لا زلت أتذكر ونحن أطفال وحتى سن المراهقة والشباب كيف أثرت الدراما المصرية في شخصياتنا خصوصًا أنني وكثيرين مثلي كنا نعيش في قرى وأرياف لا نملك من حداثة المدينة إلا القليل وتسير حياتنا بالعادات والتقاليد المتوارثة من أجيال عبر أجيال، فكانت القضايا التي تُطرح عبر المسلسلات تلمسنا بشكل كبير نتأثر بها ونفهم من خلالها الكثير من حولنا.
لا أنسى أيضًا تجمعنا كعائلات حول التلفزيون لنشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل معروض مثل ليالي الحلمية وذئاب الجبل والمال والبنون، كل هذا يعبر عن قوة الفن المصري والدراما المصرية ومدى تأثيرها الإيجابي على الجمهور.
خلال السنوات الأخيرة انتعشت الدراما المصرية بأفكار لافتة وبناءة قدمتها الشركة المتحدة عبر شاشات القنوات المصرية، تخطى تأثيرها المجتمع المصرى ووصل إلى المجتمعات العربية وباتت الدراما المصرية محط أنظار ومتابعة الجمهور من مختلف دولنا وهذا نجاح كبير في ضوء الأثر الذي يتركه عن مصر والفن المصري بكافة نجومه ومبدعيه من كُتاب وممثلين ومخرجين وغيرهم من مختلف التخصصات الأخرى.
كل ما سبق يأخذنا إلى تركيز الشركة المتحدة خلال السنوات الماضية على ضرورة وجودها بشكل فعال في معركة الوعي لمحاربة الأفكار الظلامية التي اجتاحت المجتمع المصري بعد عام 2011 وتوغلت بشكل دموي بعد عام 2013، والحقيقة أن المعركة كانت صعبة للغاية لكنها أثمرت عن واقع آمن نعيشه الآن ومعه تغيرت الكثير من الأفكار والقناعات لدى الجماهير التي كانت تعتقد أمورًا إيجابية في جماعات هدفها الوحيد هدم الوطن فقط من أجل مصلحتهم.
في رأيي يمثل مسلسل الحشاشين المعروض الآن تتويج لأعمال الشركة المتحدة في معركة الوعي، هذا العمل الضخم الذي يسلط الضوء على واحدة من أخطر الجماعات والتنظيمات عبر التاريخ، لنكتشف مسارات بداية الأفكار الظلامية وكيف نشأت وأهدافها، وبالتالي نكتشف معها نحن كجمهور بشكل تأصيلي أغراض تلك الجماعات وتأثيرها السلبي على الدول.
الدراما تخلق حالة حيوية من التصورات والتخيلات التي تتيح للجمهور تشكيل صورة حقيقية عن واقع القضايا المعروضة لذلك مهما قرأنا عن جماعة "الحشاشين" في الكتب والمصادر المختلفة لن نصل إلى صورة واضحة وحقيقية لهذه الجماعة، لكن بالنسج الدرامي تتضح الصورة بشكل أدق وأكثر تفصيلًا وتبسيطًا وعليه يمثل مسلسل "الحشاشين" ضربة كبيرة لكافة الجماعات والتنظيمات التي تتخذ من الدين ستارًا تؤثر به على المنتمين إليها أو حتى على من هم في محيط دائرة هذه الجماعات.
بخلاف النسج الدرامي لمسلسل "الحشاشين" تظهر قوة الدراما المصرية في التصوير والإخراج والآداء الفني والتمثيلي للنجوم المصريين وعلى رأسهم كريم عبدالعزيز، بما يضاهي الأعمال الغربية التي كنا نشاهدها وهذا النتاج ليس وليد اللحظة بل جاء على مدار نحو عقد كامل من العمل في مسار خلق حالة من الوعي مع آداء يتماشى مع قوة مصر في ملف الفن بمجمل مكوناته.
سيعيش مسلسل "الحشاشين" وسيصبح علامة فارقة في تاريخ الفن المصري لما يحمله من حقائق ورسائل وغوص في كيان وأوصال هذه الجماعة الانتقامية، فكل التحية والتقدير لمن فكر في هذا العمل ومن ساهم في خروجه إلى النور وكل الشكر للشركة المتحدة التي لا تزال تحارب في معركة الفكر والوعي لصالح الجمهور المصري والعربي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة