والتكامل واستعادة الدور

الأحد، 03 مارس 2024 02:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

على الرغم من كون الأعمال الفنية، تقع تحت قائمة "الترفيه"، إلا أنه مما لا شك فيه، فإنها تبقى صناعة مهمة ومؤثرة، من جانب، من حيث ما تقدمه من إنتاج يهدف بكل تأكيد إلى تحقيق الربح، بينما يمكنه التأثير على ثقافة المجتمع في الداخل، وفي الوقت نفسه يمثل انعكاسا لها، عبر تقديم صورته للعالم، وهو ما يمثل جانبا آخر، يتجسد في القدرة على التأثير عبر اقتحام المجتمعات الأخرى، وخلق حالة من الانسجام، بين الشعوب، فيما يسمى بـ"القوى الناعمة"، من خلال الاطلاع على الآخر، ورؤيته وتوجهاته، من خلال الشاشات، بل وإدراك ما يواجهه من تحديات، والكيفية التي يواجه بها أزماته، وهو الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في الشعبية الكبيرة التي حظى بها الفن المصري لعقود طويلة، من الزمن، خاصة في المحيط العربي والإقليمي، حتى أن اللهجة المصرية، على سبيل المثال باتت مستساغة من جانب كل الشعوب العربية.

ولعل المعضلة التي واجهت الفن، وهنا أتحدث عن الأعمال الدرامية تحديدا، في مصر لأعوام طويلة، تجسدت في مراعاة البعد الأول، كونها صناعة، وهو ما يعكس ارتباطها بموسم محدد، وهو شهر رمضان، مما ساهم في خلق حالة من "التخمة"، وزيادة حدة التنافسية، في الوقت الذي تخلو فيه باقي شهور العام من أية أعمال، في حين غاب الإبداع، في ظل الرغبة في تحقيق المكاسب، فأصبحت كل الأعمال تتمحور حول "نمطيات" بعينها، تعتمد في أغلب الأحيان على الوصول بالمشاهد لأكبر قدر ممكن من الإثارة "المفتعلة"، وهو ما أدى إلى مبالغات كبيرة، تأثر بها المجتمع، خاصة في لحظات الارتباك التي شابت العقد الماضي، ساهمت إلى حد كبير في تعزيز حالة الفوضى المجتمعية، جراء الترويج لأفكار البلطجة والثأر وغياب القوانين، وغيرها من السلبيات، وهو ما يعكس تأثير الفن على المجتمع، وقدرته على إحداث تغيير عميق في منظومته الأخلاقية والسلوكية، بينما لعبت دورا بارزا، في إطار البعد الثاني، في تغيير تلك الصورة الحالمة عن المجتمع المصري، أمام العالم، التي ارتبطت بأعمال فنية راقية امتدت لعقود طويلة من الزمن.

الأبعاد سالفة الذكر، ربما تبقى على رأس أولويات النهج الدرامي، الذي تتبناه "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، في السنوات الأخيرة، عبر تحقيق حالة من الانسجام، بين صناعة الدراما، ودورها، وتأثيرها، وهو ما بدا في العديد من الخطوات المتواترة، والتي من شأنها إدارة الأعمال الفنية، عبر خلق حالة التعددية، التي تتناسب مع جميع الأذواق والرؤى، وحتى توقيت عرضها، وهو ما يبدو في الخروج الملموس من الإطار "الرمضاني"، وإن كان الشهر الفضيل مازال يحظى بنصيب الأسد، في الأعمال الدرامية، بحكم خصوصيته عبر عرض أعمال مميزة طيلة العام، حظت بمشاهدات كبيرة، وإقبال واسع النطاق، بينما ارتكزت على تنويع طبيعة الأعمال المعروضة، لاستهداف كافة الفئات، بين التاريخي والكوميدي، والمجتمعي والثقافي، لتقدم وجبات معرفية وثقافية، إلى جانب تقديم خبرات ملهمة في معالجة الأزمات التي تواجه الأسرة المصرية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في تخفيف حدة التنافسية، والتحول نحو المزيد من التكامل بين طبيعة الأعمال، وأهدافها، وتوقيت عرضها، ويقدم فرص متوازنة للجميع للظهور بالشكل اللائق الذي يعكس احترام المشاهد.

النهج المتنوع في رؤية "المتحدة" لم يقتصر على مجرد توقيت عرض الأعمال الدرامية، أو الفئات المستهدفة، وإنما امتدت إلى القضايا التي تعالجها، والرسائل التي يقدمها، وهو ما يبدو على سبيل المثال، في مسلسل "حالة خاصة"، والذي قدم نموذجا للنجاح لشخص مصاب بالتوحد، وكذلك مسلسل "بينا ميعاد"، والذي يتناول العلاقات الأسرية، في إطار خفيف يحمل في طياته كوميديا المواقف، بينما يساهم بصورة كبيرة في تعزيز قدرة الأسرة المصرية على الصمود في مواجهة ما يلاحقها من خلافات أو أزمات، بينما يتناول مسلسل "عتبات البهجة"، والمنتظر عرضه في شهر رمضان، التعامل مع كبار السن، وهي قضايا تبدو جديدة دراميا، حيث أنها لم تكن محور الأعمال الفنية في الماضي، بينما تحمل طابعا إنسانية، ينسجم مع الحياة اليومية للمصريين، في الوقت الذي تترك فيه ابتسامه على وجوههم، جراء العرض السلس الخفيف لتلك القضايا.

بينما تبقى الإثارة حاضرة، في الأعمال الدرامية، التي تقدمها "المتحدة"، ولكن دون افتعال، في ظل ارتباطها بالمواقف المعروضة في العمل، دون مبالغة، وهو ما يضفي المزيد من الواقعية على العمل دون مبالغة، من شأنها تعزيز حالة من التطرف، قد تدمر الأسر والعائلات، بينما تترك تداعيات كبيرة على المجتمع بأسره، وهو ما بدا من قبل في زيادة نزعة التشدد تارة، والبلطجة تارة أخرى، وغيرهما من الظواهر السلبية التي ضربت قطاعات كبيرة من المجتمع، تجلت في أبهى صورها خلال العقد الماضي.

وهنا يمكننا القول بأن دراما "المتحدة" نجحت إلى حد بعيد في استعادة دور الفن، باعتباره أحد أهم أدوات "القوى الناعمة"، في الوقت الذي حافظت فيه على كونه صناعة من شأنها تحقيق الربح، من خلال حشد الأسر، أمام الشاشات، لمتابعة أعمال هادفة، سواء كانت تاريخية أو ثقافية أو مجتمعية، تتناول قضايا يواجهونها يوميا، بينما تفتح الباب أمام أستكشاف أساليب جديدة ورؤى مختلفة للتعامل معها، بعيدا عن المبالغة

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة