د. داليا مجدى عبد الغنى تكتب: غابة بشرية

الجمعة، 12 مايو 2023 07:45 م
د. داليا مجدى عبد الغنى تكتب: غابة بشرية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

لاحظت أخيرًا أنني كلما نعت إنسانًا بالطيبة، لا يشعر بالسعادة، بل على العكس يظن أن هذا الوصف فيه شيء من الضعف، فهل لهذه الدرجة أصبحت الطيبة في زماننا هذا رمزًا للضعف والعجز؟!
 
للأسف، المواقف الصعبة التي يمر بها البشر من غدر وخيانة، وغيرها من النهايات المؤلمة، باتت تخلق حالة من النفور من منح الثقة للآخرين، أو الاستسلام للمشاعر والأحاسيس، أو لحسن النية في التعامل مع الغير، لذا أصبح أى إنسان قلبه ملئ بالحب، يخشى أن يظهر مشاعره حتى لا تأكله الذئاب البشرية.
 
فالصداقة أصبحت تُبنى على المصلحة، والحب هو والنزوة وجهان لعملة واحدة، فيبدأ بكلمة وينتهي بالغدر أو بالخيانة، والإخلاص بات يُقابل بالخيانة، وكل المفردات الجميلة، والمعاني النبيلة أصبحت سيفًا مسلطًا على عنق صاحبها، فبعد أن كان الناس قديمًا يتباهون بجميل أخلاقهم، أصبحوا الآن يتأففون من نعتهم بالسمات النبيلة، خشية منهم أن يُصبحوا لقمة سائغة في فم الآخرين، فالجميع لابد أن يستذئب حتى يعمل له الآخرون ألف حساب.
 
فلماذا حولنا الحياة إلى غابة بشرية، كل شخص فيها يجسد شخصية الذئب الذي ينتظر فرصة الإيقاع بفريسته؟، ولماذا لا نضع أنفسنا مكان ضحايانا، ونُحاول تلمس أحاسيسهم؟، فهل القوة هي مدى القدرة على الظلم والقهر والذل؟ أم أنها في الواقع مدى القدرة على دفع الظلم والقهر، ومدى القدرة على احتواء الآخر، والعطاء بلا حدود، والإحساس بالغير، فما الأجمل أن ينعتك الناس بالطيبة والخير، أم بالخبث والشر؟ وما الأفضل، أن تقابل المولى عز وجل وأنت نقي السريرة، حسن السيرة، أم تقابله وأنت ملي بكراهية البشر، ومكبل بدعواتهم عليك!
 
الحياة قصيرة مهما طالت، والأفضل أن نعيش فيها بسلام، لا أن نُحولها إلى غابة من البشر، يحملون ملامح بشرية، وبداخلهم قلوب ذئابية.
 
وأخيرًا، تذكروا أن البشر نوعين، نوع يراك طيبًا فيُحبك، ونوع يراك طيبًا فيأكلك، فأحسنْ الاختيار، وتمسك بمَنْ قدّر طيبتك فأحبك، وتجنبْ مَنْ استعمل طيبتك فأكلك.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة