سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19 ديسمبر 1969.. توفيق الحكيم يطرد ابنه «إسماعيل» بسبب 11 ألف جنيه.. ومحمد حسنين هيكل يتوسط للإصلاح بينهما بخمسة آلاف مقابل «تلاقى الأجيال»

الخميس، 19 ديسمبر 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19 ديسمبر 1969.. توفيق الحكيم يطرد ابنه «إسماعيل» بسبب 11 ألف جنيه.. ومحمد حسنين هيكل يتوسط للإصلاح بينهما بخمسة آلاف مقابل «تلاقى الأجيال» توفيق الحكيم

ساءت العلاقة بين الكاتب المفكر توفيق الحكيم، وابنه إسماعيل، فتدخل الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام»، ودبر مخططا للإصلاح بينهما بخمسة آلاف جنيه مقابل أن يكتب الحكيم مقال «تلاقى الأجيال»، نشرته «الأهرام» على صفحتين فى 19 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، ثم نشره فى كتابه «ثورة الشباب».


يكشف هيكل فى كتاب «محمد حسنين هيكل يتذكر.. عبدالناصر والمثقفون والثقافة» للكاتب يوسف القعيد، عن هذا المخطط، مشيرا إلى مقدماته المثيرة، فالأب بخيل ويرسم لابنه طريقا، والابن متمرد على الأب وماله، ويختار طريقا مختلفا، فيغضب الأب، وبينهما تعيش الأم قلقة بسبب سوء علاقة الحكيم مع ابنه.
كانت علاقة هيكل «مواليد 1923»، والحكيم «مواليد 1898» وطيدة بتأكيد هيكل للقعيد، قائلا: «كانت بيننا علاقة قديمة عندما ذهبت أنا إلى أخبار اليوم، كان هو سيحضر إليها، هذا الكلام جرى فيما بين عامى 1946 و1947، كان كاتبا ومفكرا كبيرا ودمه خفيف، وكانت بيننا علاقة غريبة، كان مبهورا بى من ناحية، وأنا كنت مبهورا بالأديب والفنان، وهو كان مبهورا بالصحفى».


بلغت العلاقة بين الاثنين ذروتها بانضمام «الحكيم» إلى الأهرام بعد أن تولى هيكل رئاسة تحريرها عام 1957، ويذكر «هيكل» أنه عرض على «الحكيم» مرتب خمسة آلاف جنيه فى السنة، وهو الحد الأعلى للمرتبات والأجور وقتئذ، ويحصل عليه لمجرد أن يحضر إلى الأهرام ويجلس فى مكتبه، فإن كتب شيئا يحاسب عليه بقيمة ما يكتبه.


يؤكد «هيكل»، أن الحكيم لم يصدق العرض، وقال: يعنى حاخد ماهية علشان أقعد بس فى الأهرام؟، فرد هيكل: كل ما أريده منك هو البقاء فى الأهرام والحضور والجلوس فيه، تلتقى مع شباب جديد يستمعون إليك وأنت تتكلم، ويستفيدون منك ويتناقشون معك بالدرجة التى تريدها، ليس من أجل النشر، ولكن للاستماع إليك فقط، وتجلس مع حسين فوزى، ونجيب محفوظ ويوسف إدريس، والهدف هو وجود حوار وتواصل بين الأجيال، ووجود حركة فى الواقع الثقافى.  


يذكر هيكل، أن بخل «الحكيم» كان أحد أبعاد طبيعة ارتباطه المضطرب بابنه «إسماعيل» الذى كان موسيقيا على عكس ما يريد والده، حيث وجهه منذ الصغر ليكون مهندسا، واحترف إسماعيل موسيقى «الجاز»، وأراد تكوين فرقة موسيقية وشراء آلات لها، وأقنع والده بأن يعطيه سلفة 11 ألف جنيه، ويوقع على كمبيالات بالمبلغ، ويسدد يوميا مائة جنيه منها لأبيه، واشترى إسماعيل الآلات وبدأت فرقته فى العزف بفندق «مينا هاوس»، ونجحت الفرقة، وسدد إسماعيل مائة جنيه فى اليوم الأول، ثم مائة ثانية فى اليوم التالى، وتوقف، فطرده «الحكيم» من المنزل، وأصر على استعادة المبلغ بالطريقة المتفق عليها، وفشلت تدخلات الأم والدكتور حسين فوزى، وناشد الاثنان «هيكل» بالتدخل فى الأمر.


استجاب هيكل ودعا الحكيم لمكتبه، وطلب من الدكتور فؤاد إبراهيم، مدير عام الأهرام، أن يرسل له شيكا بخمسة آلاف جنيه باسم توفيق الحكيم، ويتذكر: «دخل علىّ الحكيم وأنا أمامى الشيك باسمه، قلت له: عندى لك مشروع مقالة تكتبها، شرحت له فكرتى، قائلا: أنت فى قصصك الأولى عن دنيا العوالم القديمة، كانت عندك مواهب فنية، وكان نفسك أن تضرب العود وتمارس الفن من أوسع أبوابه، لكن هذا لم يتحقق لك وتحقق فى ابنك إسماعيل».


يذكر هيكل: «ما إن سمع اسم «إسماعيل» حتى صاح: ماتجيبش سيرته، فلوسى أكلها، قلت له: اسمعنى حتى الآخر، إسماعيل عمل فرقة، فأقترح أن حسين فوزى وأنا ومن تشاء دعوته من الناس نذهب لحضور إسماعيل وهو يعزف، ثم تكتب أنت عن هذه الموسيقى مقالة».


رفض الحكيم واستمر فى رفضه، ثم تراجع حين نادى هيكل لمديرة مكتبه نوال المحلاوى، قائلا: «خدى الشيك ده، وقولى لفؤاد إبراهيم يلغيه»، فهب الحكيم طالبا الانتظار، وأخذ الشيك ووضعه فى جيبه، وذهب لمشاهدة وسماع عزف ابنه، واصطحب معه الفنان صلاح طاهر، ويوسف إدريس الأقرب إلى الشباب وقتئذ.


عاد إسماعيل إلى البيت، وكتب الحكيم «تلاقى الأجيال»، موضحا حالته التى كان فيها غير مرحب بأن يكون ابنه موسيقيا، بينما تقدم الأم كل المساعدة لولدها، ثم تسليمه بذلك مضطرا، وحالة القلق التى انتابته وهو ذاهب ليسهر الليل لمشاهدة العزف، ويتحدث عن مشاعره حين لفت نظره الرفاق الذين كان معه إلى إسماعيل، وهو يحمل جيتاره ويعلق ساكسفونه، وينتقل بينهما عازفا.


عبر «الحكيم» عن سعادته بما رآه، واعترف بخطأ نظرته إلى ابنه وفرقته التى تمثل جيلا آخر، مسترجعا حالة والده هو فى التعامل، وعبر مقارنة بينهما تحدث عن الفرق بين جيله وجيل ابنه، والسلطة الأبوية التى يضيق بها الأبناء، ويوصى: «لا بد من تغيير وسائل الاتصال لجيل الشباب، ولا بد من تعديل طريقة محادثته، فكل مرحلة لها شخصيتها وذاتيتها وقوانينها ولغتها ومفهوماتها».




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة