القس اندريه زكى

فرح الميلاد وسط الأزمات

الخميس، 04 يناير 2024 01:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل عام وأنتم بخير، إذ نحتفل بميلاد السيد المسيح، الذى أحضر لعالمنا النور والرجاء والخلاص والسلام. ويأتى عيد الميلاد وسط عالمٍ مُضطربٍ؛ فهناك عدة أزمات متمثلة فى الحروب، فلا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تحصد كل يوم مزيدًا من الضحايا، وتؤثر على الاقتصاد العالمى، وكذلك الحرب فى غزة، التى تستخدم فيها إسرائيل قوةً غاشمة فى تفجير المنازل والمستشفيات وقتل الأطفال. وتقف الدولة المصرية وجميعنا من خلفها، تدافع بصمود عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى ورفض كل أشكال التهجير والعنف.
 
ووسط كل هذا أيضًا، تشتعل الأزمات الاقتصادية عالميًّا، مؤثرة على ارتفاع أسعار جميع السلع، وزيادة نسبة التضخم والكساد الاقتصادى، وعلى المستوى المحلى ألقت الأزمات بظلالها على بلادنا، فأثرت على ارتفاع الأسعار والتضخم. وتبذل حكومة بلادنا مجهودًا ضخمًا لاحتواء آثار هذه الأزمات العالمية.
وإزاء التقلبات، يعيش الناس حالة من الضغوط اليومية والمخاوف الاقتصادية والاجتماعية، إزاء غدٍ مجهول، وظواهر غير معروف مآلُها. وتزداد المخاوف والضغوط فى ظل أزمة ثقة عالمية، تسببت فيها فبركة الصور والأخبار.
 
تبدو الصورة مُحبطةً للغاية، لكن إذ نتذكر ميلاد السيد المسيح، ندرك كم كان مُغيرًا حقًّا لهذه الصورة القاتمة التى كانت محيطة بميلاده أيضًا، وكيف حمل ميلاد المسيح الرجاء والنور لشعبٍ كان يسلك فى الظلمة، ويحتاج إلى مُخلِّص ينتشله من اليأس. وهو ما عكسته بشارة الملائكة للرعاة فى إنجيل لوقا 2: 8 - 11: «وَكَانَ فِى تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ».
 
وإذ نعلم أن حدث الميلاد العظيم قد سبقته نبوات كثيرة فى العهد القديم، وإحدى أبرز النبوات هى نبوة النبى إشعياء، التى وردت فى السفر الذى يحمل اسمه من أسفار الأنبياء بالعهد القديم، ويقول: «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِى الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِى أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.. لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ» «إش 9: 2، 6».
 
يُصوّر النص حالة شعب يسلك فى الظلمة، بلا أمل ولا رجاء، يسلكون أى يعيشون فى ظُلمة، يقيمون فى أرض ظلال الموت، أى انعدام الرؤية والأمل، لا مستقبل ولا فكر ولا بناء، لكن لا تنتهى الصورة قاتمةً هكذا، لماذا؟ لأنه يولد لنا ولدٌ، يقتحم الظلام ويبدده، ويعيد الأمل، ويخلق مستقبلًا مشرقًا، وينقل الشعب من أرض ظلال الموت لحياة تفيض حبًّا وسلامًا ورجاءً.
 
يتقدم النبى إشعياء خطوة أخرى، ويعلن أن فرحة ميلاد الابن ستكون كفرحة الحصاد الكثير. ومنذ أن عمل الإنسان فى الزراعة، يُمثل له الحصاد موسمًا من الفرحة والبهجة، فبالحصاد ينتعش الاقتصاد، وفى ثقافات عدة تقام احتفالات مُبهجة بحصاد بعض المحاصيل. إذن يُقدّم الحصاد رجاءً بعد تعبٍ كثير فى الزراعة، فلك عزيزى القارئ أن تتخيل كم سيكون مُبهجًا مولد هذا الطفل، كبهجة الحصاد.
 
يعلن النبى إشعياء أيضًا أن الطفل «تكون الرياسة على كتفه»، بمعنى أنه ملك ذو سلطة وقدرة على تغيير الواقع. يُؤكد إشعياء أن الله صاحب السلطان، وفوق الظروف، وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى الأحداث والظروف. ويؤكد النبى أيضًا أن الملك، المولود «لنمو رياسته وللسلام لا نهاية»، والسلام لا يعنى فقط غياب الحرب، لكنه يمثل أيضًا حالةً شاملة من الازدهار والطمأنينة، لكن هذه الحالة تحتاج إلى قوّة، لذا فإن صناعة السلام قوّة عظيمة، والقوى بحق مَن يستطيع أن يصنع سلامًا، لهذا يطلق النبى إشعياء على السيد المسيح «رئيس السلام»؛ لأن السلام الذى يمنحه سلام لا نهائى.
 
وها هى خطوة أبعد يخطوها إشعياء، إذ يعلن «لكن لا يكون ظلام للتى عليها ضيق» «إشعياء 9: 1»، فيعلن أن سيكون هناك ضيق؛ لكن لا يوجد ظلام، فيفيد النبى بأن الأزمة قد لا تنتهى، لكن يُعلن أن الظلام سينتهى، لكن ما الفرق بين الأزمة والظلام؟ الأزمة هى الظرف الراهن، لكن الظلمة هى التخبّط وفقدان الأمل والرجاء. قد تستمر الأزمة لكن نتعامل معها فى النور.. فى وجود النور تأتى الرؤية والبصيرة والقدرة على مواجهة الأزمات بحكمة، لكن حين ترتبط الأزمة بالظلام؛ هنا يكون التخبط وفقدان المعنى.
 
إن الرسالة العظمى فى قصة ميلاد المسيح رسالة السماء للإنسان: «أنت لست وحدك»، اقتحم ميلاد المسيح هذا الواقع المُنكسر ليعلن أن الظلام وفقدان الرجاء لا وجود لهما، وأنه حتى فى وسط الأزمات هناك نور. قد تشعر باليأس أو تمر بأزمة لا ترى لها حلولًا، أو تبدو الأمور مُعقدة ومتشابكة، لكن ثق «أنت لست وحدك».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة