بيشوى رمزى

مصر وأوروبا.. الانطلاق من "الثلاثيات" نحو شراكة "عابرة للأقاليم"

الأربعاء، 20 مارس 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أولوية كبيرة أولتها الدبلوماسية المصرية للعلاقة مع أوروبا، خلال السنوات الأخيرة، ربما تجلت في أبهى صورها في الشراكة الاستراتيجية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الاتحاد الأوروبي، بمشاركة عدة دول رئيسية في القارة، وهو ما يعكس ثمرة مهمة لجهود كبيرة، استهدفت توسيعا تدريجيا لمستوى الشراكات، التي انطلقت منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، والتي تمحورت في الأساس حول القضايا الأمنية، مع زيادة وتيرة ونطاق التهديدات التي واجهتها دول القارة العجوز، خلال النصف الثاني من العقد الماضي، والاقتصاد، في ضوء الأزمات التي عصفت بالعالم جراء الأوضاع الجيوسياسية المتدهورة، وذلك عبر نهج منظم، يهدف في الأساس إلى تعظيم المصالح المشتركة، وبالتالي تجاوز الخلافات، وهو الأمر الذي آتى بثماره، في ضوء الثقة الكبيرة التي باتت تحظى بها مصر، من قبل أحد أهم أركان "المعسكر الغربي، والذي يتشكل من أوروبا والولايات المتحدة.


الثقة الكبيرة في الدولة المصرية، جاء كنتيجة مباشرة للعديد من النجاحات التي تحققت، في إطار التجربة التي تخوضها الدولة منذ عشر سنوات، بدءً من الحرب على الإرهاب، والذي شهد اعتمادا على الذراع الأمني التقليدي، في القضاء على الميليشيات، مصحوبا بمعركة بناء الوعي لدى المواطنين، عبر حملات مكثفة، من شأنها تصحيح الأفكار المغلوطة، وهو الأمر الذي ساهمت فيه العديد من أدوات القوى الناعمة، أبرزها الخطاب الديني، والبرامج الإعلامية، ناهيك عن الدراما التلفزيونية، والتي لعبت دورا رئيسيا في كشف الأفكار التي تتبناها جماعات الظلام من جانب، ناهيك عن تقديم رواد الفكر المستنير التاريخيين، وعلى رأسهم الإمام الشافعي، والذي حمل أحد المسلسلات التي قدمتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية اسمه، خلال الموسم الرمضاني الماضي، وهو ما ساهم في دحض الإرهاب في الداخل، وتقديم نموذج ملهم للعالم، في مجابهة مثل هذه التحديات الخطيرة، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار الذي من شأنه تمهيد الطريق نحو البناء الاقتصادي.


وهنا كان المسار الاقتصادي، أحد أهم الأبعاد التي أثمرت عن خلق الشراكات الهامة، عبر طفرة تنموية تحققت في زمن قياسي، دفعت نحو خلق بيئة استثمارية عملاقة، من شأنها تعزيز الثقة لدى الاتحاد الأوروبي، والذي يبقى في حاجة ملحة إلى تعزيز شراكاته مع دول العالم، في ضوء الارتباك في العلاقة مع الحليف الأكبر (الولايات المتحدة)، خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب تراجع الدعم الأمريكي، في ضوء الأزمات التي باتت تعصف بالعالم، والتي حملت تداعيات اقتصادية ضخمة، أو غياب دور واشنطن المؤثر، في تعزيز الأوضاع الأمنية داخل مناطق أوروبا وعمقها الاستراتيجي، وهو ما يبدو بوضوح في دخول القارة في الصراعات العسكرية المباشرة، ربما للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، من خلال الأزمة الأوكرانية، وهو ما يمثل بعدا إضافيا للمسار الأمني سالف الذكر.


إلا أن التجربة المصرية، لا تقتصر في نطاقها على البعدين الأمني والاقتصادي، وإنما امتدت إلى تعزيز الثقة المتبادلة مع القارة العجوز، عبر شراكات استثنائية، مع دولها، تجاوزت في بعضها الثنائية التقليدية، نحو ما أسميته في مقالات سابقة بـ"ثلاثيات" الدبلوماسية المصرية، والتي تجاوزت مؤخرا الصيغة الثلاثية نحو نطاق أكثر اتساعا، تبدو في الشراكة مع "أوروبا الموحدة"، وعددا من الدول المؤثرة، خلال القمة الأخيرة، منها "الثلاثية" التي أطلقتها القاهرة مع اليونان وقبرص، والتي دشنت بعد ذلك "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي أصبح بمثابة كيان دولي "عابر للأقاليم"، مع انضمام دولا من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، بالإضافة كذلك إلى تدشين شراكات أخرى ثنائية، منها "المنتدى العالمي للهيدروجين الأخضر"، مع بلجيكا.


المواقف الدولية التي تبنتها مصر تجاه العدوان على غزة، تبدو هي الأخرى، أحد أهم مسارات الثقة بين مصر وأوروبا، خاصة وأن القاهرة نجحت باقتدار في إحداث تغيير ملموس في المواقف التي تتبناها دول القارة، حيث تخلت جزئيا عن الدعم المطلق لإسرائيل، تحت ذريعة الدفاع عن النفس، نحو مزيد من الاتزان، في ضوء مطالبات باتت واضحة وصريحة بوقف إطلاق النار، خاصة وأن التداعيات الكبيرة للأزمة التي يشهدها القطاع، تلامست بشكل مباشر، ربما لأول مرة، مع حياة المواطن الأوروبي، جراء تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة أساسا منذ حقبة الوباء واندلاع العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، على خلفية موجات التضخم العاتية وارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، وهو ما وضع الحكومات في حرج شديد، وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة إلى تعزيز الشراكات مع العالم الخارجي.


والملاحظ لتطور العلاقة المصرية الأوروبية، يجد أن ثمة نهجا تدريجيا، اعتمدته الدبلوماسية المصرية، يقوم على تجاوز العلاقات الثنائية، نحو الصيغة "الثلاثية"، ومنها إلى شراكات أوسع نطاقا، تحمل في طياتها تداخلا بين الدول من مختلف مناطق العالم، مما يفتح الباب أمام مزيد من التكامل، بينما تمهد الطريق نحو علاقات أوثق بين الحلفاء، وتعزيز نهج المصالحة بين الخصوم، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في تحقيق أكبر قدر من الاستقرار، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، مع إمكانية انضمام دولا أخرى، يمكنها القيام بدور أكبر في المستقبل.


وهنا يمكننا القول بأن الشراكات المصرية مع دول العالم، وفي القلب منها أوروبا العجوز، يمثل جانبا جديدا من حالة الحوار التي دشنتها الدولة في السنوات الماضية، والتي يبدو العالم بحاجة إليها في اللحظة الراهنة، لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار المفقود، خاصة مع تصاعد الأزمات بصورة كبيرة، وما باتت تمثله من تهديدات كبيرة قد تأكل الأخضر واليابس حال عدم القدرة على احتوائها في المستقبل القريب.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة