بيشوى رمزى

عبقرية 30 يونيو (2).. من "ثورية" التفويض إلى "الواقعية" في إدارة المعارك

الجمعة، 23 يونيو 2023 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الخروج "الآمن" من الحالة الثورية، والتي سيطرت على جموع المصريين، في 30 يونيو، بدت واضحة في التعامل مع التحديات الخطيرة التي واجهت الدولة المصرية، حيث قادت بنفسها عملية الخروج تدريجيًا، بعدما قاد الشعب الثورة، في ضوء حقيقة مفادها أن الدول لا تبنى بالثورات، وإنما بالعمل والكفاح، وقبلهما الواقعية، في تشخيص الأوضاع، ومن ثم اتخاذ الخطوات العملية نحو العلاج، لتحقيق الأهداف، وبالتالي فإن التحدي الأكبر كان الانطلاق من الحالة الثورية القائمة، ثم التحول نحو المواجهة بأساليب عملية، تتواكب مع الواقع فيما يتعلق بالمعارك اللحظية التي واجهت الدولة والمجتمع خلال تلك الفترة، باعتبارها أولوية ترتبط بالأساس بمطالب الميادين، وعلى رأسها استعادة الاستقرار وإنهاء حالة الفوضى التي هيمنت على البلاد لأكثر من عامين، منذ اندلاع "الربيع العربي".
 
ولعل الخطوة الأولى نحو تحقيق الاستقرار، تجسدت في ضرورة استعادة الأمن، في ظل وجود الميليشيات الإرهابية، والتي كانت اتخذت مناطق بعينها كمعاقل لها، بمباركة نظام اعتمد عليهم اعتمادًا كليا لحماية بقاءه على مقاعد السلطة، وليكونوا "شوكة" في ظهر الوطن والمواطن حال خروجه عن الخط الذي رسموه للاستئثار بالبلاد والعباد لعقود طويلة من الزمن، وهو ما يعكس قدرة الدولة المصرية على تطبيق "فقه" الأولويات رغم غليان المشهد الثوري، جراء مخاوف ارتبطت بالحياة والمعيشة والأمن، ومن قبلهم الفوضى التي ستسعى قوى الظلام لتأجيجها انتقامًا لخروجهم المهين من المشهد السياسي بإرادة شعبية جمعية، تضامنت معها الدولة، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية.
 
ويبدو الفارق الكبير بين معركة الثورة، التي خاضها الشعب، وإدارة الأزمات، في المرحلة التي تلتها جوهريًا، فالحالة الثورية تتسم بالجنوح، بينما تبقى الإدارة عملية تتسم بالرزانة، والقدرة على التخطيط، وتوظيف الأدوات المتاحة واستغلالها بأفضل صورة ممكنة، وهي المعادلة التي وإن لم تتمكن الدولة من تحقيقها في اللحظة المناسبة، ستتواصل حالة الترهل الأمني والسياسي والاقتصادي والمجتمعي، والتي سقطت في مستنقعها العديد من دول المنطقة خلال نفس الفترة
 
فلو نظرنا إلى الحرب على الإرهاب، كنموذج للتحديات اللحظية التي ارتبطت بوقت الثورة المصرية في 30 يونيو، نجد أن الرؤية التي تبنتها الدولة انطلقت من الحالة الثورية، عبر الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع، باحتشاد المصريين مجددًا في الميادين لتفويضه لمواجهة الإرهاب والعنف المحتمل، من قبل جماعات الارهاب، انتقامًا من المصريين الذين أطاحوا بهم من السلطة، وهو ما استجابت له جموع الشعب في الميادين في 26 يوليو 2013، وهو ما يتواكب مع الحالة الثورية العامة التي هيمنت على الشارع، في أعقاب 30 يونيو، لتمنح بذلك "الشرعية" لمؤسسات الدولة، انطلاقًا من الحالة "الثورية"، لتتجه بعد ذلك نحو تنويع أدواتها، للقضاء على الميليشيات، بين الذراع الأمني، والحرب الفكرية، والمعركة التنموية، لتتحرك في آلية منسجمة لا تقتصر في جوهرها على مجرد القضاء على حفنة من المسلحين، وإنما امتدت إلى مسارات أخرى، أبرزها تقويض الأفكار التي تروج لها تلك الجماعات، لاستقطاب ألاف البسطاء، بينما تعتمد في مسار آخر اقتلاع الأسباب التي قد تدفع بعض الشباب، نحو العمل مع تلك الجماعات والتعاون معهم بصورة أو بأخرى لتحقيق مكاسب مالية، والخروج من حالة الفقر المدقع الذي عانوه بسبب سياسات التهميش التي قوضت آمالهم في مستقبل أفضل.
 
وبين آلية "الحشد"، في إطار التفويض، ومنهجية العمل في القضاء على التهديد المحدق بالبلاد عبر المسارات المذكورة، باعتباره أولوية قصوى، مرتبطة بتلك اللحظة الحاسمة في تاريخ الدولة المصرية، نجد أن ثمة انتقالا سلسًا من حالة الاندفاع التي تشوب الحالة الثورية، والتي تخرج في الكثير من الأحيان عن الإطار العملي، نحو التعامل الواقعي مع التهديدات والأزمات، وهو ما يمثل اختلافا جذريًا عن "الربيع العربي"، والتي تبنت مبدأ استمرارية الثورة، فتحولت عن أهدافها التي انطلقت من أجلها، وشعاراتها التي لم تتجاوز كونها "حبر على ورق"، نحو مطالب فئوية، وفردية، لا تلتفت في واقعها، إلى المصلحة العامة لجموع المصريين، وهو ما يفسر حالة الانقسام التي سادت المجتمع في تلك الحقبة.
 
وفي الواقع، فإن نجاح الدولة المصرية في القضاء على الإرهاب، كان بمثابة أولى الخطوات التي عززت ثقة المواطن في الدولة، بل ويعد باكورة المؤشرات على استعادة المؤسسات، في زمن يبدو قياسيًا، بعد سنوات الفوضى، وهو ما ساهم في تحقيق طفرات أخرى اقتصادية ومجتمعية وسياسية، لعبت دورا رئيسيا في تحقيق تغيير حقيقي وفعلي على أرض الواقع.
 
وهنا يمكننا القول بأن نجاح 30 يونيو لا يبدو مرتبطا فقط بتحقيق مطالب تغيير النظام القائم قبلها، وإنما في الانتقال السلس من الثورة بأفكارها الرومانسية إلى الواقع، عبر العمل المنهجي القائم على تطبيق رؤى واضحة وعملية من شأنها تحقيق الأهداف تدريجيا، وهو ما دعمه المصريون تحت قيادة رشيدة استطاعت توظيف الحالة والاستفادة منها، لتحقيق مصالح المجتمع بصورته الجمعية، بعيدًا عن النهج الفردي ذات الطبيعة الفئوية، الذي ساد البلاد قبل هذا التاريخ






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة