كشف تقرير الاستقرار المالي للبنك المركزي المصري، عن انخفاض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الموجهة إلى الأسواق الناشئة، وخاصة التي شهدت ضعفًا في أوضاعها الاقتصادية بمعدل 35% لتسجل 667 مليار دولار في عام 2022، نتيجة انعكاس استثمارات المحافظ لتسجل تدفقات للخارج بقيمة 33 مليار دولار مقابل تدفقات للداخل بقيمة 137 مليار دولار في عام 2021.
وحسب التقرير، شهد النصف الأول من عام 2022 خروجًا لاستثمارات المحافظ في أدوات الدين والأسهم ضمن التبعات الفورية للحرب الروسية الأوكرانية، بينما شهد النصف الثاني رجوعًا لاستثمارات المحافظ في الأسهم وخروج أقل لاستثمارات المحافظ في أدوات الدين، وكذلك شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة انخفاضًا بمعدل 25% خلال العام لتسجل 361 مليار دولار مع زيادتها بشكل طفيف في النصف الثاني مقارنةً بالنصف الأول، أما على جانب الاستثمارات الأخرى، انخفضت بمعدل 19% لتسجل 339 مليار دولار، تركز ثلثيها في النصف الأول من العام.
ووفقًا للتقرير، أدى تراجع تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الموجهة إلى الأسواق الناشئة إلى انخفاض قيم عملات العديد من الأسواق الناشئة مما أدى إلى مزيد من الضغوط التضخمية وارتفاع أعباء الدين، خاصة لدى الدول ذات العجز الكبير في الميزان الجاري والنسب المرتفعة للديون المقومة بالدولار، لذلك اتجهت الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة لاحتواء الضغوط التضخمية، وإعادة جذب الاستثمارات الأجنبية لتخفيف الضغوط على عملاتها المحلية، وذلك على حساب ارتفاع تكلفة الاقتراض محليًا.
وواجه الاقتصاد العالمي العديد من التحديات التي نتجت عن تراكم الصدمات على مدار 3 سنوات، والتي تمثلت في اندلاع جائحة كورونا في أول عام 2020، وتلاحق موجات جديدة منها وما نتج عنها من اضطرابات في سلاسل الإمداد وتباطؤ في الطلب العالمي، بالإضافة إلى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الربع الأول من عام 2022، وما تبعها من الارتفاع غير المسبوق في معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وما تلى ذلك من التشديد التعنيف والسريع للسياسات النقدية عالميًا لاحتواء معدلات التضخم المرتفعة.
ورغم هذه التطورات، سجل الاقتصاد العالمي معدل نمو 3.4% خلال عام 2022 محققًا بذلك متوسط معدل النمو خلال الفترة من 2015-2019 التي سبقت جائحة كورونا، كما سجلت حركة التجارة العالمية معدل نمو 5.1% في عام 2022 مقابل 3.2% خلال فترة المقارنة، وهو ما يرجع لمرونة النشاط الاقتصادي في العديد من الاقتصادات، وأهها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وأهم الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وبالأخص خلال النصف الثاني من العام في أعقاب التعرض لصدمات العرض الناتج عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مدفوعًا بالأوضاع المحلية، والتي تمثلت في نمو الاستهلاك والاستثمار وسط استمرار الدعم المالي الموجه لمجابهة ارتفاع أسعار الطاقة ووفرة فرص العمل واستخدام القطاع العائلي لمدخراته.
وعلى جانب العرض، أدى تحسن أداء سلاسل التوريد والانحسار التدريجي في الضغوط على أسعار مدخلا الإنتاج بالإضافة إلى انخفاض تكاليف النقل إلى انتعاش القطاعات المتعثرة نتيجة اندلاع الجائحة والحرب، وكذلك تكيفت أسواق الطاقة بشكل أسرع من المتوقع مع صدمة الحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى الانخفاض الشديد في أسعار الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي في الربع الرابع من عام 2022-بعد ارتفاعها لأقصى مستوى في الربع الثالث من العام جراء تبعات الحرب الروسية الأوكرانية- والذي ساهم في انخفاض معدلات التضخم العام خلال النصف الثاني من العام، وبالأخص في منطقة اليورو والولايات المتحدة مقابل صعودها منذ منتصف 2020.
بالإضافة إلى انخفاض معدلات التضخم الأساسي خلال النصف الثاني ولكن بدرجة أقل نتيجة اتباع السياسة النقدية التقييدية من قبل البنوك المركزية منذ عام 2021، وعلى الرغم من ذلك تظل معدلات التضخم خلال عام 2022 عند أكثر من ضعف مستواها في المتوسط قبل الجائحة.
ويحيط استمرار التعافي الاقتصادي العالمي درجة عالية من حالة عدم اليقين، وسط التوقعات باستمرار تقييد الأوضاع المالية لفترة طويلة من أجل السيطرة على التضخم، واستمرار العديد من الاقتصادات في اتخاذ الإجراءات لاحتواء تبعات الصدمات العالمية في ظل مستويات عالية من الديون، وارتفاع تكلفة الاقتراض وضيق المساحة المالية، وتصاعد المخاوف فيما يخص الاستقرار المالي بعد الإخفاق غير المتوقع لبنكين إقليمين متخصصين في الولايات المتحدة في مارس 2023، وانهيار الثقة في بنك ذو أهمية عالمية، وما تبع ذلك من اضطرابات في أسواق المال العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة