بيشوى رمزى

أمريكا ومعضلة اللاجئين.. والتحول من العولمة إلى "الدولنة"

الثلاثاء، 16 مايو 2023 02:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحول كبير تشهده الولايات المتحدة في التعامل مع اللاجئين القادمين إليها، خلال السنوات الماضية، خاصة من دول الجوار، وهو ما بدا واضحا مع سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اتجه نحو بناء جدار ضخم على الحدود مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين إلى بلاده، بينما تسير الإدارة الحالية على النهج نفسه، في خطوة تعكس تغييرا كبيرا في السياسات التي تتبناها واشنطن في اللحظة الراهنة، وهو ما يرجع في الأساس لظروف اقتصادية، شهدت تراجعا كبيرا أدت إلى حالة من الارتباك المجتمعي، ناهيك عن أوضاع سياسية، في ظل مؤشرات تنبئ عن عودة ترامب مجددا إلى الحياة السياسية عبر الترشح مجددا إلى البيت الأبيض محملًا بأجندة مناوئة للاجئين، تحظى بقبول كبير بين الأمريكيين، في ظل الضغوط والأعباء التي يتكبدونها إثر قبول ملايين البشر من كل حد وصوب على أراضيهم، في ضوء ما تمثله مثل هذه السياسات من تهديد للمواطن الأمريكي، جراء اتساع نطاق المنافسة في أسواق العمل، أو على المستوى الأمني إثر احتمالات تسلل متطرفين أو شخصيات ذو أجندات إجرامية، قد يهددون الأمن العام.
 
والمتابع لقضية اللاجئين في الولايات المتحدة، ربما يجد أنها جزء لا يتجزأ من الرؤى التي تبنتها واشنطن، منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تعتمد سياسة الانفتاح، بمختلف أشكاله، في إطار "العولمة"، عبر قيادة "المعسكر الغربي"، خلال الحرب الباردة، نحو فتح الحدود أمام السلع والخدمات والمهاجرين واللاجئين القادمين من الخارج دون قيود، لتستلهم دورها القيادي العالمي، من تقديم الحماية لمجموعة "الحلفاء"، في إطار دولي، خلال الحرب، إلى ملايين البشر  حول العالم، مما يعانون الظلم أو التنكيل أو ظروف صعبة في بلدانهم، لتتحول واشنطن إلى "البوتقة"، التي تذوب فيها مختلف الثقافات والأفكار، فتحولت الأراضي الأمريكية، إلى نموذج مصغر من العالم الذي تختلط فيه الافكار والحضارات والثقافات، وهو ما يقوض حالة الخصوصية التي ترتبط بالهوية، وهي الحالة التي سعت إلى تعميمها في الغرب الأوروبي، لتلقى قبولا جزئيا، خاصة في "أوروبا الموحدة"، التي شهدت اندماجها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا على المستوى القاري، بينما أظهرت بعض الدول الأوروبية ذات الهوية قدرا من التعنت تجاه هذه السياسة، على غرار بريطانيا، بدءً من رفضها التخلي عن عملتها (الجنيه الاسترليني) للعمل باليورو، حتى الانفصال الكامل عن الاتحاد الأوروبي.
 
وعلى الرغم من أن السياسات الأمريكية القائمة على الانفتاح، كانت سببا في الكثير من المزايا التي حصلت عليها الدول الحليفة لواشنطن، في إطار دعمها لهم، سواء اقتصاديا بعد الدمار الذي حل بهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أو سياسيا بعد الحرب الباردة،إلا أنها كانت تحمل في طياتها أهدافا أخرى بعيدة المدى، تتجلى في تجريد تلك الدول من "الهوية" سواء السياسية عبر الدوران المطلق في الفلك الامريكي، أو من الجانب الثقافي والمجتمعي من خلال تحقيق حالة من الاختلاط بين المواطنين والمهاجرين، وهو الأمر الذي من شأنه انتزاع "ميزة" اتسمت بها دول أوروبا، والتي هيمنا عبر امبراطورياتها القديمة على العالم، فتتساوى مع أمريكا "حديثة العهد" نسبيًا مقارنة بهم، وبالتالي تحتفظ بهيمنتها عليهم، في ظل حالة دائمة من الاحتياج إليها، سواء اقتصاديًا أو أمنيًا.
 
العداء الأمريكي لفكرة "الهوية"، لم يقتصر على أوروبا، وإنما امتد إلى مناطق أخرى في العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، عبر العديد من الصور، بدءً من العولمة، مرورا بما يسمى بـ"صراع الحضارات"، وحتى مخطط "الشرق الأوسط الجديد"، والقائم على إعادة تقسيم دول المنطقة، تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
 
إلا أن التغييرات الأخيرة في السياسات الأمريكية، سواء المرتبطة بحرية التجارة أو فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين، تعكس العديد من الحقائق، ربما أبرزها عدم قدرة واشنطن رغم ضخامة اقتصادها على الاستمرار في تقديم المزايا، سواء للدول الحليفة، أو للبشر اللاجئين إليها، خاصة مع الاستفادة الكبيرة التي حققها منافسوها الدوليين في السنوات الأخيرة، وعلى رأسهم الصين، والتي باتت "كابوسًا" مرعبا لاستمرار الهيمنة الامريكية، ناهيك عن المخاوف الكبيرة جراء تصاعد دور الحلفاء، خاصة في الاتحاد الأوروبي بما يؤهلهم لتحقيق مزيد من الاستقلالية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، وهو ما دفع واشنطن من التحول تدريجيا من سياسة "العولمة" إلى حالة يمكننا تسميتها بـ"الدولنة"، عبر التخلى عن حالة الانفتاح غير المحدود التي انغمست فيها الإدارات المتعاقبة، نحو قدر من "الانغلاق"، والعمل على تصدير الأزمات للحلفاء في سبيل إضعافهم، وهو ما يميل مسارا أخر في هذا الإطار، جنبا إلى جنب مع مسارات اخرى، تجلت في فرض التعريفات الجمركية على التجارة، وكذلك على الجانب الامني عبر التلويح مرارا وتكرارا بالانسحاب من الناتو، وأخيرا من خلال نقل الصراع الدولي إلى عمق أوروبا الاستراتيجي في أوكرانيا، وهو ما يمثل تهديدا غير مسبوق للقارة العجوز.
 
مفهوم "الدولنة"، يبقى مناهضا للفكر الذي أرسته واشنطن والقائم على العولمة، بينما يعتمد بصورة كبيرة، من وجهة النظر الأمريكية، ليس فقط على تحقيق قدر من الانغلاق، وإنما تصدير قدر من الأزمات للحلفاء، بعدما كانت تعمل عن إبعاد دوائر صراعاتها جغرافيا عنهم، على غرار الحرب الباردة، حيث أدار الغرب صراعاته مع الاتحاد السوفيتي آنذاك في مناطق النفوذ، بينما كان ينعم المعسكر الغربي بالاستقرار نسبيا بفضل المزايا الأمريكية.
 
وهنا يمكننا القول بان التغيير في سياسات واشنطن المرتبطة باللجوء لا يمكن النظر إليها بعيدا عن مواقفها المتغيرة تجاه قضايا أخرى على غرار التجارة أو الأمن، فهي تمثل تخليا جديدا عن التزاماتها تجاه الحالة "العالمية" التي خصت نفسها بها لعقود طويلة عبر تقديم نفسها كصورة لـ"العالم الحلم"، الذي تذوب بداخله الخصوصيات والهويات، لتتحول نحو إرساء وضع جديد يبدو متواكبا مع الطبيعة الجديدة للصراع الدولي.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة