رحل منذ ساعات الفنان الكبير حسن يوسف، أحد كبار نجوم الزمن الجميل وصاحب التاريخ الفنى الثرى بعد صراع مع المرض والأحزان.
رحل الفنان الكبير حسن يوسف الذى شارك كبار وعمالقة الفن فى شبابه أهم وأجمل الأفلام السينمائية، واستطاع أن يحتفظ بهذه النجومية بعد تقدمه فى العمر، صاحب التاريخ الطويل فى عالم الفن والسينما والمسرح والتليفزيون، تمثيلا وإنتاجا وإخراجا، وصاحب رحلة تألق تزيد عن نصف قرن من العطاء الفنى المتنوع، كان خلالها أشهر ولد شقى فى السينما حتى اشتهر بهذا اللقب، وحين تجاوز مرحلة الشباب استطاع أن يبدع من خلال أدوار الرجل الناضج والإمام العالم والقاضى العادل، أحببناه شابا فى أفلام: الزواج على الطريقة الحديثة، الخطايا، الشياطين الثلاثة، التلميذة، أم العروسة، للرجال فقط، وغيرها عشرات، بل مئات الأفلام التى استطاع من خلالها أن يحظى بشعبية كبيرة لقدرته على إقناع كل أسرة أنه أحد أبنائها يتصرف ويتكلم ويخطئ وينجح ويحنو ويقسو مثلهم، وفى مرحلة النضج قدم أدوارا لا تنسى واستطاع أن يصل أيضا إلى كل الأسر رغم ابتعاده عن السينما فقدم العديد من روائع التليفزيون: "زينب والعرش، ليالى الحلمية، إمام الدعاة، الإمام النسائى، ابن ماجة، العارف بالله الشيخ عبدالحليم محمود، الإمام المراغى، قضاة عظماء وغيرها".

حسن يوسف الذى تتلمذ على يد رواد الفن وعمالقته، ووقف فى بداية حياته إلى جوارهم بطلاً فى العديد من الأعمال، ونجم السينما والتليفزيون وقبلهما المسرح، حياة حافلة بالأحداث والذكريات والأسرار الفنية والشخصية.
وإلى جوار هذا التاريخ الفنى ومشوار النجومية الطويل، عاش الفنان الكبير مشواراً إنسانياً لا يقل زخماً وثراء ودراما عن مشواره الفنى، ففى منتصف عمره اتخذت حياة الولد الشقى مساراً مختلفاً، فخلال المرحلة الثانية من حياته اتخذ اتجاها دينياً بعد اعتزال زوجته الفنانة شمس البارودى التى شاركته بطولة العديد من الأفلام، وبعد اعتزالها تعرض الزوجان لهجوم شديد كان يشتد بين حين وآخر، وتوقف الفنان الكبير لفترة عن المشاركة فى الأعمال الفنية حتى تحدث مع الشيخ الشعراوى ليعود من جديد إلى عطائه الفنى ويقدم عدداً كبيراً من الأعمال الفنية والدرامية التى تتناسب مع قناعاته ومرحلته العمرية، وظل الفنان الكبير مستمر فى عطائه حتى المرحلة الثالثة من حياته والتى صدم فيها برحيل عبدالله أصغر أبنائه الأربعة غرقاً ، فاعتزل الفنان الكبير وتحصن بأسرته وزوجته التى يرتبط بها ارتباطاً كبيراً وعاشا قصة حب كبيرة حتى رحيله وتفرغ للعبادة، كما صرحت زوجته شمس البارودى فى تصريحات سابقة لليوم السابع.
نشأ الفنان حسن يوسف فى أسرة متوسطة بالسيدة زينب، حيث كان والده يعمل موظفًا وولد فى 14 أبريل عام 1934، وبدأ حياته لاعبا لكرة القدم فى نادى الزمالك حتى وصل لفريق تحت 21، وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1955، كما التحق بمعهد الفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1962، وبدأ مشواره الفنى قبل أن ينتهى من دراسته بالمعهد، حيث شارك فى بطولة أكثر من مسرحية أثناء الدراسة.
وفى حوار لـ اليوم السابع قبل رحيله قال الفنان الكبير حسن يوسف: أعتبر الفنان حسين رياض الأب الروحى الذى أدين له بالفضل، لأنه آمن بموهبتى وشجعنى، وأثناء دراستى بالمعهد رشحنى أساتذتى حمدى غيث وعبد الرحيم الزرقانى للمشاركة فى بعض المسرحيات، فشاركت عمالقة الفن حسين رياض، أمينة رزق، فؤاد شفيق، سميحة أيوب، سناء جميل، سهير البابلى، كمال حسين، وعمر الحريرى، وحصلت على المركز الأول فى السنة النهائية، وقال لى حسين رياض: "إنت أنور وجدى السنين الجاية".
وتابع الولد الشقى فى حواره لليوم السابع "أوعز الفنان حسين رياض للمنتج رمسيس نجيب أن يوقع معى عقد احتكار لمدة 5 سنوات حتى لا أسافر، وبالفعل اعتذرت عن بعثة لدراسة الإخراج ولو لم أسمع بنصيحة الفنان الكبير حسين رياض لتغير مصيرى، وبعدها شاركت فى العديد من الأفلام مع كبار النجوم والمخرجين، صلاح أبو سيف وحسن الإمام ، وفطين عبدالوهاب وحسام الدين مصطفى، ومن النجوم عبدالحليم حافظ وشادية وهند رستم وعمر الشريف وغيرهم، واستفدت من عملى مع كبار المخرجين وتعلمت الإخراج فقررت أن أخرج، رغم تحذيرات زملائى بأننى إذا عملت بالإخراج فلن يستعين بى باقى المخرجين، لكننى أخرجت 7 أفلام وعملت اسما جيدا فى مجال الإخراج، كما أنتجت 9 أفلام، وتوالت البطولات السينمائية وكنت أشارك فى بطولة أكثر من 3 أفلام فى وقت واحد".
وفى أوج التألق والنجومية بدأت قصة الحب الكبيرة فى حياة حسن يوسف وشمس البارودى التى لم يفرقهما بعدها إلا رحيل الولد الشقى وهو فى حضن حبيبته التى قاسمته حياته وكانا كيانا واحدا، والتى تحدث عنها الفنان الكبير فى حواره معنا مؤكداً أن هذه القصة العظيمة بدأت بخناقة، قائلاً: "ينطبق على علاقتى بشمس المثل الشعبى القائل ما محبة إلا بعد عداوة فقد بدأت علاقتى بها بخناقة فى أول عمل يجمعنا معًا، حيث كنت البطل وتأخرت هى عن التصوير فقلت اطلبوها وتحدثت معها تليفونيًا، وسألتها: "إيه ياشمس ماجيتيش ليه"، فقالت "مين حضرتك، وأنت مالك أجى ولا ماجيش اللى يكلمنى المنتج أو المخرج"، وكانت صورت مشهدين فقط ولم تكمل الفيلم أو تأخذ أجرا، وبعد هذه الواقعة التقينا فى فيلم "حكاية 3 بنات" وكانت هى البطلة مع سعاد حسنى وسامية شكر، وكان معظم شغلى معاها واتخانقنا تانى لكن كملنا الفيلم، ومكانش فى استلطاف بيننا، وكان شقيقى زميلها فى معهد الفنون المسرحية، وكنت أمر عليه بعربية اسبور، كانت حديث مصر وقتها، فكانت تقول لأخى "هو أخوك جاى يتمنظر علينا".
وعن بداية مشاعر الحب بينهما قال "خلال تصويرنا فيلم رحلة حب فى بلدها سوريا، كنت أراقبها فوجدتها مختلفة عن غيرها شكلا وموضوعا، وبدأت مشاعر الحب بيننا وعندما نزلنا مصر ذهبت إلى فيلا والدها وطلبت يدها منه وتزوجنا فى 8 فبراير 1972، وأصبحت شمس حب العمر وخير زوجة، وبعد الزواج اتفقنا ألا تمثل أمام أى بطل غيرى واشتغلنا معا عدد كبير من الأفلام، وأنجبنا أبناءنا الأربعة ناريمان وعمر ومحمود وعبد الله".
وعن تفاصيل اعتزال شمس التى غيرت مسار حياة العائلة قال الفنان الراحل فى حواره لليوم السابع: كنت أنا وشمس نستعد لتصوير فيلم جديد من إنتاجى دفعت فيه دم قلبى، واشتريت رواية "غرام صاحبة السمو" من الأديب موسى صبرى، وسافرنا لشراء الملابس من أرقى بيوت الأزياء فى فرنسا حتى تتناسب مع شخصية الأميرة التى ستجسدها شمس فى الفيلم، ودفعت فى الملابس وقتها أكثر من 40 ألف دولار، وبعدها سافرت شمس لأداء العمرة مع والدها، وأثناء العمرة قررت شمس اعتزال الفن وارتداء الحجاب، وبعد عودتها قالت لن أمثل ومش هاعمل الدور ومش عاوزة اشتغل، فاعتقدت أن هذا من تأثير العمرة وسترجع فى قرارها، وتحدث معها المخرج حلمى رفلة الذى كان بمثابة الأب الروحى لها وكان يرى أننى وشمس نشبه دويتو محمد فوزى ومديحة يسرى، ولم تتراجع شمس عن قرارها، كما تحدثت مع موسى صبرى وقلت له: شمس مش عاوزة تشتغل، فأكد أنه مفصل الدور عليها، وقال أنا هاكلمها، وتحدث معها وتأكد أن قرارها بلا رجعة، واقترح أن أستعين ببطلة غيرها، فقلت مش شايف غيرها لأننى اشتريت الرواية علشانها، وبعد فشل محاولات إقناعها اشترى سمير صبرى الرواية وأنتجها، وبعد التزام شمس احترمت قرارها.

حسن وشمس
وعن ابتعاده عن الفن خلال هذه الفترة قال: أنا لم أتوقف عن التمثيل لكن خلال هذه الفترة كنت أراجع حساباتى، وتحدثت مع الشيخ الشعراوى، فقال لى: يعنى أنت لازم تعمل أدوار الشقاوة وتركب العربية الاسبور وتعاكس البنات، زى ما علمتهم الشقاوة اعمل حاجات تعلم الناس أصول دينهم وصحيح الإسلام، ومش لازم أدوار دينية بحتة، فالشيخ الشعراوى لم يقل لأى فنان بطل تمثيل، وخلال تعاملنا معه تعلمنا من تصرفاته وكرمه ورحمته على الفقراء، وبعد وفاته لم أجد أحدًا قدم سيرته، وقررت أن أقدمها فى مسلسل، وحقق نجاحًا غير متوقع، وكانت المقاهى والشوارع تخلو من المارة، وأطلق عليه مسلسل القرن، كما قدمت مسلسل الشيخ عبدالحليم محمود، ومسلسل الشيخ المراغى، ومسلسل قضاة عظماء.
وأكد الفنان الكبير أنه لم يندم على أى عمل قدمه طوال حياته، قائلاً: أنا لم أعمل أى دور وأنا فى غير وعى، قد تكون النتيجة غير مرضية أحيانًا لحسابات خارجة عن إرادتى، لكننى أعتز بتاريخى، ويكفى أننى صاحب المكتبة الإسلامية التليفزيونية الشاملة، حيث جمعت فى المسلسلات التى قدمتها بين سيرة الخلف والسلف، فقدمت مسلسلات عن ابن ماجة والإمام النسائى، كما قدمت سيرة حياة الشيوخ الشعراوى والمراغى وعبد الحليم محمود.
وعن الهجوم الذى تعرض له هو وزوجته شمس البارودى قال: "تحملنا معا ولم نرد على الهجوم الذى استهدفنا ولا زال يستهدفنا، بالتشكيك فى نوايانا، ودائما نستعين بقول الله: إن الله يدافع عن الذين آمنوا".
عاش الفنان الكبير مع زوجته المعتزلة شمس البارودى حياة أسرية هادئة يسودها الحب والمودة والعطاء المتبادل وعاشت شمس البارودى لعبادتها وأسرتها تقدس حياتها حبها لرفيق عمرها تقديساً، حتى كانت صدمة وفاة ابنهما غرقاً فى يوليو 2023 وهو الحادث الذى زلزل الأسرة ، ولكن تحملت شمس الصدمة واستعانت عليها بالإيمان والصبر، وتبدلت أحوال الفنان الكبير حسن يوسف وتأثرت حالته الصحية وفى أواخر أيامه صارع المرض والأحزان وحاولت زوجته التخفيف عنه بتجمع الاسرة والأبناء، وحين ساءت حالته الصحية رفضت ان يبتعد عنها وحولت غرفته إلى غرفة رعاية مركزة وكانت ترعاه ليل نهار حتى لا تفارقه لحظة، إلى أن صعدت روحه إلى بارئها وهو فى حضنها لتنتهى مسيرة الولد الشقى والفنان الكبير والزوج الوفى.
وقالت زوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودى التى صدمها رحيل حبيب عمرها لليوم السابع فى أول تصريح لها بعد وفاته: "حبيبى كان أكرم وأحن الرجال، راح لحبيبه عبدالله وراح لرب كريم وحنون".