بيشوى رمزى

العدالة الدولية والشرعية.. ومعركة البقاء الأممي

الثلاثاء، 20 فبراير 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تبدو الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا على الاحتلال الإسرائيلي، لن تكون الجولة الأخيرة، التي تخوضها العدالة الدولية، في مواجهة الاحتلال، في ظل انتهاكات كبيرة، ربما لا تقتصر على العدوان الحالي على قطاع غزة، وإنما تمتد لعقود طويلة، تعود في حقيقة الأمر إلى عام 1948، تراوحت بين سرقة الأرض عبر الاستيطان، مرورا بالمذابح العديدة، التي تسعفنا السطور لسرد تفاصيلها، وحتى مخططات التهجير، والتي تقع تحت بند الإبادة الجماعية، وهو ما يبدو في جلسات الاستماع التي تعقدها محكمة العدل الدولية، بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في انعكاس صريح لحالة الغضب العالمي العارم، جراء ما ترتكبه إسرائيل، في الأراضي الفلسطينية، والتي لن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى عمليات انتقامية، ربما كان "طوفان الأقصى" أحد حلقاتها، وهو الأمر الذي أعرب عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ليثير غضب الدولة العبرية التي طالبت باستقالته من منصبه على إثرها.
 
ولعل الحديث عن "العدالة" الدولية، يمثل أهمية كبيرة في اللحظة الراهنة، باعتباره مفهوما بات مكملا لـ"الشرعية"، والتي تبقى أسيرة في قبضة القوى الدولية الحاكمة، باعتبارها مازالت مهيمنة على العالم، خاصة وأنها تملك حق "الفيتو" والذي يمثل حائط صد أمام تنفيذ الإرادة التي توافق عليها العالم، في العديد من القضايا الدولية، في ضوء تضارب المصالح، ومعطيات المنافسة، في ظل صعود العديد من القوى التي يمكنها المشاركة في صناعة القرار العالمي، وهو ما يبدو في التحديات التي واجهت العالم، لتحقيق "حل الدولتين"، منذ عقود، بينما تجلت مؤخرا، في الوصول إلى قرار أممي حول وقف إطلاق النار، رغم توافق الأغلبية الكاسحة من الدول حول ضرورة التوصل إلى صياغة في هذا الإطار حقنا للدماء.
 
ويعد الوصول إلى "العدالة" الدولية، هو بمثابة الهدف الرئيسي، وراء اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، في ضوء اختصاصاتها القائمة على محاكمة الدول، والفصل فيما بينها، وهو ما يعني أن الأحكام الصادرة من قبلها تمثل إدانة صريحة للاحتلال، وداعميه، وذلك على عكس المحكمة الجنائية الدولية، والتي تحاكم أشخاص، لم يتمكن القضاء الداخلي من محاكمتهم، بسبب ما يمتلكونه من حصانة، في إطار جرائم محددة، وهي جريمة الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن كون إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، وهو ما يعرقل إجراءاتها. 
 
وهنا تبدو قوة القرارات الصادرة عن المحكمة العدل الدولية، في كونها تضفي المزيد من الشرعية لما توافق عليه العالم، وهو الأمر الذي لا يقتصر، في الحالة الفلسطينية، على مجرد العدوان على غزة، والذي كان جوهر الجولة الأولى من المواجهة مع إسرائيل، بقيادة جنوب أفريقيا، وإنما بات يحمل العديد من الممارسات، كالاستيطان، واعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين، في الضفة الغربية والقدس، ناهيك عن الانتهاكات التي ارتكبتها دولة الاحتلال بحق المقدسات الدينية، وهي الجولة التي تلعب فيها مصر دورا رئيسيا، في ضوء مرافعتها المرتقبة، في هذا الإطار.
 
وفي الواقع، تبدو الدولة المصرية هي أول من استبق الحديث عن تطبيق العدالة، عبر الإشارة إلى ضرورة تفعيل مبدأ "المحاسبة"، وهو ما بدا في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية، والتي عقدت في الرياض، في نوفمبر الماضي، وهو ما يمثل تطبيقا للمفهوم عبر ثلاثة مسارات متوازية، أولها يحمل وجها إنسانيا، عبر الضغط على الاحتلال للاستجابة إلى دعوات وقف إطلاق النار، ليقدم الحماية لسكان غزة، الذين سفكت دمائهم لأكثر من أربعة أشهر كاملة، دون رحمة عبر استهداف المدنيين، ومنشآتهم، وهو ما أسفر عن مقتل آلاف البشر، معظمهم من النساء والأطفال، لتصبح الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، بمثابة استجابة صريحة لهذا الجانب.
 
بينما يقوم المسار الثاني على ضرورة العودة إلى الشرعية الدولية، والقائمة على حل الدولتين، وهو ما استجابت إليه الجمعية العام للأمم المتحدة، عبر الطلب الذي تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعد بمثابة "برلمان العالم"، للمحكمة للحصول على فتوى قانونية بشأن الاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية وآثارها، في حين يبقى المسار الثالث قائما على ضرورة محاسبة المتورطين في المذابح التي أرتكبت على الأراضي الفلسطينية، وأهمها في إطار العدوان الوحشي على غزة.
 
يبدو أن اللجوء إلى مفهوم "العدالة" الدولية، هو بمثابة معركة تخوضها الأمم المتحدة، في اللحظة الراهنة، عبر أحد أهم أجهزتها (محكمة العدل الدولية)، باعتبارها الذراع القضائي الدولي للمنظومة الأهم في العالم، خاصة مع الفشل الذريع لجهازها التنفيذي (مجلس الأمن) في تحقيق الشرعية الدولية، وهو الأمر الذي لا يرتبط بجوهره بالقضية الفلسطينية فقط، وإنما يرجع للعديد من الأحداث الأخرى، وربما أبرز ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار، عدم قدرتها على إنهاء الأزمة الأوكرانية، بل وقبل ذلك منع القوات الأمريكية من احتلال العراق، عندما لجأت واشنطن آنذاك إلى استبدال الشرعية الأممية، بتدشين تحالف رمزي، مع كلا من بريطانيا وفرنسا، يمكن من خلاله تبرير العدوان.
 
وهنا يمكننا القول بأن القضية الفلسطينية، وفي القلب منها العدوان على غزة، بمثابة "القشة" التي يمكنها إنقاذ المنظومة الأممية، عبر ذراعها القضائي، لتصبح المواقف الدولية مما صدر منها أو سوف يصدر عنها من أحكام، أو فتاوى، في هذا الشأن هو الملاذ الأخير ليس فقط للانتصار إلى الشعوب المظلومة، وحقوقها المشروعة، وإنما في واقع الأمر لاستعادة قدر من الحياة للمنظومة، والتي تبدو مستهدفة، وهو ما بدا في تصريحات القادة الإسرائيليين، في أعقاب موقف أمينها العام، من العدوان على القطاع المحاصر، مما يعكس رغبة ضمنية في تقويض دورها تماما وإلى الأبد.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة