بيشوى رمزى

روسيا والصين.. نظرية "النفوذ" من الصراع إلى التوافق

الأحد، 26 مارس 2023 04:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رسائل عدة حملتها الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى العاصمة الروسية موسكو، ربما أبرزها تعزيز العلاقة بين البلدين في إطار من الشراكة القائمة على التعاون بين البلدين في العديد من المجالات، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو السياسة، في مرحلة ربما تتسم بقدر كبير من الحساسية، ليس فقط بسبب الصراع القائم في أوكرانيا، وتداعياته الكبيرة على قطاعات تبدو حيوية للغاية، على غرار الغذاء والطاقة، وإنما أيضا لانتقال دائرة الصراع من الشرق إلى الغرب الأوروبي، والذي يمثل العمق الاستراتيجي للولايات المتحدة، والتي تمتعت بالهيمنة على العالم بفضل قيادتها لتلك المنطقة الجغرافية منذ أواخر الاربعينات من القرن الماضي.
 
ولعل الحديث عن زيارة الرئيس الصيني لروسيا، مرتبطا بالعديد من المشاهد التي سيطرت على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة، ربما لعبت فيها بكين دور البطولة، وعلى رأسها النجاح المنقطع النظير للإدارة الصينية في احتواء صراع طويل الأمد في منطقة الشرق الاوسط، إثر الاتفاق الذي أبرمته بين المملكة العربية السعودية وإيران، ناهيك عن إطلاق مبادرتها لإنهاء الأزمة الأوكرانية، وهو ما أضفى حالة من الزخم على تلك الزيارة، في ظل رغبات ومصالح متبادلة، تدور في معظمها، إلى جانب تحقيق المصالح الاقتصادية، حول إعادة صياغة النظام العالمي في إطار متعدد بعيدا عن حالة الهيمنة الأحادية التي سيطرت على العالم خلال العقود الثلاثة الماضية.
 
ولكن بعيدا عن المباركة الروسية للدور الصيني المرتقب في الأزمة الأوكرانية، تبقى الحاجة ملحة إلى صياغة استراتيجية موحدة حول الكيفية التي يمكن أن يدار بها العالم، في المرحلة المقبلة، تزامنا مع خفوت واشنطن، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي، فيما يتعلق بالطاقة أو التجارة أو العملة، بالإضافة إلى تقسيم نطاق النفوذ، بين الدولتين، لملء الفراغ الامريكي الأوروبي في العديد من مناطق العالم، وهو ما يبدو في الصعود الصيني الكبير في الشرق الأوسط، لتقدم نفسها كبديل للولايات المتحدة في تلك المنطقة، بعدما أقدمت الأخيرة على تخفيف الوجود العسكري من العديد من "بؤر" الصراع، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا نحو توسيع نفوذها في إفريقيا، مع تراجع دور واشنطن والعديد من القوى الأوروبية الموالية لها هناك، خاصة بعد الخروج الفرنسي، على سبيل المثال من بوركينا فاسو ومالي.
 
وفى الواقع فإن حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد بلاده توريد الحبوب بالمجان لإفريقيا، حال عدم التوصل إلى اتفاق دولي حول صادرات الحبوب الأوكرانية، يمثل إرساءً لما يمكننا تسميته بنظرية "النفوذ المتوافق" مع بكين، والذي لم يعتمد على فكرة الصراع، بين الدول المتنافسة، وإنما يقوم في الأساس على التوافق، بحيث تتكامل الأدوار بين القوتين، دون إقصاء لأحدهما، وهو ما يبدو في الشرق الأوسط، والذي تبدو فيه بكين، باعتبارها القوى الأكثر تأثيرا في الأشهر الماضية، بعدما نجحت في التوصل إلى الاتفاق السعودي الإيراني، ناهيك عن قمتها الأخيرة مع الدول العربية في ديسمبر الماضي، والتي عقدت في المملكة العربية السعودية، بينما لم يتم إقصاء موسكو، في الوقت نفسه من المشهد الإقليمي، في ظل تواجدها الملموس في سوريا، منذ عام 2015، ودورها الكبير في دعمها خلال السنوات الماضية.
 
الأمر نفسه ينطبق على إفريقيا، حيث تسعى موسكو للقيام بدور أكبر في المشهد القاري، سواء عبر تقديم الدعم لدولها، في مواجهة أزمة الغذاء العالمية، من جانب، أو فيما يتعلق بانعقاد قمة روسية إفريقية، في الأشهر المقبلة، من شأنها تعزيز التعاون بين الجانبين، دون إقصاء كذلك للجانب الصيني، في ظل دوره الكبير في دعم القارة سياسيا واقتصاديا.
 
وهنا يمكننا القول بأن التوافق الروسي الصيني، لم يقتصر في الآونة الأخيرة على مجرد الرؤى التي تتبناها كلا منهما فيما يتعلق بالقضايا الدولية الراهنة، والكيفية التي يمكن بها التعامل معها، وإنما امتدت إلى تحويل حالة التنافس إلى صورة جديدة من التكامل، لا تقتصر في نطاقها على الأبعاد التجارية والاقتصادية، وإنما امتدت إلى أحد أكثر نقاط "الصراع" بين القوى الدولية المتنافسة، والتي تتمثل في السيطرة على أكبر قدر ممكن من دوائر النفوذ، وذلك عبر تقسيم مناطق التأثير فيما بينهما بالتوافق، وهو ما يمثل صورة جديدة من التحالفات، التي تتجاوز الرؤى التي تبناها الغرب، والتي التزمت فيها دول المعسكر بالدوران في فلك القيادة الأمريكية، مقابل تقديم الأخيرة للحماية لهم، خاصة على الجانب العسكري، من خلال حلف الناتو









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة